وتقول المجلة أنه عندما بدأت إجراءات الإغلاق حول العالم بسبب انتشار فيروس كورونا، كان يجب البحث في التاريخ (الحرب العالمية الأولى والثانية والكساد الكبير) عن مقارنات لوضعنا الحالي، ومع استمرار الإغلاق على مدى الأسابيع السابقة، بات من الواضح أن ما نعيشه اليوم صدمة غير مسبوقة تاريخيًا، فنتيجة لهذا الوباء، من المتوقع على نطاق واسع أن يتقلص الاقتصاد الأمريكي بمقدار الربع، وهو شيء مروع، فلم يشهد الاقتصاد مثل هذا السقوط الحر من قبل.
وبنهاية شهر آذار/مارس الماضي، ارتفعت نسبة البطالة في الولايات المتحدة إلى ما يقرب من ١٣٪، وهو أعلى رقم تم تسجيله منذ الحرب العالمية الثانية، لكننا لا نعرف الرقم الحالي بشكل دقيق، لأنه لم يتم تأسيس نظام تسجيل معدل البطالة لتتبع الزيادة بهذه السرعة، ولكن النسبة ترتفع بنحو ٠.٥٪ يوميًا، ولذا فإنه لم يعد من المستحيل أن تصل نسبة البطالة الإجمالية إلى ٣٠٪ بحلول الصيف.
وتؤكد عناوين الأخبار أن الاقتصادات الغربية تواجه صدمة اقتصادية أعمق وأكثر وحشية، حيث تبدأ دورة التجارة بالقطاعات الاقتصادية الأكثر تقلبًا، مثل العقارات والبناء على سبيل المثال، أو القطاعات التي تخضع للمنافسة العالمية، مثل صناعة السيارات، فهذه القطاعات توظف أقل من ربع القوى العاملة، ولكن الانكماش الشديد في تلك القطاعات ينتقل إلى بقية الاقتصاد.
كما تؤثر إجراءات الإغلاق بشكل مباشر على الخدمات، مثل بيع التجزئة والعقارات والتعليم والترفيه والمطاعم، وهي القطاعات التي يعمل بها ٨٠٪ من الأمريكيين اليوم، وبالتالي فإن النتيجة ستكون فورية وكارثية.
وفي قطاعات مثل البيع بالتجزئة، التي تعرضت مؤخرًا لضغوط شديدة من المنافسة عبر الإنترنت، قد يكون الإغلاق المؤقت نهائيًا، حيث أنه في كثير من الحالات لن تتم إعادة فتح المتاجر التي تم إغلاقها في أوائل آذار/مارس، وهو ما يعني فقدان الوظائف بشكل دائم، ولذا فإن ملايين الأمريكيين وأسرهم قد باتوا يواجهون كارثة.
ولا تقتصر هذه الصدمة على الولايات المتحدة فحسب، فصحيح أن قيام العديد من الاقتصادات الأوروبية بتخفيف آثار الانكماش الاقتصادي، من خلال دعم العمل المؤقت، قد يقلل من ارتفاع معدل البطالة لديها، لكن انهيار النشاط الاقتصادي لا يمكن إخفاؤه، فشمال إيطاليا ليس مجرد وجهة سياحية فاخرة فقط ولكنه يمثل ٥٠٪ من الناتج المحلي الإجمالي الإيطالي.
كما أنه من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا بنسبة أكبر من الولايات المتحدة، وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حدوث انهيار في جميع المجالات، وقد تكون اليابان هي الأكثر تضررًا، على الرغم من أن الفيروس كان له تأثير معتدل هناك.
وقد كانت الصين أول من بدأ عمليات الإغلاق في ٢٣ كانون الثاني/يناير الماضي، وتشير أحدث الأرقام الرسمية إلى أن معدل البطالة في الصين اليوم بات يبلغ ٦.٢٪، وهو أعلى رقم منذ بدء التسجيل في التسعينيات، كما أنه كيف يمكن للمرء أن يحسب الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الهندي بعد قرار الإغلاق المفاجئ لمدة ٢١ يومًا، فلم تشهد الهند مثل هذا الوضع الاقتصادي منذ تقسيم البلاد في ١٩٤٧.
إن التداعيات الاقتصادية لهذه الدراما الهائلة التي نشهدها اليوم تتحدى الحسابات العادية، وهذا العام، وللمرة الأولى منذ بدء وجود سجلات موثوقة للناتج المحلي الإجمالي بعد الحرب العالمية الثانية، فإن اقتصادات الأسواق الناشئة ستتقلص أيضًا، وهذا الانهيار ليس نتيجة أزمة مالية، كما أنه ليس نتيجة مباشرة للوباء، بل هو نتيجة لخيارات سياسية متعمدة، فقد اتضح أن قرار إيقاف الاقتصاد هو أكثر سهولة من تحفيزه، لكن الجهود التي تبذل لتخفيف آثار هذا الإيقاف لم يسبق لها مثيل تاريخيًا، فنحن نشهد أكبر جهد مشترك خاص بالاقتصاد منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما ستظهر آثاره في الأسابيع والأشهر المقبلة، وقد تعرضت ٧٣٪ من الأسر الأمريكية لفقدان دخلها في آذار/مارس الماضي، وبالنسبة للكثيرين، فهذه تعد خسارة كارثية تدفعهم إلى الإفلاس، كما انخفض استهلاك البنزين في أوروبا بنسبة ٨٨٪.
وكلما طالت مدة الإغلاق كانت ندوب الاقتصاد أعمق وكلما تأخر الانتعاش، فصحيح أن الصين قد بدأت في إعادة النشاط الاقتصادي إلى حد ما ولكن بالنظر إلى خطر تفشي الموجة الثانية والثالثة من الفيروس، فإنه لا أحد لديه أي فكرة عن الموعد الذي يمكن فيه استئناف الحياة الطبيعية بأمان، ويبدو من المرجح أن القيود المفروضة على الحركة ستستمر على حالها للسيطرة على التفاوت في الاحتواء في مختلف أنحاء العالم، وذلك ما لم يحدث تدخل درامي من جانب العلم، وقد قام جزء كبير من سكان العالم بوقف الأنشطة الأساسية في حياتهم، ولا يمكن لأي منا أن يتنبأ بثقة متى سنكون قادرين على العودة إلى حياتنا ما قبل فيروس كورونا، فصحيح أن جميعنا نأمل أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ولكن كيف يمكننا توقع ذلك؟.
ANHA