العودة المجهضة...عفرين بين الخيبة المستمرة واحتلال لا ينتهي

رغم الوعود الجوفاء التي لم تتحقق، تظل آمال العودة إلى عفرين حية في قلوب المهجّرين، الذين عانوا ويلات الاحتلال التركي، على الرغم من الاتفاقية بين قسد وسلطة دمشق، لا تزال العودة الآمنة حلماً مهدداً، في ظل استمرار القمع، التهجير القسري والتغيير الديمغرافي.

مقاومة أهالي عفرين في وجه الاحتلال التركي تمثل نموذجاً مهماً في تاريخ الصمود والتحدي أمام القوى المحتلة، منذ بداية العدوان التركي على عفرين في كانون الثاني 2018 خاض الأهالي بكل شجاعة وإصرار معركة دافعية لم تكن مجرد مواجهة عسكري بل كانت تجسيد لإرادة الحياة الحرية في مواجهة آلة الحرب التركية التي استهدفت المنطقة بكل قوتها.

وعفرين التي تعد جزاءً من روج افا كانت تتمتع بتنوع ثقافي وعرقي مذهل حيث كان الكرد، العرب والتركمان يعيشون في وئام ولكن الاحتلال التركي والذي جاء تحت ذريعة حماية الحدود ومكافحة الإرهاب كان يهدف إلى تغيير الواقع الديمغرافي والعرقي والسياسي في المنطقة وإضعاف القوى الكردية التي تمثل أحد الركائز الأساسية للمقاومة ضد تنظيم داعش في سوريا.

تكاتف الأهالي مع وحدات حماية الشعب وحماية المرأة

خلال المعركة، لم يكن الأهالي في عفرين بمفردهم في صراعهم. كانت وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ)، تولين قيادة المقاومة العسكرية، ولكن القتال لم يكن فقط على الجبهات. كان المدنيون، الرجال والنساء، كباراً وصغاراً، جزءاً لا يتجزأ من هذه المقاومة، حيث دافعوا عن مدينتهم بكل ما لديهم من قوة وموارد، وحاربوا بشجاعة لصد قوات الاحتلال.

التفوق العسكري التركي والمقاومة الشعبية

رغم التفوق العسكري في القوة الجوية والبرية، ورغم قلة الدعم الدولي للقضية الكردية، استمرت المقاومة في عفرين بشراسة كما أن الاحتلال لم يقتصر فقط على الهجوم العسكري، بل شمل كذلك محاولات لتهجير السكان وتغيير البنية الاجتماعية في المدينة عبر عمليات التوطين وتغير الديمغرافي.

لقد كانت معركة عفرين رمزاً للمقاومة الشعبية في وجه دولة الاحتلال التركي وأظهرت للعالم قدرة الأهالي على الدفاع عن أرضهم وثقافتهم مهما كانت التحديات، وعلى الرغم من أن عفرين قد سقطت تحت الاحتلال التركي، إلا ان روح المقاومة مازالت حية في قلوب أبنائها وتظل شاهدة على البطولة والصمود أمام أي عدوان.

هذه المقاومة، التي شملت كل من المدنيين والمقاتلين جزءاً من معركة متكاملة، وأصبحت مصدر إلهام للكثيرين في المنطقة والعالم، فصوتهم لم ينطفئ رغم القهر والتهجير، وظلت عفرين رمزاً للمقاومة في وجه الاحتلال.

الانتهاكات الإنسانية في عفرين

تعد منطقة عفرين من أبرز المناطق التي شهدت العديد من الانتهاكات الإنسانية في سوريا منذ بداية عام 2018. احتلت القوات التركية والمرتزقة التابعة لها منطقة عفرين الواقعة في شمال وغرب سوريا وذلك في إطار عملية "غصن الزيتون" التي بدأت في 20 كانون الثاني 2018، ومنذ الاحتلال، تعرضت عفرين للعديد من الانتهاكات التي طالت حقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الموجه ضد المدنيين، التهجير القسري، وتدمير الممتلكات.

الهجمات العسكرية والدمار الواسع

ومنذ بدء العملية العسكرية على مدينة عفرين، شن جيش الاحتلال التركي غارات جوية وقصفاً مدفعياً على المنطقة، مما أسفر عن ارتكاب الكثير من المجازر ودمار واسع في المنازل والمرافق العامة. كما تعرضت البنية التحتية للمرافق الحيوية مثل المستشفيات والمدارس والمراكز الصحية لأضرار كبيرة.

التهجير القسري والاعتقالات

إلى جانب الهجوم العسكري، تعرض العديد من السكان المحليين للتهجير القسري. وفقاً لتقارير منظمات حقوق الإنسان، تم تهجير المئات والآلاف من المدنيين من منازلهم بعد القصف في المنطقة. ويتعرض العديد من السكان الأصليين للاعتقال من قبل جيش الاحتلال التركي والمرتزقة التابعة لها، حيث غالباً ما كانوا يتعرضون للتعذيب داخل المعتقلات، وفقاً لشهادات منظمات حقوق الإنسان.

القتل والخطف والاستيلاء على الممتلكات

كما تعرض بعض المدنيين في عفرين للقتل الميداني، حيث تم استهداف المدنيين بسبب مشاركتهم في المظاهرات ضد الاحتلال أو بسبب انتمائهم إلى جماعات معينة. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك حالات عديدة لخطف المدنيين، وخصوصاً النساء والأطفال، بهدف فرض فدية مالية. من بين الانتهاكات التي وقعت في عفرين، الاستيلاء على ممتلكات المدنيين. وكانت هناك تقارير عن عمليات نهب للمنازل والمتاجر من قبل الفصائل المسلحة الموالية لتركيا، مما زاد من معاناة الأهالي الذين كانوا في الأصل ضحايا القصف والتهجير.

انتهاكات حقوق المرأة

وتعتبر النساء في عفرين من أبرز الفئات التي تأثرت بالاحتلال والانتهاكات المترتبة عليه. كانت هناك حالات عديدة من العنف الجنسي والاعتداءات ضد النساء، بما في ذلك الاغتصاب والخطف. في بعض الحالات، تم إجبار النساء على الزواج من مقاتلين أو فرض قيود على تحركاتهن. فهذا الوضع أدى إلى زيادة القلق بين النساء في المنطقة، خاصة بعد أن تم استهداف العديد منهن بشكل ممنهج.

ومن أبرز تلك الانتهاكات كانت حالات العنف الجنسي المروعة، حيث تم توثيق العديد من حالات الاغتصاب والخطف التي تعرضت لها النساء في المنطقة، وقد استُخدمت النساء كأدوات للتعذيب النفسي والجسدي من قبل هؤلاء المرتزقة. بعض النساء تم اختطافهن من منازلهن أو خلال محاولاتهن للفرار من القصف، ليتم تقييد حريتهن واحتجازهن في ظروف قاسية. في بعض الحالات، تم ابتزاز النساء للحصول على فدية مقابل إطلاق سراحهن.

الزواج القسري كان أحد أساليب الانتقام التي استخدمها المرتزقة بحق النساء في عفرين. حيث تم إجبار العديد من النساء على الزواج من مقاتلين تابعين للجماعات المسلحة، في محاولة لفرض سيطرة عسكرية وثقافية على المنطقة. كما تم استخدام الزواج القسري كوسيلة للضغط على العائلات ومجتمعاتهن.

إضافةً إلى ذلك، تعرضت النساء في عفرين إلى الاعتقالات التعسفية على أيدي المرتزقة، حيث تم اعتقال العديد من النساء لمجرد ممارستهن لحقوقهن الأساسية مثل حرية التعبير أو المشاركة في النشاطات المجتمعية. في بعض الحالات، كانت هذه الاعتقالات تتم تحت تهديد العنف أو التعذيب.

التغيير الديمغرافي والثقافي

منذ الاحتلال التركي لعفرين، ظهرت محاولات لتغيير التركيبة السكانية والديمغرافية للمنطقة. تم نقل العديد من العائلات السورية النازحة إلى عفرين من مناطق مختلفة، مما أدى إلى تغيير التوازن السكاني. بالإضافة إلى ذلك، شهدت المنطقة تهميشاً متعمداً للثقافة الكردية، حيث تم منع التعليم باللغة الكردية وأُزيلت العديد من المعالم الثقافية الكردية.

وفي هذا السياق تحدث لوكالتنا مدير منظمة حقوق الأنسان عفرين – سوريا عن آمال المهجرين من عفرين وسري كانية وكري سبي، مشيراً إلى استمرار معاناتهم وتعرضهم لانتهاكات مستمرة منذ سنوات وقال: "منذ خروجنا وحتى يومنا كانت هناك دائما دعوات تنادي بعودة المهجرين إلى ديارهم لكن هذه العودة كانت دائماً محفوفة بالمخاطر".

وأضاف: "في السنوات الأولى من الاحتلال التركي حاولت بعض القوافل العودة إلى عفرين، لكن تلك القوافل تعرضت لمجموعة من الجرائم الوحشية والانتهاكات على يد مرتزقة الاحتلال التركي، مما دفع إلى توقف العودة تماماً".

ورغم هذه الجرائم ، استمرت الآمال في العودة غلى عفرين خصوصاً بعد الإطاحة بالنظام البعثي وعودة بعض النازحين من مناطق أخرى، قال إبراهيم: "تحددت الآمال في عودة أهالي عفرين إلى ديارهم مع سقوط النظام البعثي، وتولي هيئة تحرير الشام ( ما يسمى بسلطة دمشق ) إدارة الأمور، وكان من المفترض أن تضمن هذه الحكومة العودة الآمنة للمهجرين، وأشار إلى زيارة أحمد الشرع إلى عفرين، حيث تم التباحث بشأن العودة، وكذلك اتفاق قوات سوريا الديمقراطية مع سلطة دمشق الذي حصل في الآونة الأخيرة، الذي يضمن عدة بنود ـ أبرزها ضمان عودة المهجرين إلى ديارهم.

وأكد إبراهيم أنه رغم هذه الوعود، تبقى الانتهاكات مستمرة، قائلاً: "من يعود إلى عفرين يتعرض لانتهاكات بشعة، حيث يتم فرض الأتاوات على الأهالي، واعتقال تعسفي، ويستهدف المدنيون بشكل مستمر. مرتزقة الاحتلال التركي، الذين يتم تمويلهم لاستمرار ارتكاب الجرائم ضد الأبرياء، لا يتوقفون عن ارتكاب المجازر بحق المدنيين في عفرين.

وتابع: "قد يكون هناك حديث عن دمج فصائل مرتزقة الاحتلال التركي ضمن الحكومة المؤقتة، لكن على الأرض، تبقى هذه الفصائل تسيطر على المناطق وتواصل جرائمها دون أي رادع. ولا يمكن للمهجرين العودة إلى ديارهم إلا إذا تم فرض ضمانات حقيقية من قبل سلطة دمشق، لضمان عدم تعرضهم لهذه الانتهاكات المستمرة.

واستمر إبراهيم في حديثه حول الاتفاق الذي جرى بين قوات سوريا الديمقراطية وسلطة دمشق، قائلاً: "رغم الاتفاقات والتفاهمات، لا يزال الوضع على الأرض بعيداً عن التنفيذ الفعلي لهذه الاتفاقات. من الضروري تشكيل لجنة مختصة لتقييم الوضع بشكل جاد واتخاذ خطوات ملموسة لحماية المدنيين وضمان عودة آمنة لهم.

كما أشار إلى أن هناك قلقاً كبيراً بشأن الإعلان الدستوري الذي طرحته الحكومة المؤقتة، الذي نص على "لون واحد، شكل واحد، مكون واحد"، وهو ما قوبل برفض قاطع من كافة مكونات شمال وشرق سوريا، بما في ذلك مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، الذين رفضوا هذا الطرح بشكل جدي.

وفي الختام، أكد مدير منظمة حقوق الانسان عفرين – سوريا إبراهيم شيخو أن "العودة الآمنة إلى عفرين ما زالت بحاجة إلى وقت طويل، مشيراً إلى أن المعطيات السياسية الحالية والأحداث على الأرض ستحدد مصير هذه العودة، التي يتعين أن تتم في إطار الأمن والاستقرار وضمان حقوق المهجرين".