إن اعتقال الصحفيين والإعلاميين واغتيالهم وقمعهم وتعذيبهم يعد من المشاكل الأساسية في جنوب كردستان، وقد دخلت هذه القضية إلى جدول أعمالنا مرة أخرى بعد اعتقال الصحفي سليمان أحمد من قبل سلطات الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK) في الآونة الأخيرة، وقد تبنت كافة المؤسسات الإعلامية في جنوب كردستان، باستثناء المؤسسات الإعلامية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، الصحفي سليمان أحمد ودعت إلى توخي الحذر والمسؤولية.
ومن أجل تفسير اعتقال حكومة جنوب كردستان "إقليم كردستان" للثوار والديمقراطيين والمثقفين والصحفيين، لا بد من التحدث عن واقع السجون والنظام في جنوب كردستان.
ويُقيّم الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في كتابه "ولادة السجن"، علاقة السجون بالسلطة كأسلوب من أساليب السلطة متجاوزاً تاريخ السجن، كما يُقاس مستوى الديمقراطية في أيّ بلد من خلال ممارسات حكومته في السجون، إن شخصية الحكومة أو وجهها الحقيقي يمكن فهمه من خلال ممارساتها في السجون.
وفي هذا السياق، عندما نركز على السجون في جنوب كردستان، نظراً لوجوده جغرافياً في الشرق الأوسط وإدارتُه قائمة على النظام الرأسمالي، باختصار؛ إن ممارساته في السجون وأسلوب إدارته على الطريقة العائلية والنظام الملكي القديم للعصور الوسطى، هو نسخة قذرة من الإدارة الفاشية التي تعتمد على الرأسمالية.
ويخضع الحزب الديمقراطي الكردستاني لإدارة البارزانيين منذ تأسيسه عام 1946، وحكومة جنوب كردستان هي في أيدي عائلة بارزاني منذ تشكيلها عام 1992، وكل شيء ضمن هذا النظام، من القانون وحتى النظام القضائي هو في أيدي سلطة تلك العائلة، وتعمل لخدمة تلك العائلة، بالإضافة إلى ذلك، شكّل الحزب الديمقراطي الكردستاني منذ تأسيسه منظمة استخباراتية تسمى بـ "باراستن - Parastin"، والتي يرأسها البارزاني وتعمل كمنظمة استخباراتية أكثر من كونها حزباً، واليوم، تُحدد منظمة الاستخبارات المسماة بـ "باراستن" كل شيء يتعلق بالحزب الديمقراطي الكردستاني وحكومة جنوب كردستان.
ومن عام 1963 إلى عام 1975، أيّ عندما كان الحزب الديمقراطي الكردستاني يتمتع بالقوة، كانت هناك 3 سجون شهيرة هي رايات وخلان وماوت، وتعرض المئات فيها للتعذيب والاغتيال، و99 بالمائة من الذين جرى اعتقالهم واغتيالهم في هذه السجون كانوا من الثوار الكرد، وكان معظمهم أعضاء في الحزب الشيوعي.
إن أيّ حزبٍ مناهضٍ للثورية، بطبيعته، يسجن الثوار، وعندما نتمعن في تاريخ الحزب الديمقراطي الكردستاني، نرى أنه حارب الحركات الثورية والديمقراطية في كردستان أكثر من العدو، وبما أن الحركات الديمقراطية والثورية في جنوب كردستان لم تتمكن من فهم حقيقة الحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل صحيح والتغلب عليه، فإنها لم تتمكن من إنقاذ نفسها من الفناء على الرغم من كل الأثمان التي قدموها والنضال الذي خاضوه.
كل دولة لديها "غوانتانامو" خاص بها
مثلما يتوجب على المرء أن ينظر إلى سجون حكومة ما من أجل أن يفهم أسلوب الإدارة الخاصة بها، يتوجب عليه أيضاً أن ينظر إلى أسلوب إدارة تلك الحكومة وتاريخها وشكلها من أجل فهم ممارساتها في السجون، وبهذا التفسير حاولنا لفت الانتباه إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني والبارزانيين.
كل دولة وكل حكومة لديها "غوانتانامو" خاص بها، أبو غريب في العراق، أفين في إيران، إمرالي في تركيا، والحزب الديمقراطي الكردستاني أيضاً لديه سجن عقرة، وتُحدد ممارسات هذه الحكومات داخل هذه السجون - أيّ تلك التي مثل غوانتانامو ـ ممارساتها داخل كافة السجون الأخرى، وتتحول هذه الممارسات إلى أسلوب إدارة المجتمع، وضد هذه الممارسات داخل هذه السجون، تُحدِد المقاومة الثورية أيضاً أسلوب النضال ومقاومة المجتمع ضد النظام.
في عام 1982، حددت المقاومة في سجن آمد ضد الفاشية التركية، شخصية نضال الشعب الكردي وحركة التحرر الكردية، وتحاول السلطات تحويل السجون إلى مقابر للثوار، وضد ذلك، يحول الثوار السجون إلى مراكز للتنوير ومدارس وأكاديميات ومراكزاً لمحاسبة السلطات، ولا يزال تقليد المقاومة هذا مستمراً في سجون الدول التي تحتل كردستان وفي سجون العميل لها، الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وفي عام 2023، بدأ الوطنيان الثوريان مظلوم داغ وعبد الرحمن أر إضراباً عن الطعام في سجن هولير الخاضع لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، من أجل إعادة سجون الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى جدول الأعمال مرة أخرى والتحقيق فيها، وكان سبب اعتقال هذين الوطنيين الثوريين والحكم عليهما بالإعدام هو أنهما ساعدا في مقتل واحد من عناصر قوات الاحتلال في كردستان على يد الثوار، ولذلك سارعت محاكم سلطات إقليم جنوب كردستان إلى الحكم على هذين الوطنيين الثوريين بالإعدام وزجهما في السجن.
إن هذا الموقف المَلَكي للحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يعد مَلَكياً أكثر من الملِك، ليس بالأمر الجديد، ففي الأعوام 1992 و1995 و1997، حارب الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى جانب دولة الاحتلال التركي ضد حركة التحرر الكردية، وسلَّمَ البعض من مقاتلي الكريلا الذين اُسروا وهم جرحى إلى المحتلين، واغتال البعض منهم وزج بآخرين في السجون، عذبهم لسنوات، وأمرهم بالتخلي عن الثورية والاستسلام والتواطؤ مع المحتلين، ولتحقيق ذلك، استخدم الأساليب الكلاسيكية والحديثة التي تعلمها من المحتلين، وضد كل هذه الممارسات، لم يتخلى الثوار عن موقفهم ولم يقللوا من مستوى مقاومتهم.
وفي السابق، كان سجن عقرة التابع للحزب الديمقراطي الكردستاني هو مركز هذه الممارسات، وكانت الممارسات داخل هذا السجن، هي التي حددت كل ممارساته في جميع سجونه الأخرى، والآن سيتم تحويل جميع سجون الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى سجونٍ مثل عقرة، وبالإضافة إلى هذه السجون، هناك أيضاً سجون سرية تابعة لمنظمة الاستخبارات "باراستن" للحزب الديمقراطي الكردستاني التي تخضع لسيطرة مسرور بارزاني، وترتبط هذه السجون بشكل مباشر بعائلة بارزاني ومنظمة الاستخبارات المسماة بـ "باراستن"، ولا تمتلك حكومة إقليم كردستان أيّ مسؤولية أو سيطرة على هذه السجون، والقوانين والحقوق لا تنطبق داخلها، ولا يُزج بأحد في هذه السجون إلا الثوار والديمقراطيون والمعارضون للبارزاني.
والآن، هناك العشرات من الكريلا والمتعاطفين معهم في سجون الحزب الديمقراطي الكردستاني، في السابق، كان يتم استجواب الكريلا الذين يقعون أسرى بأيدي الحزب الديمقراطي الكردستاني، من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتسليم المعلومات حول الثوار إلى المخابرات التركية "MÎT"، وكان الـ "ميت" التركي يتابع التحقيق مع الكريلا بطريقة سرية دون أن يظهر نفسه، لكن بعد أن أصبح مسرور بارزاني رئيساً للوزراء، أصبحت المخابرات التركية "الميت" والقنصل التركي في هولير، يذهبون إلى السجون ويشاركون في استجواب الكريلا الأسرى والمتعاطفين مع حزب العمال الكردستاني، ويهددونهم ويقدمون اقتراحات قذرة عليهم، ويعطون تعليمات لمدير السجن حول نوعية العزلة والسياسات التي تُفرض بحق هؤلاء الأسرى، وبحسب المعلومات الأخيرة، فإن هؤلاء الثوار الجرحى يعانون من مشاكل صحية خطيرة لا يتم علاجهم بأي شكل من الأشكال، ويتم احتجاز بعضهم في زنزانات حالكة الظلام قارسة البرودة في الشتاء ولاذعة الحرارة في الصيف، تبلغ مساحتها 2 متر مربع، كما يُتركون بمفردهم داخل الزنازين لسنوات، يُتركون للموت، وتذكّرنا هذه الممارسات بالطرق والأساليب التي كانت تستخدمها الدولة التركية ضد ثوار كردستان في الثمانينيات والتسعينيات.
ويتفاخر الحزب الديمقراطي الكردستاني ببناء أحد أكبر السجون في الشرق الأوسط في دهوك عام 2003، وفي عام 1992، عندما تم تشكيل حكومة جنوب كردستان، كان الحزب الديمقراطي الكردستاني ضعيفاً جداً ولم يكن له تأثير كبير على الشعب، وكان على علاقة بالحُكام وتعلم منهم أنه لا يمكن أن يصبح حاكماً حتى يثبت نموذجه في السجون، ثم بدأ بممارسة الترهيب بحق الشعب وتلاعب بكرامة مئات الآلاف وزج بهم في السجون وأصبح هو الحاكم بهذه الطريقة، وقضى على حقيقة الشخصية التي لم تخضع لدكتاتورية صدام حسين والفاشية، وبدلاً منها، خلق شخصيةً ضعيفة الإرادة، تقبل بالخضوع، تتأمل كل شيء من الخارج، تهرب من بلدها ومكسورة الإيمان بالثورة، لكن من يستولي على الحُكم بالقمع، يصاب بالذعر وينقلب كيانه رأساً على عقب في وجه صوت صغير، في وجه مقاومة صغيرة، ومثل كل الحُكام، يصاب الحزب الديمقراطي الكردستاني بالذعر أمام مقاومة صغيرة، ويخاف ويفعل كل ما يمكنه فعله من أجل قمعها، ويرى شعب جنوب كردستان أن حزب العمال الكردستاني هو الأمل الوحيد والأخير، ولهذا السبب يرى الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK) أن حزب العمال الكردستاني (PKK) أكثر خطورة عليه من "داعش" ويقول عن ذلك بوضوح، ويعلم جيداً أنه ما لم يقضي على هذه الحركة الثورية التي تمنح الأمل للشعب، فإنه لا يستطيع أن يتصرف بأريحية، ولهذا السبب يشن الهجمات مع المحتلين على الكريلا وشنكال وثورة روج آفا في كل فرصة تسنح له، وقبل كل شيء، هو يعلم أنه لا يستطيع تحقيق النصر مالم يتمكن من إخضاع الثوار الأسرى، ولهذا السبب يقوم بشتى أنواع الممارسات القذرة بحق الأسرى بحقد شديد.
لكن مثل كل مرة؛ المقاومون سيكونون أصحاب الكلمة الأخيرة.