بين مطالب الجولاني واتهامات تركيا...مقاتلو الأجانب في قلب سلطة دمشق

مع تزايد الاتهامات التركية ومطالبات الجولاني بانسحاب المقاتلين الأجانب من شمال وشرق سوريا، تكشف الحقائق عن تناقض واضح بين الادعاءات والواقع، حيث يظهر أن المقاتلين الأجانب في سلطة دمشق يتواجدون داخل وزارة الدفاع الجديدة.

في ظل التطورات السياسية والعسكرية والمتسارعة في سوريا تتصاعد الادعاءات التي تزعم وجود قوات أجنبية ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية، ومع ذلك يبقى الواقع مختلفاً تماماً عن هذه الادعاءات فالحقائق تشير بوضوح إلى أن غالبية المقاتلين المنخرطين في هذه القوات سواء في قوات سوريا الديمقراطية او في القوات العسكرية الأخرى المنتشرة في مناطق شمال وشرق سوريا هم أبناء مكونات هذه المنطقة نفسها، هؤلاء المقاتلون هم جزء لا يتجزأ من نسيج المنطقة وهم ينتمون إلى مكونات شمال وشرق سوريا التي تشارك في الدفاع عن وطنها.

وتتزامن هذه الادعاءات مع حملات إعلامية تروج لها دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها ومع بعض من الانظمة التي تحاول تشويه صورة المقاومة لقوات سوريا الديمقراطية واتهامها بأنها تضم مقاتلين أجانب، لكن الحقيقة هي أن المقاتلين الذين يدعون أنهم أجانب، هم من الكرد القادمين من أجزاء كردستان الاربعة والذين لبوا نداء الواجب دفاعاً عن القضية الكردية، وهؤلاء المقاتلون الذين شاركوا ببطولة في معركة كوباني الشهيرة، لم يأتوا إلى سوريا بدوافع خارجية، بل انضموا إلى صفوف قوات سوريا الديمقراطية والقوات العسكرية الأخرى إثر إعلان "النفير العام" الذي تم في تلك الفترة حيث كانت الحرب ضد تنظيم داعش في أوجهها، وكان التحدي أكبر من أي وقت مضى.

ولكن ما يستحق الوقوف عنده هو التناقض الصارخ في الخطاب التركي وسلطة دمشق، ففي حين تروج تركيا لهذه الادعاءات الكاذبة حول وجود "مقاتلين أجانب" في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، نجد أنها هي نفسها قد أرسلت مجموعات من المقاتلين الأجانب إلى الأراضي السورية، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية هذه الحقيقة تكشف بوضوح ازدواجية المعايير التي تتبعها تركيا في سياستها الإقليمية، إذ تتهم الآخرين بما تفعله هي نفسها ولقد رأينا مشاهد سوريا الجديدة في سلطة دمشق.

حول وزارة الدفاع الجديدة التي تم تشكيلها من قبل سلطة دمشق بإدارة محمد الجولاني حيث تم تعيين بعض الأشخاص من خارج سوريا وهم أجانب في الوزارة الجديدة، وتم منحهم جنسيات سورية، ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، تم ترفيع اثنين إلى رتبة لواء أحدهما مرهف ابو قصرة القائد العسكري لـ "هيئة تحرير الشام"، والذي يتوقع أن يتولى وزارة الدفاع في الإدارة الجديدة. كما تم "ترفيع" خمسة إلى رتبة عميد، والبقية إلى رتبة عقيد.

وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان الى أن من بين الأسماء الـ49 الواردة في المرسوم، "ستة جهاديين أجانب" بينهم ألباني وأردني وطاجيكي وآخر من الايغور ينتمي إلى الحزب الإسلامي التركستاني، وتركي كان "قائد لواء" في "هيئة تحرير الشام، كما أن هناك العديد من المقاطع التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تثبت وجود مقاتلين أجانب في سوريا.

وتثير العلاقة الغامضة بين الجولاني والجماعات الإخوانية المتشددة تساؤلات مثيرة، خاصة بوجود مقاتلي الأجانب في سلطة دمشق. هذا الأمر يعزز الشكوك حول ارتباطه المباشر بالتنظيمات المتطرفة، مما يفتح الباب أمام مخاوف حقيقية من تحويل سوريا إلى ساحة حرب مفتوحة بين القوى الإسلامية المتشددة. ورغم محاولات الجولاني المتكررة لتقديم نفسه كرئيس معتدل، فإن وجود هذه القوات الأجنبية في صفوفه يفضح نواياه الحقيقية ويطرح علامات استفهام حول أهدافه المستقبلية في المنطقة.

وقد قدمته عدة من منظمات حقوقية عالمية مثل الأمم المتحدة ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" التي توثق هذه الوقائع دليلاً قاطعاً على تورط تركيا وهيئة تحرير الشام في إرسال مقاتلين أجانب إلى سوريا، حيث تثبت هذه التقارير بما لا يدع مجالاً للشك أن العديد من العناصر الأجنبية قد تم تجنيدها من قبل تركيا ودفعت بهم إلى الساحة السورية.

الاستراتيجية التركية في إدخال المقاتلين الأجانب إلى سوريا أهداف عسكرية وسياسية على المدى الطويل

تعد سياسة دولة الاحتلال التركي في إدخال المقاتلين الأجانب إلى الأراضي السورية من القضايا المثيرة للجدل والتي تتداخل فيها الأبعاد الاستراتيجية والعسكرية حيث تسعى انقرة لتحقيق عدد من الأهداف الحيوية التي تصب في مصلحة سياساتها الإقليمية، وذلك في سياق النزاع السوري المستمر.

تعزيز القوة العسكرية في النزاع

تركز تركيا على تعزيز قوتها العسكرية في شمال وشرق سوريا عبر دعم المجموعات من المرتزقة بما يسمى "الجيش الوطني" ومن خلال إرسال مقاتلين أجانب، تتمكن من زيادة أعداد قواتها على الأرض بشكل سريع وفعال في ظل العمليات العسكرية المتزايدة، ويصبح من الضروري تعزيز القوة البشرية في مناطق الصراع.

مواجهة القوات الكردية خصوصاً وحد ات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة 

تعد مواجهة القوات الكردية في شمال وشرق سوريا أحد الأهداف الاستراتيجية لتركيا، وفيما تستغل أنقرة تواجد المقاتلين الأجانب في تعزيز قوات المرتزقة التي تقاتل ضد "وحدات حماية الشعب" في إطار مبررات تتعلق بالأمن القومي التركي مما يهدف إلى تقوية احتلال تركيا لمناطق استراتيجية مثل عفرين وسري كانيه وكري سبي وأخرها منبج، حيث فرض سيطرتها على تلك المناطق التي تشكل أهمية استراتيجية بالغة لتركيا.

توسيع النفوذ التركي في المنطقة

دعم المرتزقة وإرسال مقاتلين أجانب يعزز من نفوذ تركيا السياسي والعسكري في شمال سوريا. حيث تسعى أنقرة إلى ترسيخ وجودها العسكري في هذه المناطق وبالتالي تأثيرها في مجريات الأحداث السياسية والميدانية، وهو ما يمكنها من تعزيز مكانتها على المدى الطويل.

تقليل الخسائر البشرية في الجيش التركي

إرسال مقاتلين أجانب يمكن أن يساعد في تقليل الحاجة لإرسال قوات تركية مباشرة إلى ميادين المعركة، مما يقلل من الخسائر البشرية بين الجنود الأتراك، فيما تسعى تركيا إلى تحقيق أهدافها العسكرية دن تعرض قواتها الخاصة لمخاطر كبيرة، معتمدة في ذلك على مقاتلين من دول اخرى، فأن وقوع خسائر بشرية في صفوف الجيش التركي قد يؤدي إلى نشوء أزمة عميقة، وتثير هذه الخسائر موجات من الاحتقان الشعبي وتفتح المجال أمام تصاعد انتقادات الموجهة للحكومة والقادة العسكريين التي تؤثر على الوضع السياسي في البلاد.