أفغانستان....إذعان أمريكي بانتهاء أحادية القطبية أم استمرار لها وفق آليات جديدة؟

يبدو أن معادلة جديدة تتشكل في المنطقة في ظل الأحداث المختلفة التي يعيشها الإقليم لاسيما الوضع الأفغاني الراهن.

مع بداية تسعينيات القرن الماضي وعبر إعلان تفكك الاتحاد السوفيتي ودور الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية بدأ التأريخ لعهد الأحادية القطبية وباتت الولايات المتحدة هي سيدة العالم، والقطب الأوحد الذي يقود العالم، وبدأت القوات الأمريكية للتحرك بسهولة ويسر في كل أرجاء المعمورة، بدعاوى مختلفة، فتارة حفظ الأمن الدولي وأخرى الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة، وأخيرة بإعلان الحرب على الإرهاب المقدسة والتي أسبغها جورج بوش الابن بصبغة دينية فيما يشبه حربا صليبية جديدة ولكن بمقدرات ومحددات حديثة.
جاء الإعلان الأمريكي بالحرب على الإرهاب في بداية الألفية في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١، واستهداف قلب الولايات المتحدة بتفجير برجي التجارة العالمي، وهو الحادث الذي رغم مرور عقدين من الزمان عليه لا تزال هناك أصوات عدة ترفع رؤية المؤامرة الأمريكية على هذا الحادث الذي بعده أعلنت الولايات المتحدة الحرب على محور الشر وبدأت المسيرة من أفغانستان، ووضعت من قوتها مثلث للشر، تمثل في أفغانستان، العراق وإيران.
رؤية الولايات المتحدة القديمة والمستمرة كانت ولا تزال في افتعال ذلك العدو الذي تتحرك من أجل مواجهته، ويتغير بتغير الرؤية والاستراتيجية الأمريكية، التي كانت تؤرخ لمسيرة العالم من نظرتها وعبر رؤية سياسيوها الذين مهما تغيرت مسارات تفكيرهم إلا أنهم يسيرون في نفس المسار الذي يخدم أهداف الولايات المتحدة التي كانت ترى أن العالم في طريقه إلى تغير ملامح القطبية فيه، لكن تبقى الآلية التي تحدث معها ملامح هذا التغيير في عالم أصبح فيه صعود الصين واضحًا للعيان رغم أنه لم يتخذ المسار التقليدي العسكري، واتخذ من الاقتصاد مسار لتكون الصين ثاني أكبر الاقتصاديات العالمية بعد الولايات المتحدة، ولتعود روسيا الاتحادية في تصدر المشهد بصيغة جديدة تختلف عن حالة الاتحاد السوفيتي البائد.
ورغم أن الولايات المتحدة تواجدت على مدار عشرين عامًا في أفغانستان لمواجهة تنظيم القاعدة وحركة طالبان، إلا أنها لم تستطع القضاء على التنظيمين، بل وإنها وبعد كل المليارات وملايين الأرواح التي قُتلت في هذه الحرب عادت لتضع يدها في يد حركة طالبان، وتوقع معها اتفاق سلام، أعقبه انسحاب من أفغانستان وتسليمها لطالبان بصورة تؤكد أن ثمة هزيمة بطابع آخر ومختلف مُنيت بها دولة القطب الأوحد وأعلنت بها انتهاء كامل للقطبية بدأ في سوريا التي كانت أول ملامح الانسحاب الأمريكي من أزمات المنطقة وتركها الساحة لروسيا وإيران، ووكيلتها تركيا، في ملمح ورغم أنه بدى مسعى أمريكي للخروج من الأزمات وعدم دفع الولايات المتحدة الفاتورة الكاملة، لكنه أيضًا مثّل هذه البداية لوجود أقطاب أخرى في المعادلة الدولية.

أفغانستان وخطيئة الولايات المتحدة


كانت البداية الأمريكية بإعلان خفض القوات في الشرق الأوسط استعدادًا لسحب قوات الولايات المتحدة من قواعدها، والذي بدأ مع العراق ومن قبلها سوريا، التي شهدت وجود قوات أمريكية ضمن قوات التحالف الدولي ضد داعش، وصولًا لأفغانستان بعد توقع اتفاق السلام مع طالبان، لكنها رغم ذلك لم تقدم لأفغانستان أي شيء جديد وتركتها بشعبها بل وبحلفاءها الأفغان رهينة لدى حركة طالبان التي استطاعت وبسهولة السيطرة على البلاد، بداية من أبسط القرى البعيدة وصولًا إلى العاصمة كابول التي سقطت بسهولة في يد التنظيم، بل وتركت الولايات المتحدة معدات وأسلحة في يد طالبان لما يعتبره البعض مخطط أمريكي جديد لمواجهة الخصوم الدائمين في المنطقة لكن عبر أداة جديدة هي طالبان عدو الأمس، وكأنها تعلي قيمة المقولة بأنه لا عداء دائم، كما أنه لا صداقة دائمة.

لكن يبقى السؤال هل بالفعل تتعامل الولايات المتحدة بهذا المنطق مع طالبان، متناسية حقوق الانسان التي قضت على أنظمة وحكومات تحد هذه الدعوى وهذا الشعار الواسع البراق؟ وهل يعني ذلك أن خطيئة كبرى ارتكبتها الولايات المتحدة في أفغانستان التي وعدت شعبها بحرية وديمقراطية واسعة المجال. وإلى أين ستذهب أفغانستان التي باتت رهينة تحت يد حركة طالبان التي يبدو أنها عادت لممارسة دور جديد مختلف في الإقليم بدعاوى مختلفة.

والواضح أن الولايات المتحدة لم تخط بأقدامها في بلد إلا وتركته خراب ورهينه لجماعات وفصائل إرهابية مسلحة كان للولايات المتحدة دور بطريقة أو أخرى في تعزيز وجودها وقوتها، الصومال، ثم أفغانستان والعراق كلها كانت أمثلة حية على ذلك، فإلى أين ستصل الأمور بأفغانستان التي يترقب شعبها الآن ما ستقوم به أفغانستان التي بدأت في مغازلة الغرب منذ أول بيان لها بعدم المساس بحقوق الانسان وخاصة النساء، أكثر الفئات الأفغانية تأثرًا وتضررًا بالصعود الجديد لطالبان، وغيرها من الفئات الشعبية الأخرى كالهزارا، وغيرها من العرقيات الأخرى من غير البلوش، بل وحتى البلوش من البعيدين عن طالبان.

القوى الإقليمية والموقف من طالبان

ورغم أن الواضح أن الولايات المتحدة تركت أفغانستان رهينة لطالبان لتكون بمثابة تهديد لدول الجوار الإقليمي التي تضعها الولايات المتحدة على قائمة الأعداء أو المنافسين المحتملين، إلا أنه من الواضح أن الولايات المتحدة قد تخسر هذه الأرضية أيضًا، والحديث عن إيران والصين وكذلك روسيا، فذلك الثلاثي بات يسعى إلى تقاربات بصور مختلفة مع طالبان ربما تغيير مسار المعادلة وتُنهي الرؤية الأمريكية لما قد تمثله طالبان من تهديد لهذه الدول وما يعني أن هذه المعادلة أيضًا ستكون تعبير عن خطأ القدير للرؤية الأمريكية، لتكون الولايات المتحدة قد خسرت بذلك معادلة أفغانستان وغابت عن مشهد المنطقة الملتهبة بلا أي حلفاء حقيقيين، فقد تركت الولايات المتحدة حلفاءها الذين صنعتهم في أفغانستان في حالة من الضعف والهوان أدت بهم إلى الهرولة والانكسار أمام طالبان.

وفي المقابل اجتمع زعماء منظمة شنغهاي للتعاون، في الذكرى العشرين لتأسيس المنظمة، لبحث مجمل التطورات الإقليمية والدولية وفي المقدمة من ذلك الوضع الأفغاني وتطوراته مع عودة حركة طالبان لتصدر المشهد، حيث تحظى أفغانستان في المنظمة بصفة المراقب، وينتظر العالم موقف المنظمة التي استهلت أعمالها الجمعة، في العاصمة الطاجيكية دوشنبه، وأعلنت فوز إيران بعضوية المنظمة التي يبدو أنه سيكون لها وضعية أكثر تأثيرًا في الفترة المقبلة.
 
وأخيرًا ووسط الدعوات الإقليمية والدولية لطالبان بتشكيل حكومة وهيكل سياسي معتدل، فإن الواضح أن طالبان نالت اعترافًا دوليا كاملًا حتى لو لم يُعلن بشكل جدي حتى اللحظة الحالية، ويبقى المشاهدات للموقف الشعبي الأفغاني من المسار السياسي الذي ستقوده طالبان والتي بدأت تتحدث عن مسارات التعليم، وأفكار كمنع الاختلاط ووضع المرأة وغيرها من الموضوعات التي يترقب العالم مستجداتها على الساحة الأفغانية في ظل سيطرة طالبان.