زيارة "جاويش أوغلو" لا تقتصر فقط على مسار إعادة العلاقات الثنائية بين البلدين، التي كان سبباً من أسباب قطعها، علاقة النظام التركي بجماعة الإخوان، المصنفة إرهابية في مصر، إلا أنها ترتبط بجملة من القضايا المعقدة منها الأزمتين السورية والليبية، إلى جانب الخلافات حول غاز شرق المتوسط.
مسار استعادة العلاقات بين البلدين والتنسيق للقاء بين السيسي وأردوغان
خلال مؤتمر صحفي اليوم مع نظيره المصري، كشف وزير الخارجية التركي أنه يجري حالياً التنسيق لعقد لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، مؤكداً أن العمل جارٍ لإعادة تبادل السفراء مع مصر خلال الفترة المقبلة.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر تركية لوكالة فرات للأنباء أن الرئيس التركي أردوغان يتوقع أن يزور مصر قبل منتصف العام الجاري، وذلك بعد سنوات من القطيعة بين البلدين، في وقت تتواصل المشاورات لاستعادتها.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس التركي عقب أحداث الزلزال المدمر لتقديم واجب العزاء، فيما كان الرئيسان التقا من قبل في العاصمة القطرية الدوحة بحضور أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني خلال المشاركة في افتتاح بطولة كأس العالم.
وقال وزير الخارجية التركي إن مصر دولة مهمة في حوض المتوسط، وتعهد بتعاون أكبر بين أنقرة والقاهرة خلال الفترة المقبلة على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي.
فيما قال وزير الخارجية المصري إن المباحثات الثنائية مع نظيره التركي مهمة وشفافة، مشدداً على ثقته بإستعادة العلاقات مع تركيا بشكل قوي، لافتاً إلى أن "القاهرة" تسعى لتطبيع العلاقات مع "أنقرة" في كافة المجالات، وأكد على وجود إرادة سياسية لإطلاق مسار للتطبيع الكامل مع أنقرة.
استثمار الزخم في العلاقات بعد أحداث الزلزال
في هذا السياق، قال الدكتور بشير عبد الفتاح الباحث المتخصص في الشأن التركي، لوكالة فرات للأنباء، إن زيارة وزير الخارجية التركي إلى مصر تأتي في إطار استثمار الزخم الذي لحق بالعلاقات عقب زيارة وزير الخارجية المصري إلى تركيا بعد الزلزال، ومن قبل المصافحة التاريخية بين السيسي وأردوغان في مونديال قطر.
وأضاف أن ما أسماه "دبلوماسية الزلزال" ساعدت على تقريب المسافات بين البلدين، مؤكدا أنها جاءت لأمرين، أولهما عودة العلاقات بين البلدين على مستوى السفراء، والأمر الثاني تنسيق زيارة الرئيس التركي إلى مصر، معبراً عن توقعاته بأن تكون هذه الزيارة قبل إجراء الانتخابات الرئاسية التركية في 14 أيار المقبل، أو ربما تأتي بعدها حسب التوافقات والموائمات الداخلية وقناعات الرئيس التركي.
دوافع التقارب بين مصر وتركيا
وقبل الزيارة بيوم، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، إن تلك الزيارة تعد بمثابة تدشين لمسار استعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين، وإطلاق حوار مُعمّق حول مختلف جوانب العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، مضيفاً أن الحوار بين البلدين يستهدف الوصول إلى تفاهم مشترك يحقق مصالح الطرفين.
وتأتي زيارة وزير الخارجية التركي إلى مصر والتي قالت "أنقرة" إنها بدعوة مصرية بعد زيارة لوزير الخارجية المصري سامح شكري إلى تركيا يوم 27 شباط الماضي لتسليم شحنة من المساعدات الإغاثية المصرية إلى أنقرة في أعقاب الزلزال المدمر.
ويرى الدكتور بشير عبد الفتاح أن دوافع التقارب منها ما هو محلي كالأوضاع الاقتصادية والانتخابات في تركيا والتي تتشابه مع الوضع في مصر، ومنها ما هو إقليمي مرتبط بمسألة السلام الإبراهيمي وتقارب إسرائيل مع الدول الخليجية، ودولياً الحرب الروسية الأوكرانية التي ستعيد تشكيل النظامين الدولي والإقليمي.
وقال الخبير في الشأن التركي إنه لهذا تجد الدولتان نفسيهما في حاجة إلى إعادة التموضع الجيوسياسي مجددا لتعظيم المصالح وتقليل الخسائر قدر المستطاع.
الموقف من الأزمتين السورية والليبية والقضايا العالقة بين البلدين
المباحثات بين "شكري" و"جاويش أوغلو" ناقشت عدداً من الملفات والقضايا مثل الأزمتين السورية والليبية والأوضاع في العراق، والاتفاق السعودي الإيراني إلى جانب القضية الفلسطينية.
ومن بين الملفات السابقة، كانت الأزمتين الليبية والسورية أهم مواضع الخلافات بين القاهرة وأنقرة، إذ كانت الأولى تتمسك بوقف التدخلات التركية في الدولتين، ولطالما اتهمت النظأم التركي بدعم ميليشيات وجماعات متشددة في سوريا وليبيا.
في هذا السياق، يقول الدكتور أيمن سمير الخبير في العلاقات الدولية، لوكالة فرات للأنباء، إنه لا أحد يمكنه معرفة ما قد يحدث بين مصر وتركيا في الوقت الحالي بشأن الملفات السابقة، لأن الاستراتيجية في مسار عودة العلاقات بين البلدين تغيرت.
وأوضح "سمير" أنه بدلاً من أن تسير الأمور وفق منطق أنه لا بد أولا من حل هذه القضايا، وهي الموقف التركي من جماعة الإخوان وأزمتي سوريا وليبيا والخلافات حول الغاز في شرق المتوسط، ليكون الوضع حالياً هو العمل على استعادة العلاقات الدبلوماسية والزيارات المتبادلة ولقاءات الوفود، بهدف خلق بيئة جديدة يتم فيها معالجة هذه القضايا الخلافية، والتي سيجري النقاش حولها لحلها.
ويرى الدكتور أيمن سمير أن هناك شعور لدى مصر بجدية تركيا في عودتها لسياسة صفر المشاكل، ولعل التقدم الذي حصل في العلاقات بين تركيا والإمارات وتركيا والسعودية كان من العوامل التي أعطت دفعة وزخماً لاستعادة مسار العلاقات الطبيعية بين القاهرة وأنقرة.
مرحلة المحادثات الاستكشافية بين البلدين
في عام 2013 تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على خلفية الموقف التركي الرافض للإطاحة بحكم جماعة الإخوان في مصر، والتي جرى تصنيفها إرهابية، ووصف الرئيس التركي ما جرى بـ"الانقلاب"، حيث قررت القاهرة طرد السفير التركي فيما ردت "أنقرة" بالمثل.
وظلت العلاقات بين البلدين مقطوعة، كما زادت التوترات أكثر في ظل الرفض المصري للتدخلات التركية في ليبيا المجاورة لمصر ودعم بعض الجماعات المصنفة إرهابية وجلب المرتزقة إلى هناك، وكذلك الحال في سوريا خصوصاً حول احتلال تركيا لشمال سوريا.
لكن في أيار 2021 بدأت من القاهرة مباحثات بين البلدين سميت بـ"المباحثات الاستكشافية" في إطار العمل لاستعادة العلاقات بين البلدين، ويبدو أن مسارها كان أكثر صعوبةً من مسار استعادة العلاقات بين مصر وقطر، التي كانت مقطوعة لنفس الأسباب تقريباً.