بعد التحركات الاخيرة للحرس الثوري الايراني والميليشيات التابعة له في بعض المناطق السورية، بات واضحاً أن إيران تحاول الحصول على أكبر قدر من المكاسب على الارض استغلالاً منها للانشغال الروسي بالحرب الاوكرانية وتركيز الاهتمام العسكري في هذه الجبهة الجديدة، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هو، هل فعلاً إيران تستطيع التمدد على حساب مساحة السيطرة الروسية أو أن الأمر لا يتخطى مسالة إعادة تموضع أمني وعسكري تحت أنظار الروس كهدية للحليف في وقت الضيق؟
تفيد آخر الاخبار المؤكدة الواردة من سوريا، بأن الحرس الثوري الايراني يقوم بتفريغ مخازنه ومستودعات أسلحته وصواريخه وطائراته المسيرة من المناطق التي باتت مكشوفة ومعروفة للتحالف الدولي لمكافحة الارهاب والقوات الإسرائيلية، ونقلها الى مناطق جديدة بعيدة عن العاصمة دمشق ومطارها، وعرف من المناطق الجديدة مطار النيرب الواقع بريف حلب الشمالي ومحيطه حيث تم اللجوء الى مستودعات محصنة داخل المطار بالإضافة الى اعلام المدنيين القاطنين بمحيط المطار بوجوب ترك منازلهم وأراضيهم وممتلكاتهم كون المنطقة صنفت على أنها منطقة عسكرية تابعة للمطار مما يشير الى مستعمرة عسكرية إيرانية جديدة قيد الانشاء في هذه المنطقة، علماً أن منطقة مطار النيرب تقع تحت اتفاق روسي ايراني يقضي بخروج القوات الايرانية منه إلا أن الجانب الايراني تملص من التنفيذ حتى الساعة، فالحرس يقوم بحفر الانفاق داخل المطار مع استحداث مستودعات محصنة بالخرسانة، ونفس التحركات رصدت أيضا بمطار كويرس شرق حلب ومطار حلب الدولي، بالإضافة الى موجة تجنيد واسعة تطال ابناء مناطق مختلفة كحلب والرقة ودير الزور من خلال استغلال الاوضاع الاقتصادية لشباب المنطقة وطبعا بالإغراءات الاخرى كالحماية الامنية والنفوذ وهو ما استلزم استحداث قواعد ونقاط عسكرية جديدة كقاعدة تل حاصل وأخرى متاخمة لمواقع قوات سوريا الديمقراطية في الرقة.
كل هذه التحركات تجري تحت أنظار قوات النظام السوري الأمنية والعسكرية دون أي تدخل على الاطلاق، وكأن الأمر يحدث في دولة ثانية خارج الحدود السورية، ومن دون الأخذ بالحسبان للنتائج المترتبة على هذا التمدد على الاطلاق، ويبدو أن القيادة الإيرانية تعزز انتشارها بالتزامن مع قرب بدء عمل خط سكة الحديد التي من المزمع أن تربط إيران بالساحل السوري عبر المناطق العراقية، أي أن سوريا تضع نفسها تحت مقصلة العقوبات أكثر من ذي قبل، كون هذا الخط سيكون بوابة الهروب من العقوبات بالنسبة للجانب الايراني مهما تم تجميله بأنه بوابة اقتصادية مدنية تهدف الى تسهيل حركة التجارة وتأمين السلع الاساسية للشعب السوري.
أما روسيا المنشغلة بالوقت الحالي مع أوكرانيا فهي ومن دون أدنى شك لن تترك مكاسبها في سوريا لقمة سهلة للجانب الايراني، خصوصاً وأن الانتشار أصبح متاخماً لبعض المناطق الحيوية التي تسيطر عليها، والتي تحتوي موارد طبيعية تدرّ بأموال وفيرة لخزائنها بموجب عقود تشغيل وانتفاع وحماية مبرمة مع الحكومة السورية، ولا شك بأن هذه الأموال تعتبر هامة جداً في هذا التوقيت تحديداً لسد أي عجز قد يحصل بسبب فاتورة الحرب الاوكرانية وهذا الملف يعتبر من أكثر الملفات حيوية بالنسبة للروس، والذي قد يكون فتيلاً يشعل الاوضاع اذا ما تمادى الايرانيون بالتمدد خارج حدود معينة قد يكون تم التوافق عليها سابقاً كنوع من الترضية الروسية للإيرانيين لضمان الدعم السياسي والدبلوماسي بسبب الأزمة الأوكرانية خاصة وان روسيا بحاجة الى رصّ صفوف حلفائها في ظل التكتل الغربي ضدها خلال هذه الفترة.
إن الوجود الايراني في سوريا مختلف دون شك عن الوجود الروسي، واذا ما تم تخيير الغرب بين الوجودين فمن دون شك سيكون الاتجاه نحو موسكو، كون العلاقات الغربية الروسية ومهما كانت درجة التوتر وحتى العداء لكن الامور ستتجه في النهاية نحو الاتفاق والتهدئة وتقسيم مناطق النفوذ العالمية من جديد، وستكون سوريا ضمن الحصة الروسية، كون التواجد الروسي في سوريا تاريخي واستراتيجي، ولن تتنازل عنه موسكو بأي شكل من الأشكال، لكن الأمور مختلفة تماماً بالنسبة للجانب الإيراني، كون الأمر يرتبط بمشروع كبير يتبع لولاية الفقيه، والسيطرة على أكبر قدر من المساحات الجغرافية والمناطق والدول لتنفيذه، خاصةً أن هذا المشروع يتعارض اقليمياً ودولياً مع المشاريع الغربية والاميركية والروسية على حد سواء، وبالتالي فإن التخلص منه أو على الأقل الحد من خطورته سيكون العامل المشترك الدولي الذي ستجمع عليه معظم الدول الكبرى عاجلاً أم آجلاً.
ولا بد من الاشارة الى ان التوغل الايراني في سوريا ليس فقط توغلا عسكريا، بل ايضا توغل دبلوماس…