وضح القائد عبدالله أوجلان في مؤلفِه "سوسيولوجيا الحرية" ومجلد "الشرق الأوسط الديمقراطي" مسألة الدفاع المشروع الذاتي للشعب الكردستاني وشعوب المنطقة الذين يواجهون غزواً ثقافياً وأخلاقياً وسياسياً ومعنوياً والذي ازداد شراسةً مع مطلع القرن التاسع عشر.
إن الدفاع الشعبي الذاتي هو جزء أساسي واستراتيجي من حرب الشعب الثورية بإدارة المجتمع نفسه دون الحاجة إلى مؤسسة الدولة، فهي العائق أمام روح التعاون والتضامن والتعايش بين الأفراد والفئات والثقافات المختلفة داخل الإطار الاجتماعي.
ولعل تأثر أهالي حي الشيخ مقصود في حلب بمضمون فكر وفلسفة القائد أوجلان كان سبباً رئيسياً في انتصار مقاومة الشيخ مقصود، الحي الذي واجه أعتى التنظيمات الإرهابية على مر 4 سنوات، وكانت قصة انتصاره أعجوبة شُبهت بانتصار مدينة ستالين غراد في الحرب العالمية الثانية.
وخلال هذه المقاومة التاريخية، رويت العديد من بطولات المقاتلين الذين حوصروا بالحي ولم يستسلموا بالرغم من ذلك، بل حولوا منابع الضغط إلى انتصار مشرف، ومن بين تلك القصص قصة المقاتل نشأت مع رفاقه السبعة التي سنعرضها في هذا التقرير.
مبادئ الحماية الذاتية حررت المناطق المحتلة
يقع حي السكن الشبابي بالجهة الشمالية الغربية من مدينة حلب ويتألف من مرحلتين المرحلة الأولى تمتد على مساحة70 هكتاراً والمرحلة الثانية فتمتد على مساحة 232 هكتاراً وتحد حي الشيخ مقصود من الجهة الغربية والشمالية.
أثناء الهجمات التي شنتها مرتزقة ما يسمى بلواء شهداء بدر(الحياني) التابع لمرتزقة جيش الاحتلال التركي في عام 2013 حيث سيطرت على حي السكن الشبابي لتصبح على تماس مباشرة مع نقاط وحدات حماية الشعب والمرأة.
وخلال أربع سنوات من سيطرة المرتزقة على حي السكن الشبابي حاولت التقدم إلى نقاط مقاتلي وحدات حماية الشعب والمرأة من خلال شن الهجمات البربرية على الاحياء المدنية والاهلة بالسكان.
بعد ازدياد وتيرة القصف على حي الشيخ مقصود من قبل مرتزقة جيش الاحتلال التركي والذي لم يتوقف لأكثر من خمسة أشهر مودياً بحياة المئات من المدنيين الأبرياء، بدأت وحدات حماية الشعب والمرأة بالتقدم لتحرير المناطق التي تتمركز فيها المرتزقة لقصف حي الشيخ مقصود في نهاية عام 2016.
ومن أولى المجموعات التي توجهت إلى تلك الجبهة كانت مجموعة المقاتل نشأت ورفاقه السبعة للعمل على تحرير حي السكن الشبابي من فلول مرتزقة جيش الاحتلال التركي.
حيث تتعدد القصص التي يرويها المقاتلون المشاركون في مقاومة الشيخ مقصود التي بدأت مع بداية الأزمة السورية وتكللت بالنصر،بعد معارك واشتباكات دارت على مدى 4 سنوات.
ومن بين القصص التي حفظتها صفحات التاريخ قصة مقاتلين حوصروا في إحدى جبهات القتال بحي السكن الشبابي الواقع بالجهة الغربية من حي الشيخ مقصود رافضين الاستسلام أو الاستشهاد دون مقاومة، حتى سميت نقاطهم بأسماء رفاقهم المناضلين والمقاتلين وهم كل من (نشأت، نوري ، منذر ، سيامند كوباني، الشهيد أبو شيار، الشهيد عكيد، الشهيد أرمانج، الشهيد فداكار).
وتعتبر سكنة الشهيد ماهير من أكثر النقاط التي شهدت مقاومةً في عام 2014 وجاءت تسمية هذا المبنى باسم الشهيد ماهير أول مقاتل استشهد في هذا السكن ونسبة له يتم التعريف بها بسكنة الشهيد ماهير.
وبخصوص هذا الموضوع روى المقاتل في وحدات حماية الشعب، نشأت حبش بعض المجريات والاحداث التي صادفتهم أثناء دفاعهم عن جبهات حي الشيخ مقصود.
صمدوا أمام الجبهات المشتعلة لحماية حييهم
ومع هجمات مرتزقة جيش الاحتلال التركي على حي السكن كان يتواجد 8 مقاتلين في سكنة الشهيد ماهير حيث حوصروا من قبل مرتزقة الحياني من كافة الجهات ففي تلك الفترة كانت كافة محاور حي الشيخ مقصود مشتعلة بالمعارك والاشتباكات وبقي المقاتلون صامدين ويقاتلون حتى ساعات متأخرة من المساء.
وبعد ندائهم لطلب الدعم في تلك الجبهة، أقدم 8 مقاتلين آخرين على التسلل إلى السكن وسط إطلاق الرصاص باستخدام الأسلحة الثقيلة من قبل قوات وحدات حماية الشعب YPG على نقاط المرتزقة لتغطية تحركات المقاتلين أثناء مرورهم.
وبعد تسلل المقاتلين إلى المبنى استطاعوا إخراج رفاقهم من السكنة ومن بين تلك المجموعة الاولى كان قد أصيب مقاتل بجروح طفيفة، وبعد إنقاذهم للمجموعة المحاصرة، تم تمشيط السكنة خلال ساعة واحدة.
إتباع أسلوب حرب العصابات
وبقيت المجموعة الثانية من قوات وحدات حماية الشعب في السكن لتحصين خط الجبهة الامامية من أي هجمات أخرى على الحي، وعن تفاصيل هذه اللحظة يقول المقاتل نشأت حبش" بعد نجاح مهمتنا في تحرير النقطة وتبديل الأماكن مع المجموعة الأولى كانت مهمتنا التالية التوسع في خطوط الجبهات الثانية والثالثة لكسر دفاعات المرتزقة".
خلال ساعات الصباح المرافقة لصوت الآذان سمع المقاتلون أصوات تصدر من القبو على الرغم من سدهم كافة الخروقات التي كانت موجودة لمنع تسلل المرتزقة إلى المبنى، ولكن المرتزقة كانوا قد حفروا نفقاً تحت القبو ودخلوا إليها من الأسفل واستخدموا ثقالة بناء ليدخلوا من الطابق الرابع إلى المبنى.
وفي هذه اللحظة تعرض المقاتلون للحصار من كافة الجوانب حيث كانوا متمركزين في الطابق الثالث والطابق الثاني من المبنى المجاور لهم، فلم تستطع القوات تقديم الدعم العسكري بسبب سي\طرة المرتزقة على مداخل ومخارج المبنى نارياً ومن كافة الجوانب.
ومع بدء الاشتباكات استشهد مقاتل وتعرض 6 مقاتلين لجروح سطحية، واتخذ المقاتلون أسلوب حرب العصابات لإلحاق خسائر بالمرتزقة .
خيارهم الأخير المقاومة ...
رفض المقاتلون الاستسلام أو الاستشهاد دون مقاومة فكانت إرادتهم تطغى على المخاوف التي أراد المرتزقة بثها في نفوسهم، وبعد تواصلهم مع القيادة وإعطاء معلومات حول محاصرتهم أرسلت لهم مؤازرة لفك الحصار عنهم بعد استهداف المبنى بالأسلحة الثقيلة حيث تمكن بعض المقاتلين من فتح ثغرة لإخراج الشهداء بعد اشتباكات متواصلة دامت ليوم ونصف.
وأثناء محاولتهم الخروج من المبنى كان قد تعرضوا لكمين من قبل مرتزقة الحياني فاستهدفتهم واستشهد مقاتل أخر، أثناء محاولته رفع جثمان رفيقه الذي استشهد في بداية المعارك.
وبخصوص هذه الحادثة يقول نشأت" أثناء خروجنا من المبنى المحاصر قمنا بسكب كميات كبيرة من الماء على جسدنا لأن المرتزقة ألقت قنابل المولوتوف على المبنى لإحراق جثثهم التي قتلت أثناء الاشتباكات، لكننا على العكس فضلنا الموت على ترك جثمان أحد رفاقنا".
حصيلة حصار خلال 6 أيام
وبعد خروجهم من المبنى بقيوا لمدة 6 أيام محاصرين ضمن نطاق حي المخابرات والسكن شبابي 7 مقاتلين فقط متوزعين في خط الجبهات الأمامية، للتقليل من الإصابات بصفوف المقاتلين بعد اتباع المرتزقة أسلوب الأرض المحروقة وإمطار حي الشيخ مقصود بالقذائف.
وأنهى المقاتل نشأت حبش حديثه بالقول" تمكنا بمساندة رفاقنا المتمركزين بالنقاط المجاورة من قتل ما يقارب 160 مرتزقاً خلال 6 أيام من الحصار وقتل حينها العديد من قادة تلك الفصائل، باتباعنا تكتيكات جديدة بالحرب إلى جانب إيماننا العميق بالنصر أو الشهادة في سبيلها"
وكانت المفارقة أن العملية التي قام بها المقاتلون الثمانية نقطة فارقة في تحرير حي السكن الشبابي بعد العديد من المعارك والحملات.
ويذكر أن وحدات حماية الشعب والمرأة عملت على تحرير حي السكن الشبابي بأواخر عام 2016 بعد معارك ضارية مع مرتزقة جيش الاحتلال التركي بناءً على طلب أبناء المنطقة.