أكد أستاذ القانون الدولي المستشار الدكتور مساعد عبدالعاطي شتيوي، أن الادعاءات والمزاعم التركية في شمال سوريا، تمثل سلوكاً استعمارياً، ومجرد أوهام وأحلام عثمانية لأردوغان.
وأوضح أن حتى مبررات التدخل ليس لها أساس، مشدداً على أن إنخراط أنقرة في الأزمة السورية سواء سياسياً أو عسكرياً لا يعطيها أية حقوق.
وتسعى تركيا لإثارة جدل قانوني دولي من خلال ادعاءاتها في شرق المتوسط، وخاصة بعد محاولة الاعتراض على اتفاقيات الحدود البحرية بين مصر وقبرص التي ساهمت في تحقيق الدولتين انجازات كبيرة في مجال اكتشافات واستخراج واسالة وتصدير الغاز وتحقيق الاكتفاء الذاتي منه.
وفي هذا الصدد أكد المستشار الدكتور مساعد عبدالعاطي شتيوي أن تركيا ترتكب مخالفات جسيمة للقانون الدولي في شرق المتوسط، موضحاً أن لمصر الحق في الدفاع عن مصالحها بكافة الوسائل الممكنة، فإلى نص الحوار:
تركيا شريكة للتنظيمات الارهابية
- كانت مناطق الشمال السوري أكثر أمنا بعد تحريرها من تنظيم داعش على يد قوات سوريا الديمقراطية، حتى جاء تدخل تركيا مؤخراً لضرب هذا الأمن والاستقرار كما فعلت في عفرين المحتلة، مما أدى إلى إعلان وقف الحرب مؤقتا على آخر جيوب داعش في دير الزور فهل تعد تركيا شريكاً في هذا الإرهاب وما توصيف القانون الدولي لهذه الحالة؟
كل من يقدم الدعم لتنظيم إرهابي ممن صدر بحقه قرارات أممية في تلك المنطقة، يعد شريكا في تحمل المسؤولية الدولية، فإذا شملت بعض التنظيمات الإرهابية في قرارات مجلس الأمن وكان هناك علاقات ودعم من تركيا لهذه الجماعات فإن تركيا تنضم وتنضوي ضمن هذا التجريم الدولي، والفيصل هو القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بشأن هذه الجماعات، مثل داعش وجبهة النصرة، وهي بالفعل ضمن قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وهناك روابط تجمع الدولة التركية بهذه التنظيمات على مدار الأزمة السورية، حيث تدخلت تركيا أكثر من مرة لوقف العمليات ضدهم كما تحالفت مع فصائل مسلحة داخلية متحالفة معها، رغم أن كل الدول معنية بموجب قرارات مجلس الامن بمكافحة هذه الجهات.
كل التنظيمات الإرهابية الموجودة على الأراضي السورية التي صدر بشأنها قرارات من مجلس الأمن باعتبارها جماعات إرهابية وبإدانة أعمالها الارهابية تعد تنظيماً ارهابياً، وتُسائل قانوناً كل الدول والجهات المعاونة والمساعدة والمؤيدة لهذه الجماعات سواء كانت تركيا أو غيرها.
- ما هو توصيف القانون الدولي للاعتداءات التركية على الشمال السوري؟
انتهاك صارخ لمبادئ ميثاق الامم المتحدة ومبدأ السيادة الإقليمية للدولة على إقليمها ولاسيما أن الدولة التركية تقوم بهذه الانتهاكات دون الرجوع للحكومة السورية.
تركيا تحاول تحقيق أطماعها في الشمال السوري، ولذلك فإن هذا التدخل يمثل عدوناً بل ويمكن وصفه بأنه احتلال مباشر، أما حديث تركيا عن وجود مبررات لتدخلاتها، فإن هذه المبررات التركية غير مدعوة بأسانيد قانونية لأنها لا تنسق ولا تخطر الحكومة السورية بهذه الإجراءات، فالتدخل لمكافحة تهديدات أو يكون بالتنسيق مع الحكومة الشرعية أيا كانت، وبالتنسيق وإخطار الأمم المتحدة، لكي تكون الدولة حسنة النية، ولكن تركيا غير ذلك.
- استعادت تركيا مؤخرا الحقبة العثمانية في سوريا (1516-1918)، ولوحت بوجود وثائق تؤكد أحقيتها في بسط سيطرتها على 15 قرية بمحافظة إدلب المتاخمة للحدود التركية.. هل يمكن الاستناد إلى ذلك في ضوء وجود ترسيم نهائي للحدود السورية التركية؟ بل إن هناك أراض سورية محتلة بالفعل من قبل الجمهورية التركية مثل لواء اسكندرون؟
هذا سلوك استعماري، والادعاءات التركية واهية وضعيفة وتخالف قواعد القانون الدولي، واتفاقية فيينا للتوارث الدولي للحدود السياسية بين الدول، وانتهاكا لحدود سوريا المعترف بها دوليا. وهذه التصرفات التركية والادعاءات تدخل ضمن الاطماع التركية والرغبة في الهيمنة والرجوع للماضي العثماني وأوهام وأحلام أردوغان فيما يخص ما قبل اتفاقية لوزان.
أما فيما يتعلق بلواء اسكندرون، فيمكن الحديث بشأنه في إطار من إنهاء المنازعات الدولية بالطرق السلمية سواء بالتفاوض أو عبر التحكيم الدولي، والقضاء الدولي والتحكيم أو الوسائل السياسية.
- هل انخراط تركيا في الأزمة السورية عسكرياً وسياسياً يعطيها أي حقوق في الأراضي السورية؟
أي اجراءات تركية للاستحواذ على أي جزء من الأراضي السورية، وخاصة استغلالها لحالة الفوضى والتنازع المسلح فإنه لا يستند إلى أي أساس، ويخالف القانون الدولي وقواعده.
تركيا تسرق مياه سوريا والعراق
- كيف ترى قانونية السدود التركية والإيرانية التي تحجب المياه عن سوريا والعراق؟
تركيا دولة منابع، وسوريا والعراق دولتي مصب، ومن ثم فإنهم شركاء في موارد الأنهار الدولية التي تمر عبرهم، أما تركيا فهي تستند إلى مبادئ قانونية غير معترف بها، وهو مبدأ السيادة الإقليمية على النهر الدولي الذي ينص على أن الدولة التي يعبر بها النهر يعتبر جزء من سيادتها الاقليمية، ولكنه مبدأ غير معترف به ولا قيمة قانونية له، ويظهر النهر على أنه ملكية خاصة للدولة، ولكن القانون الدولي ينظر للنهر على أنه ملكية مشكلة وتركيا جاهدت خلال مناقشات اتفاقية المجاري المائية فيما يرتبط بمبدأ الاخطار المسبق ومبدأ عدم الإضرار، ولكن جهودها فشلت، لأنها تستند إلى مبادئ غير مستقرة وغير معترف بها.
وقد قامت تركيا ببناء سد أتاتورك بصورة تنتهك كل مبادئ القانون الدولي، والسد كان يتضمن مواصفات ضخمة أضرت بالأمن المائي العراقي والسوري، وألحقت الضرر المباشر بالحقوق المائية المكتسبة للعراق وسوريا في نهري دجلة والفرات، بل إن تركيا حاولت أيضا ارتكاب مخالفة أكثر جسامة، حيث حاولت نقل المياه من خلال مشروع "أنابيب أتاتورك"، خارج حوض النهر، وهي مخالفة جسيمة لقانون الأنهار.
- ما هي أبرز المخالفات الدولية لتركيا فيما يتعلق بالحدود البحرية في البحر المتوسط؟
أهم المخالفات، هي أن تركيا دولة ساحلية تطل على بحار دولية، ولم توقع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، ولكن بغض النظر عن انضمام الدولة التركية لهذه الاتفاقية، فإن الاتفاقية المذكورة تعبر عن الإرادة الدولية الجماعية في مجال استغلال البحار والمحيطات الدولية، كما أن تركيا ملزمة بكافة الأحكام الواردة بها على الرغم من عدم التوقيع، لأنها قننت اعراف قانونية راسخة وبالتالي هي اتفاقية ملزمة لتركيا، وأكدت على ذلك المحكمة الدولية لقانون البحار، وأعتبرها حجة على كافة الدول.
كما أن تركيا ملزمة بتحديد خطوط ونقاط الأساس المعنية بتحديد المياه الاقليمية لتركيا، وأن تخطر بها الأمانة العامة للأمم المتحدة مشفوعة بالخرائط والمستندات الفنية.
كما أن تركيا لا يجوز لها أن تقوم بالتنقيب دون تحديد هذه النقاط والتفاوض مع الدول المتقابلة والمتجاورة لها في الحدود البحرية.
وينبغي الإشارة إلى أن القانون الدولي للبحار حدد 12 ميل بحري كبحر إقليمي للدولة، أما اتفاقية 1982 استحدثت مصطلح المنطقة الاقتصادية الخالصة، التي لا تجاوز 200 ميل بحري من ساحل الدولة، ويسمح لها بحقوق سيادية واقتصادية.
ومن بين المخالفات التركية الجسيمة والمستمرة، أنها قامت عام 1974 بالقوة المسلحة بانتزاع شمال قبرص من الجمهورية القبرصية، وأعلنت ما يسمى بجمهورية قبرص التركية التي لا تنال أي اعتراف دولي من أي دولة في العالم سوى تركيا نفسها.
وتركيا تدفع بأن الجمهورية القبرصية اليونانية لا تتمتع بوصف الدولة، لأنها جزيرة ولا تستحق سوى 12 ميل بحري، ولا يحق لها استغلال المنطقة الاقتصادية الخالصة، وهو دفع غير قانوني، لأن جمهورية قبرص دولة ذات سيادة ومعترف بها دوليا، وعضو بالأمم المتحدة، وطرف في قانون البحار للعام 1982، وقامت بترسيم وتعيين خطوط الأساس وأودعتها بالأمم المتحدة مشفوعة بالخرائط والقانون الدولي يعطي الحق للدول في استغلال المنطقة الاقتصادية الخالصة، وبالتالي الدفع التركي غير سليم وغير شرعي ولا تؤيده أي قاعدة من قواعد القانون الدولي، وما تقوم به تركيا من عمليات تنقيب قبالة السواحل القبرصية يمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي للبحار عام 1982.
تركيا لم تعترض عندما حددت مصر وقبرص حدودهما
- في ظل استمرار الاحتلال التركي لشمال جمهورية قبرص، هل يحق لتركيا الاعتراض على الاتفاقيات التي تبرمها جمهورية قبرص مع مصر؟
قبرص ومصر دولتين أطراف في الأمم المتحدة، ومصدقتين على قانون البحار 82، وكل من مصر وقبرص قامتا بتحديد خطوط ونقاط الأساس لتعيين الحدود البحرية وأخطرتا الأمين العام للأمم المتحدة بذلك مشفوعا بالخرائط والإحداثيات وقامتا بتعيين الحدود مع الأطراف المتقابلة والمتجاورة لحدودهما البحرية، في إطار من قواعد العدالة والتوافق الدولي، وقامت مصر وقبرص بتعيين الحدود في اتفاقيات عام 2003 و2013، في اطار اتفاقية دولية لتعيين الحدود البحرية، والاتفاقية استوفت جميع الشروط الشكلية والموضوعية لصحة المعاهدات وفقا لاتفاقية فيينا لعام 1969، والأهم أن تركيا لم تعترض عندما حددت مصر وقبرص حدودهما، ولم تعترض في حينه، وبذلك فإن الاتفاقيات بين مصر وقبرص منتجة لكافة الآثار القانونية وتحت حماية وصون الأمم المتحدة والقانون الدولي.
- ما هي الوسائل التي توفرها القوانين الدولية للحفاظ على حقوق دول شرق المتوسط ومنها مصر، في الموارد شرق المتوسط، في مواجهة التصريحات الاستفزازية والحركات التركية الأخيرة ؟
مصر تمتلك الحق القانوني في استغلال ثرواتها والدفاع عن حقوقها بكافة الوسائل وبالتالي فإن الاعتراضات التركية والاستفزازات تضعها تحت نطاق المسؤولية الدولية.
- ما هي القيمة القانونية لتعيين الحدود بين مصر وقبرص؟
لولا توقيع مصر وقبرص على هذه الاتفاقية ما كان لمصر أو قبرص أن تقوم بأعمال التنقيب والاعلان عن الاكتشافات في مجال الغاز في تلك المنطقة الاقتصادية الخالصة، لأن القانون الدولي ألزم الدول بعد التحرك لاستغلال تلك الموارد الا بعد التوافق بين الدول المتجاورة والمتقابلة، وفقا لقواعد العدالة والاتفاق بين مصر وقبرص أعطى الشرعية لمصر وقبرص في استغلال هذه الموارد في هدي من قواعد القانون الدولي، وبما يقطع أي محاولة للنيل من هذه المعاهدة من قبل كائنا من كان، ويحمي مصر وقبرص في استغلالهما لحقوقهما السيادية والاقتصادية في المنطقة الاقتصادية الخالصة.