وقد كانت مواقف الكرد مع العرب فصلاً مهما في كتاب "عبد الله أوجلان.. مسيرة نضالية تحدت الصعاب وإبداع فكري تخطى الجدران"، الصادر مؤخراً عن دار المحروسة في العاصمة المصرية القاهرة، حيث سلط الأستاذ أحمد بهاء الدين شعبان الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري الضوء على الروابط الكردية العربية والنضال المشترك والتاريخي بين الطرفين.
حي الشجاعية
وبدأ أحمد بهاء الدين شعبان مدخله إلى هذا الإرث المشترك من النضال بين العرب والكرد، بحي الشجاعية في قطاع غزة، هذا الحي الذي استبسل وصمد في مواجهة آلة العدوان الإسرائيلي الغاشمة، ويكشف عن مفارقة وهو أنه حين حاول معرفة أسباب إطلاق هذه التسمية ذات الدلالة على هذا الحي، اتضح له أن هذا الوصف أطلق عليه تكريماً وتخليداً لاسم القائد العسكري الهمام شجاع الدين عثمان الكردي الموصلي.
ولفت الانتباه إلى أن القائد الذي استشهد في معركة ضارية بين الأيوبيين والجيوش الإفرنجية الصليبية المعتدية في منتصف ربيع الآخر من عام 637 هجرية، والتي كانت تحاول السيطرة على منطقة عسقلان في فلسطين، بـ نية اتخاذها مركزاً لقاعدة متقدمة، تُتيح لهذه الجيوش اجتياح مصر وسائر بلاد الشام.
وقد تقدم شجاع الدين عثمان الكردي على رأس قوة التقت بالجحافل الأجنبية الغازية في موقعة ضارية، واستطاعوا إلحاق هزيمة ساحقة بهذه القوات المعتدية، حيث تمخضت المعارك الطاحنة عن مقتل 1800 من القوات الصليبية، فيما تم أسر جحافل غفيرة من فرسانهم ومشاة جيشهم، الذين جُرُّوا مذلولين، مقيدين، أسرى إلى القاهرة.
روابط حميمة بين العرب والكرد
وتكريماً لبطولة القائد الشهيد، أسس أهل غزة حياً في موقع المعركة المظفرة، أطلقوا عليه اسم "حي الشجاعية"، تخليدا لذكراه، إذ يقول الأستاذ أحمد بهاء الدين شعبان إنه لعل في استدعاء الذكرى العطرة لهذا البطل الكردي الهمام، الذي ولد في الموصل العراقية، واستشهد على التراب الفلسطيني الغالي دفاعاً عن أرض الشام ومصر العربيتين، ما يعكس الروابط الحميمة بين الكرد والعرب، وبين القضية الكردية والقضية الفلسطينية، وبين أعداء الطرفين وأصدقائهم، وهي الروابط التي تتجاوز الشكليات لتبحر في عُمق العروة الوثقى بين الشعبين الشقيقين، الذين شاءت الأقدار أن يتجاورا ويتداخلا حضارة وتاريخاً وثقافة ومصيراً.
وقال أيضاً إن المتتبع لتاريخ وظروف الشعبين العربي والكردي، في العصر الحديث، يكتشف بسهولة صحة هذا الاستنتاج، فمع نهايات القرن التاسع عشر، في 29 أغسطس/آب 1897، عُقد المؤتمر الصهيوني الأول بزعامة تيودور هرتزل بمدينة بازل السويسرية، وفيه وضع حجر الأساس لمشروع "الدولة اليهودية"، وبعدها عُقد مؤتمر "كامبل بنرمان" في لندن، عام 1905، واستمرت جلساته حتى 1907، تلبية لدعوة سرية من حزب المحافظين البريطاني، بهدف "إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية، في منطقتنا، إلى أطول أمد ممكن.
وأوضح أن من آثار ذلك تمزيق مؤامرة سايكس بيكو الاستعمارية عام 1916، للجسد العربي وتقطيع أوصاله، كما فعلت نفس الشيء بالنسبة للشعب الكردي، التي وزعت استقراره بين دول أربع هي إيران وسوريا والعراق وتركيا، ضماناً لتأمين مصالح المستعمرين الأوروبيين، وإدامة سيطرتهم على حاضر المنطقة ومستقبلها، قبل أن تحل الطامة الكبرى، مع إعلان وعد بلفور المشؤوم عام 1917، الذي منح فيه من لا يملك (إنجلترا)، لِمَن لا يستحق أي العصابات الصهيونية، على حد قوله.
دور مقاتلي حزب العمال الكردستاني
واستعرض أمين عام الحزب الاشتراكي المصري بعضاً من تلك المواقف، فيقول إن العلاقات النضالية الوثيقة التي ربطت الكرد بالفلسطينيين لم تتوقف عند هذا البعد التاريخي وحسب، إذ استمر التأثر والتأثير بين الشعبين حتى عصرنا القائم، مشيراً إلى أنه كان من حسن طالعه أن عاصر مرحلة مهمة من تاريخ التكوين الثوري لـ "حزب العمال الكردستاني"، وبدايات نضاله المسلح ضد الفاشية التركية، حينما استوجبت ظروف العمل النضالي في مصر الساداتية بعد انتفاضة الخبز والحرية في 18 و19 يناير/كانون الثاني 1977، أن يتواجد في بيروت.
وقال إن بيروت كانت عاصمة الثورة وملاذ المناضلين وأصحاب المواقف الوطنية والثوار من كل بقاع العالم، لافتاً إلى أن حزب العمال الكردستاني كان قد تأسس في أواخر عام 1978، واتخذ قراراً بالإعداد لخوض الكفاح المسلح طلباً للحرية، واستضافت فصائل النضال الفلسطيني اليسارية الجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية وفتح وجبهة النضال الشعبي، وغيرها مناضلي الكتائب الأولى للحزب من أجل تدريبهم عسكرياً.
وكشف أحمد بهاء الدين شعبان، أن أعداداً منهم استشهدوا في مواجهة العدو الصهيوني، وارتوت الأرض اللبنانية بدمائهم الطاهرة وهم يزودون عن حماها في مواجهة العدوان الصهيوني، وقت غزوه للبنان واحتلاله العاصمة بيروت، مشدداً على أنه لا يمكن نسيان صمود المناضلين الكرد في دفاعهم البطولي عن "قلعة الشقيف"، يوم 6 يونيو/حزيران 1982، ضد محاولات قوات العدو الصهيوني، من لواء "جولاني" الشهير، اقتحامها بعد دكها بالطائرات.
وأشار إلى أنه قد سقط شهداء من حزب العمال الكردستاني، واعتقل الإسرائيليون 15 مناضلاً من الحزب، ضمهم معتقل "أنصار" في الأراضي اللبنانية، مع غيرهم من الثوار الفلسطينيين واللبنانيين والعرب، ومن جنسيات أجنبية أخرى، قبل إطلاق سراحهم في عمليات تبادل الأسرى بين منظمة التحرير الفلسطينية والعدو الصهيوني.
حزب العمال ضد إبادة الفلسطينيين
تطرق أيضاً الأستاذ أحمد بهاء الدين شعبان إلى ما ذكره السيد جميل بايك عن موقف حزب العمال الكردستاني من حرب الإبادة الجماعية الدائرة في غزة منذ دون توقف، فلقد ظل الشعب الفلسطيني يقاوم الاحتلال والقمع منذ عقود ويُناضل من أجل الحرية والتحرر، لافتاً إلى أنه هنا نستطيع أن نُشَبه نضال الشعب الفلسطيني بنضال الشعب الكردي، مشيراً إلى "سياسة الإبادة الجماعية" التي تأتي الهجمات الحالية على غزة في هذا السياق، ولم تتصرف دولة إسرائيل خارج نطاق هذه السياسة حتى الآن، مؤكداً أن الحزب ينتقد ويدين بشدة تلك القوى التي تدعم سياسات "الإبادة الجماعية" التي تتبعها دولة إسرائيل.
كما أكد الرفيق جميل بايك أنه لا ينبغي لأحد أن يقف ضد القضية المشروعة للشعب الفلسطيني وللشعب الكردي، وضد نضالهم المشروع، كما لا ينبغي أن يدعموا سياسات الإبادة الجماعية، فـ السيناريوهات التي نتحدث عنها الآن خطيرة، ولن يتم قبولها أبداً، ولا يجوز تهجير أي شعب أو مجتمع من مكانه، فهذه إبادة جماعية، ولا يوجد سبب آخر لتبرير ذلك، وهذا ما فرض على الشعب الفلسطيني حتى الآن.
وأشار إلى أن الفلسطينيين والكرد يواجهون نفس الأمر، فلقد تم تهجير الشعب الفلسطيني وتم احتلال أراضيه والاستيلاء عليه، ولا يزال ملايين الفلسطينيين في المنفى، والآن يفرض نفس الشيء على أهل غزة والأمر نفسه يفرض على الشعب الكردي، وهذا ما تحاول دولة الاحتلال التركي فعله في روج آفا، وهذا الوضع غير مقبول أبداً، مشدداً على أن ما نريده للشعب الكردي، نريده أيضاً للشعب الفلسطيني.
الحاجة إلى جبهة عربية كردية
وإذا كانت القواسم كبيرة بين الشعبين الكردي والفلسطيني أو بين الكرد والشعوب العربية، فإن هناك حاجة إلى جبهة عربية كردية، حسب ما يتحدث عنه الأستاذ أحمد بهاء الدين شعبان في هذا الجانب من الكتاب، حيث توضح أقوال الرفيق جميل بايك أن القوى الثورية الكردستانية تدرك، وهي تخوض حرب الوجود ضد الفاشية التركية، أنها تخوض في ذات الوقت حرباً مفروضة عليها من المعسكر الإمبريالي الغربي الذي وصفه بأنه: "تلك القوى التي تمتص دماء الكرد والعرب".
ورأى أنه بالتبعية الكيان العدواني الصهيوني يفعل نفس الأمر، وسط اعتقاد قوي أن كل حركة ثورية حقيقية في بلادنا، أو حتى خارجها هي عدوة لهما ولمصالحهما ولأمنهما ولبقائهما في المنطقة، وهما إن اختارا التحالف والصداقة، فلن تكون أبداً مع معسكر الثورة وإنما مع القوى المحافظة والتابعة والعميلة، أي مع القوى ذات المصالح المشتركة، والمعادية للثورة الكردستانية الشعبية، وللثورات الشعبية العربية وفي مقدمتها الثورة الفلسطينية، ولكل ثورة تنتفض ضد القهر الطبقي والقومي والاجتماعي في المنطقة وخارجها.
وأشار إلى أنه في المقابل فإن ما يجمع العمل الوطني للشعب الكردستاني وفي مقدمته الجهد النضالي لحزب العمال الكردستاني، بقوى الثورة والتقدم في الوطن العربي، وبمشروعها الثوري الديمقراطي، المعادي للشوفينية القومية وللهيمنة الأمريكية والصهيونية، ولمشاريع "الشرق الأوسط الكبير"، و "الشرق الأوسط الجديد" ذات الطبيعة الإمبريالية المتناقضة شكلاً وموضوعاً مع أفكار الرفيق "عبد الله أوجلان" عن "الأمة الديمقراطية"، و "الشرق الأوسط الديمقراطي"، أكبر بكثير من أية تناقضات ثانوية بين الطرفين، إن وجدت.
وأكد قائلاً إن "مهمتنا كمنتمين لهذا المسار الثوري، أن تسرع من وتيرة التقارب بين المعسكرين الثوريين: العربي والكردستاني".