تتميز سوريا بأمور كثيرة، وعلى الرغم من صغر مساحتها، إلا أنها برزت للعالم في عهد حافظ الأسد، كما انها دولة معروفة أيضاً بسجونها، ويعد سجني المسلمية وصيدنايا من أبرز السجون التي يُحتجز فيها السجناء السياسيون والمحكومون معاً، ولم يعرف قط عدد الأشخاص المحتجزين في سجون صيدنايا؛ كما ولم يُعرف عدد الأشخاص الذين نُقلوا إلى سجن المسلمية عام 2012، عندما حاصرته عصابات جبهة النصرة، وعدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم أثناء الحصار بسبب المرض والهجمات، وأين دفن الذين قتلوا مع الجنود.
تقع قرية المسلمية شمال شرق حلب على بعد حوالي 10 كيلومترات من المدينة، لكن النظام السوري ضم عدة قرى أخرى اليها وحولتها إلى منطقة، ولأن المنطقة كانت بعيدة عن وسط المدينة لكنها كانت خاضعة لسيطرة النظام، حيث أقام سجناً فيها لاحتجاز العديد من السجناء السياسيين والمحكومين، حيث تم اعتقال أكثر من 4000 شخص في عام 2011 عندما بدأت الانتفاضة الشعبية، وبعد اندلاع الانتفاضة حاصرت جبهة النصرة بالسجن.
كان محمد حسن مصطفى وشيخموس برازي من بين 4000 سجين في سجن المسلمية في ذلك الوقت، حيث تحدث محمد حسن مصطفى وهو من ناحية جندريسه التابعة لعفرين واب لأربعة أطفال، عن الاحداث التي عاشها اثناء سجنه.
وقال: "تم اعتقالي في 10 أيار 2005 في مدينة دمشق، وبعد فترة تم نقلي الى مدينة حلب وبقيت في السجن حتى عام 2011 بداية المظاهرات والانتفاضة التي قام بها الشعب السوري
وفي آذار 2012 حاصرت العصابات الارهابية السجن، وبسبب الحصار لم يبقى شيء داخل السجن يسد رمقنا وبدأت المجاعة حينها، وبدأت طائرات الهليكوبتر في توزيع الخبز في اشهر أيار، حزيران وتموز، وحينها كان يتم تقديم رغيف خبز واحد فقط لكل واحد منا في كل يوم، وكان عناصر السجن يطلبون مقابل ذلك 1000 الى 1500 ليرة سورية كثمن للخبز، ومن كان يمتلك المال يحصل على ذلك الرغيف، كانت عائلاتنا ترسل الأموال إلى العائلات المرموقة في اللاذقية، وهم بدورهم يرسلونها الى السجن.
في 13 تموز، احتج السجناء في بعض الاقسام من السجن، وحطموا الأبواب، وهاجموا العناصر العسكرية داخل السجن، واستولوا على 7 من الأسلحة وحاربوا بها، واستمر ذلك لمدة ساعتين، لم يبقى لدى السجناء المحتجين ذخيرة، مما أدى الى سيطرة العناصر العسكرية داخل السجن عليهم، والسجناء الذين سنحت لهم الفرصة بالفرار من السجن لم يبقوا على قيد الحياة لان السجن كان محاصر من قبل العصابات الإرهابية، كان السجناء محاصرين من جهتين، من جهة عناصر النظام السوري داخل السجن، ومن جهة أخرى العصابات الإرهابية خارج السجن، كنا ندرك جيداً بأننا لن نتمكن من الفرار، كان هناك العديد من السجناء داخل زنزانتنا لم يكونوا قادرين على التحرك من الجوع والمرض، عندما نفذت ذخيرة المحتجين، استسلموا وبعدها دخلت العناصر العسكرية الى زنزاناتهم.
وايضاً دخلوا الى زنزاناتنا بالرغم من اننا لم نشارك في الاحتجاجات، والسجناء الذين احتجوا خضعوا للإعدامات الميدانية داخل زنزاناتهم والذين كان عددهم 24 سجيناً، اما الذين لم يشاركوا في الاحتجاج تم نقلهم الى الزنزانات الموجودة تحت الأرض وتم تعذيبهم بقسوة، وفقد اثنين من السجناء لحياتهما اثر التعذيب، والبعض منهم أصيبوا ولم يخضعوا للعلاج، عندما دخلت العناصر العسكرية الى الزنزانات قامت برشقنا بالرصاص، وحينها اصبت برصاصة في قدمي، وحينها قال المسؤولون بأن هذا الشخص لم يشارك في الاحتجاج، لهذا اسعفوني الى المستشفى، لكن لم يكن العلاج والأدوية متوفرة وقاموا بخياطة جرحي بدون تخدير، بقيت في المستشفى لمدة 16 يوماً وبعدها اعادوني الى زنزانتي، لم يتعافى جرحي لمدة عام بسبب عدم توفر الادوية.
من جهة أخرى كانت الجماعات الإرهابية مثل جبهة النصرة، احرار الشام والجيش السوري الحر تحاصر السجن وكانت تشن هجمات بشكل مستمر
فقد الكثير من السجناء حياتهم بسبب الجوع والمرض والهجمات التي كانت تشنها العصابات الإرهابية، وكنا نعرف العديد من السجناء الذين توفوا، حيث توفي ما يقارب الالف بسبب الجوع والمرض، و350 سجين بسبب القذائف وعمليات القنص الذي كانت تتعرض لها الزنزانات داخل السجن، كان السجناء يموتون امام اعيننا ولم نكن قادرين على فعل شيء لهم، كانت مشاهدة تقشعر لها الابدان.
كانت الحكومة السورية ترسل الدعم اللوجستي والعسكري عبر المروحيات، الا اننا لم نكن نحصل على شيء لان العناصر العسكرية كانت تستولي عليها، والعديد من الحمولات كانت تسقط خارج السجن حيث توجد العصابات الإرهابية التي كانت تحاصر السجن، الخبز الذي كنا نحصل عليه كان مفتت؛ كانت المسافة بين السجن والجماعات الإرهابية 200 الى 300 متر فقط.
كانت الظروف قاسية للغاية حتى شهر تموز، لم يبقى شيء، لم يكن أحد قادرا على مغادرة السجن او القدوم اليه بسبب الحصار من قبل العصابات الإرهابية وأغلاق جميع الطرق؛ في 16 تموز، وصل الهلال الأحمر السوري لأول مرة، وشاهد الوضع في السجن، كانت قد مرت أربعة أشهر ونحن لم نتذوق الطعام، جميع السجناء عانوا الجوع والمرض، حينها فقدت الكثير من وزني وأصبح وزني حينها 35 كغ بعد ان كنت 85 كغ.
في البداية كان الهلال الأحمر يأتي الى السجن ثلاث مرات في الأسبوع، ومن ثم كان يأتي مرتين في الأسبوع، وفي كل مرة كان الهلال يعطينا رغيفين أو ثلاثة أرغفة ووعاء أو اثنين من الأرز، كان هذا يساعدنا على البقاء على قيد الحياة، وفي بعض الأحيان لم يتمكن الهلال من القدوم وحينها كنا نبقى جائعين، وايضاً انقطعت صلتنا بعائلاتنا بسبب انقطاع خدمة الهواتف، كما قامت العصابات بقطع المياه عن السجن، لهذا كان الهلال الأحمر السوري يعطينا زجاجة ماء كل شهر، وكنا نستخدمها بطريقة نبقى فيها على قيد الحياة.
تم الإفراج عن 700 معتقل، لكن لم يتمكنوا من الخروج لعدم وجود طريق، هم أيضاً بقوا معنا، كما أن النظام لم يسمح لهم بالرحيل، ومن ثم تم الاتفاق بين الهلال الأحمر والحكومة السورية على إرسال 10 أشخاص الذين تم الإفراج عنهم في كل مرة، حيث قتل معظم الذين تم الإفراج عنهم أثناء خروجهم.
وتم دفن القتلى في باحة السجن، لم تكن الدولة تقوم بدفن المعتقلين والمحكومين فحسب بل دفن جنودها ايضاً، وخلال محاصرة السجن قتل مايقارب 1300 سجين و200-300 جندي، ويوجد حالياً حوالي 1300 قبر في باحة سجن المسلمية.
حيث كان الجنود يبيعوننا الخبز، وفي بعض الأحيان لم يكن لديهم ايضاً، لكن وضعهم كان أفضل من وضعنا، حيث كانوا يتخذون احتياطاتهم، وكنا أسرى بين ايديهم وبين اربعة جدران، حيث لم يكن لدى السجين الذي يُدعى عناد نقود لشراء الخبز من الجنود، لهذا تفاقم وضعه الصحي لدرجة الموت جوعاً، وكان بعض الأشخاص يبيعون خبزهم ويشترون السجائر.
وتابع: افتتح الطريق في شباط 2014، وضعونا في السيارات وتم نقلنا إلى حلب وفي حلب وضعونا في مدرسة جديدة، وتم نقل المصابين بالعضال إلى المستشفى، على الرغم من وفاة العديد من الأشخاص، لا يزال هناك حوالي 300 شخص يعانون من مرض العضال، ولقي 13 شخصاً حتفهم في الطريق، فكانت هناك مسافة 9 كيلومترات من المكان الذي تم احتجازنا فيه من المسلمية إلى حلب، أي لا يستغرق حتى 10 دقائق، لكنهم شقوا الطريق من نقارين، صناعة، شيخ زياد، شيخ نجار وحيان إلى حلب، وكان ذلك حوالي 50 كيلومتراً، ووصلنا إلى حلب بالشاحنات خلال 4 ساعات، وتوفي معظم الذين نُقلوا إلى المستشفى، وبعد فترة أخذونا إلى مدرسة في شارع 14 في الأشرفية.
وبعد بضعة أشهر صدر قرار العفو، واستفدت من العفو بعد قضاء نصف عقوبتي، خرجت من السجن عام 2015، وذهبت الى عفرين حيث استغرق 13 ساعة من حلب إلى عفرين، وعادة ما تكون المسافة بين عفرين وحلب 45 دقيقة، لكننا تمكنا من الوصول إليها خلال 13 ساعة".
كما تحدث شيخموس برازي،وهو أب لخمسة ابناء والذي استشهد أحد ابنائه في مقاومة عفرين وهو وأحد من المعتقلين الذين واجهوا صعوبات كبيرة في المسلمية، عن ذلك الوقت:
"لقد سجنت في سجن المسلمية عام 2008، مررت بمرحلة صعبة للغاية، في ذلك الوقت لم يكن هناك وقود، كانوا يقدمون 200 غرام من الطحين يومياً، وكنا نحرق ملابسنا لنصنع بها الخبز الذي تعلمناها من امهاتنا وزوجاتنا، وبعد مرو 4 أشهر لم يعد هناك طحين. كانوا يقدمون 200 غرام من الخبز اليابس يوميا، والذي كان مخصصاً للحيوانات.
بعد فترة، أعطوا خبزاً واحداً كل 24 ساعة، كانوا يبيعون الخبز بألف وألفي ليرة سورية، وفي بعض الأحيان كان لدينا المال ولكن لا يوجد الخبز، وكان يباع لنا الخبز واشياء اخرى الذي كان يقدمها الهلال الاحمر بدون مقابل، لقد واجهنا العديد من الصعوبات.
بدأت الأمراض تتفشى في المستشفى ومنها مرض العضال، ولم تكن هناك أدوية، حيث فقد الذين اصيبوا بهذا المرض حياتهم في غضون يوم أو يومين.
وأضاف شيخموس، تم إطلاق سراحي من السجن في شباط 2013، وحتى ذلك اليوم، مات 612 شخصاً في السجن، حيث خرجت من السجن مقابل 300 ألف ليرة سورية. كرشوة دفعت للمحكمة، وكان سبب احتجاج السجناء جبهة النصرة، الذي وعدهم بإطلاق سراحهم لكن لم يأتوا وقتل المعتقلون الذين احتجوا، وبعدها أطلقت جبهة النصرة نيران المدفعية على السجن، مما أدى إلى مقتل 34 معتقلاً، وهذا ما رأيته أمام اعيني.
وتابع، وصلنا الى مرحلة حيث قاموا بإعطائنا كوب واحد من الماء في اليوم، هل سنشرب هذا الماء أم سنغسل وجهنا؟ كان عليك أن تحسب وفقاً لذلك، كانت الحياة معدومة تماما هناك، بسبب المبيعات والتكلفة الباهظة، حيث تم بيعنا قطعة الصابون بألف ليرة وشفرة الحلاقة ب 750 ليرة، ولم تكن هناك فرصة للاستحمام، لهذا فقد العديد من السجناء حياتهم بسبب القمل المنتشر في السجن.
وبعد إطلاق سراحي من السجن لم أعد قادراُ على المشي بسهولة ولم أستطع صعود الدرج أيضاً.