تُعتبر منطقة الشهباء إحدى المناطق التي يسكن فيها أهالي عفرين النازحين قسراً بكثافة، حيث تبعد عن مدينة عفرين مسافة 13 كيلومتراً، ويعيش أهالي عفرين فيها في ظل شروط وظروف صعبة للغاية من أجل العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم، ومنذ بداية نزوح شعب عفرين، تتعرض منطقة الشهباء بشكل يومي للقصف وهجمات دولة الاحتلال التركي. وفي مقابل ذلك، تفرض قوات حكومة دمشق بين الحين والآخر منذ بداية نزوح الشعب حصاراً على الشهباء وتقوم بقطع جميع الاحتياجات اليومية عن الشعب ولا تسمح بمرور أي شيء إلى المنطقة. ولكن منذ شهر تشرين الثاني من العام 2022 وما بعد، يمكن للمرء القول بأنه يتم فرض حصار كلي ومشدد للغاية على المنطقة.
ويمتد طول حدود منطقة الشهباء مسافة 166 كيلومتراً، وتنتشر الدولة التركية والمرتزقة التابعين لها وقوات حكومة دمشق حول منطقة الشهباء مثل دائرة، وتنتشر جنوب منطقة الشهباء قوات وحواجز حكومة دمشق، ويبلغ طول حدود منطقة الشهباء مع قوات حكومة دمشق حوالي 53 كليومتراً، وهناك حاجز رئيسي بين منطقة الشهباء وقوات حكومة دمشق وهو حاجز بلدة الأحداث، حيث تمر جميع الاحتياجات اليومية للأهالي النازحين والسكان الأصليين للمنطقة من ذلك الحاجز، وتتواجد بين بلدة الأحداث وحتى مركز مدينة حلب 4 نقاط تفتيش لقوات حكومة دمشق، وتمنع جميع نقاط التفتيش من المخابرات الجوية حتى الفرقة الرابعة من ذهاب وقدوم الشعب. وكل من هو مقيد على نفوس منطقة عفرين يُعرقل ولا يُسمح بمروره من قِبل تلك الحواجز. ومن ناحية أخرى، يوضح التجار الذين يدخلون الاحتياجات اليومية إلى المنطقة، بأنهم يدفعون عشرات الأضعاف من الأتاوات لنقاط التفتيش التابعة للفرقة الرابعة لكي يتمكنوا من تمرير المواد الضرورية للشعب عبر تلك الحواجز.
الجدير بالذكر أن الفرقة الرابعة قد تم تأسيسها في العام 1984 من قبل شقيق رئيس الجمهورية السورية ماهر الأسد، ولها مكانة مختلفة وتُمول من قِبل الحكومة، كما أن هذه المجموعة لكي تكون الأقوى في سوريا تتلقى تدريبات مميزة وخاصة، وبحسب بعض السياسيين، فإن هذه الفرقة تفرض سيطرتها على جميع أرجاء الأراضي السورية.
"أصبح فصل الشتاء والحصار معاً قاسياً"
لقد مر عام 2022 على أهالي عفرين النازحين كأسوء عام، حيث فرضت قوات حكومة دمشق في بداية شهر نيسان حصاراً خانقاً وكاملاً على منطقة الشهباء وحيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب، ونتيجة لذلك، أبدى أهالي عفرين مقاومة عظيمة واحتجوا ولعنوا هذا الحصار من خلال تنظيم المظاهرات الحاشدة، حيث تم تخفيف الحصار نوعاً ما وتم جلب احتياجات الحياة اليومية ولكن لم يتم كسر الحصار، وفرضت قوات حكومة دمشق مرة أخرى حصاراً خانقاً وكاملاً على المنطقة منذ شهر تشرين الأول 2022، ولم يعد بالإمكان تمرير المحروقات والغاز والأدوية والاحتياجات الضرورية المهمة لأهالي عفرين بأي شكل من الأشكال، حيث لم يتسلم أهالي عفرين وسكان حيي الشيخ مقصود والأشرفية حتى الآن مادة مازوت للتدفئة، ويواجهون برد الشتاء القارس، ودفع هذا الحصار القاسي ببيع مادة المازوت في السوق السوداء في الشهباء وحي الشيخ مقصود بـ 10 آلاف ليرة سورية لكل ليتر واحد، وبيع الليتر الواحد من البنزين بـ 20 ألف ل.س، وأسطوانة الغاز بـ 120 ألف ل.س.
التعليم في الشهباء ووضع الدراسة
منذ بداية النزوح القسري لأهالي عفرين نحو منطقة الشهباء، لم تتوقف الأعمال التربوية والتعليمية وتستمر العملية التربوية بشكل منتظم. كما تتواصل أعمال معهد الشهيدة فيان آمارا الذي تأسس عام 2019 بمنطقة الشهباء، حيث تخرج منه خلال عام 2022 حوالي 30 طالباً من الأقسام المختلفة مثل (الأدب الكردي، والرياضيات، والعلوم، ومعلم صف، والكيمياء والفيزياء)، لكن منذ بداية العام الدراسي 2022/2023، واجهت هيئة التربية التعليم العديد من العقبات من حيث توفير الكتب والاحتياجات التعليمية. ومن ناحية أخرى، وبسبب هجمات الدولة التركية على منطقة الشهباء، عانت العملية التربوية والتعلمية الكثير من المشاكل الكبيرة فيما يتعلق بسلامة حياة الطلاب، حيث أنه وفي الوقت الراهن تجري جميع المدارس السورية استعداداتها لخوض الامتحانات النصفية، لكن في الشهباء، ونتيجة الحصار وفقدان المحروقات تعطلت حركة الذهاب والإياب وأغلقت المدارس، وبات 15 آلف طالباً في الشهباء محرومين من التعليم.
"أهالي عفرين يبتكرون آليات مختلفة ضد الحصار المفروض"
منذ بداية الأزمة الداخلية في سوريا، تنهار قيمة صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي بشكل تدريجي، لكن منذ بداية عام 2022، وصل الانهيار إلى الذروة، والآن تجاوزت قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي حاجز الـ 7000 آلاف ليرة سورية. وبالإضافة إلى هذا الانهيار الذي تعيشه حكومة دمشق، يسعى أهالي عفرين والشهباء عبر مختلف الآليات لإبداء المقاومة ضد هذا الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، وأيضاً ضد الحصار الذي فرضته حكومة دمشق ذاتها على المنطقة، وباعتبار أن الأراضي الزراعية في الشهباء هي أراضي خصبة، فإن شعب المنطقة يقومون بالزراعة ويتقاسمون منتجاتها على بعضهم البعض ويحققون الاكتفاء الذاتي. كما أن الأهالي الذين يعيشون في المخيمات، ابتكروا لأنفسهم منطقة للزراعة، حيث يقومون بزراعة الخضروات المتنوعة وتأمين احتياجات السوق من هناك، ويحاول أهالي عفرين والشهباء من خلال هذا الأمر، مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها المنطقة.
"بسبب الحصار مشفى أفرين معرض للتوقف"
بعد نزوح أهالي عفرين نحو الشهباء تم افتتاح مشفى أفرين في منطقة الشهباء، وبسبب حصار حكومة دمشق للمنطقة لم تستطع إدارة المشفى جلب الأجهزة اللازمة، ولهذا السبب عمل المشفى في استقبال حالات الطوارىء والإسعافات الأولية.
وأثر هذا الحصار سلباً على صحة الشعب، لعدم دخول الأدوية إلى منطقة الشهباء، وبحسب ما صرح به الرئيس المشترك لهيئة الصحة لمقاطعة عفرين والشهباء، الدكتور محمد نور شباب، فإنه منذ بداية عام 2018 تفرض حكومة دمشق أتاوات كبيرة على الأدوية والمستلزمات الصحية التي تدخل مناطق الشهباء. وأضاف قائلاً: في الشهور الثلاثة الأخيرة تم قطع الأدوية عن المنطقة بشكل نهائي، كما وصل إلى حد توقف المشفى الوحيد في الشهباء عن العمل لعدم توفر المحروقات وانقطاع الكهرباء".
كما يذكر الدكتور نور شباب، بأنه على الرغم من وجود هذا الكم الكبير من العوائق، إلا أن عملهم على مدار الـ 24 ساعة يتواصل لخدمة الشعب، ولكن بسبب قلة الأدوية لا يمكنهم تأمين المستلزمات الكافية للمرضى، وأوضح الدكتور محمد نور شباب في ختام حديثه، بأن حكومة دمشق تستخدم في الوقت الراهن الملف الصحي في خدمة سياساتها، ووفقاً للقوانين الدولية يُعتبرهذا انتهاك للحقوق.
الجدير بالذكر أنه مع قدوم فصل الشتاء، ازداد مستوى الحالات المرضية بين الشعب، كالأنفلونزا والأمراض الرئوية الأخرى، كما يواجه مشفى أفرين أزمة جدية من أجل علاج المرضى بسبب العقبات التي تفرضها حكومة دمشق والدولة التركية ومرتزقتها.
وأوضح الإداري في مشفى أفرين الدكتور أزاد رشو، بأن المشفى يستقبل شهرياً ما يقارب 17 ألف شخصاً، ولكن من الواضح أنه بسبب عدم وجود مواد التدفئة في غرف المرضى، سيتوقف المشفى عن العمل، وأضاف الدكتور رشو قائلاً: "اُستشهد سبعة مدنيين وأصيب 44 آخرين خلال عام 2022، بسبب القصف اليومي لدولة الاحتلال التركي.، وبسبب الحصار على المنطقة ونتيجة القصف، أُصيب مدنيين بينهما طفل بعمر الـ 14 سنة بجروح، ولم نتمكن من تقديم العلاج اللازم واستشهدا نتيجة ذلك.
"حكومة دمشق تحرض الشعب السوري ضد الإدارة الذاتية"
تقوم حكومة دمشق باستفزاز الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في مناطق الشهباء وحيي الشيخ مقصود والأشرفية، والهدف من ذلك هو إخضاع الإدارة الذاتية لقوانين حكومة دمشق والوقوع تحت تأثير نفوذها، وإلى جانب ذلك، عندما يلقي المرء نظرة إلى الوضع السوري بشكل عام، يتبين أن الشعب الذي يعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات حكومة دمشق يعاني أسوء الأوضاع المزرية، وتزعم حكومة دمشق بأن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لا تعطيهم مادة المحروقات وهم لا يستطيعون بدورهم تأمين هذه المواد لشعبهم. ولهذا السبب لا يسمحون لدخول هذه المواد لمنطقة الشهباء وحيي الشيخ مقصود والاشرفية، وكلنا نعرف بأن روسيا وإيران هما دولتان من الدول الضامنة والشركاء لحكومة دمشق، ويمكنهما حل مشاكل تأمين المحروقات برمتها. ولكن بهذه الطريقة، تحاول حكومة دمشق تحريض جميع الشعب السوري ضد الإدارة الذاتية، وكان موقف الحكومة هذا هو السبب في عدم إبداء الشعب إستيائه من الهجمات كما كان متوقعاً.
"لم تتوقف الهجمات أبداً ضد مناطق الشهباء"
لم تتوقف تهديدات وهجمات الدولة التركية في عام 2022 على مناطق الشهباء وتل رفعت وشيراوا، حيث كانت تتعرض للقصف بشكل يومي من قِبل دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها، ونتيجة ذلك القصف، استشهد وأصيب العديد من المدنيين، وبالإضافة إلى ذلك، حصلت الكثير من الأضرار المادية. ففي عام 2022 استهدفت الدولة التركية وعصابات المرتزقة مناطق عفرين والشهباء بـ (27498) قذيفة، كما قصفت المنطقة بالطائرات المسيّرة 13 مرة، وابتداءً من 19 تشرين الثاني 2022 ، بدأت مرحلة جديدة في هجمات الدولة التركية، حيث استهدفت بالطائرات الحربية مناطق تل رفعت وشرا، كما هاجمت قرية طاط ماراش التابعة لناحية شرا بالفسفور الأبيض، ونتيجة الهجمات، قُتل 28 جندياً من جنود حكومة دمشق وأصيب أيضاً 35 آخرين، وعلاوة على ذلك لم تأتي حكومة دمشق بالذكر حول هذا الحدث.
"أهالي عفرين والشهباء يقاومون من خلال تجربة حرب الشعب الثورية"
منذ بداية تهديدات وهجمات الدولة التركية على مناطق الشهباء، يواصل أهالي عفرين والشهباء مقاومتهم من خلال تجربة حرب الشعب الثورية، فكل بيت في القرى التي تم استهدافها من قِبل دولة الاحتلال التركي، قاموا ببناء أنفاق لحماية أنفسهم، كما أن قوات الحماية الجوهرية استنفرت وقامت بإعطاء دورات تدريبية على كيفية استخدام الأسلحة والحماية لأهالي المنطقة، وبالإضافة إلى ذلك، رفع جميع أهالي عفرين من مستوى الحراسة في جميع أرجاء الشهباء حفاظاً على سلامتهم، كما يقاوم جميع أهالي عفرين النازحين قسراً في الشهباء من خلال المعنويات العالية والإصرار والتصميم على العودة إلى عفرين.
ويواصل أكثر من 200 ألف نازح قسراً من أهالي عفرين في الشهباء حياتهم من خلال نضال ومقاومة عظيمة ضد هجمات الاحتلال التركي وحصار حكومة دمشق، ويقولون بأنهم سيتحملون كل شيء في سبيل تحرير عفرين، وأن نهاية وجودهم في الشهباء هي بالتأكيد، العودة إلى عفرين.