الحكم بالسجن 135 عاماً بحق صحفيين.. وما تركيا إلا سجن كبير

تتواصل التقارير الدولية التي ترصد توسع النظام التركي في انتهاكاته، لا سيما بحق الصحفيين الذين تحولوا إلى أحد أسوأ ملفات الديكتاتورية التركية، وتكشف عن تناقضاته العديدة.

أحدث تلك التقارير نقلها مركز ستوكهولم للحريات والذي ذكر أن السلطات التركية حكمت على 58 صحفياً بالسجن لمدة 135 عاماً، واحتجزت 112 واعتقلت 26 في عام 2024، موضحاً أن النظام التركي لديه قائمة من الاتهامات الجاهزة لمطاردة الصحفيين، ويأتي في مقدمتها مزاعم دعم الإرهاب التي حولت البلاد إلى سجن كبير.

ونقل المركز بيانات قدمتها زينب أودونجو كوتوي، النائبة عن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب في تقرير بعنوان "بطاقة تقرير حرية الصحافة لعام 2024: تشريح إسكات الحقيقة"، حيث أكدت البيانات أن حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان قام بتكثيف الجهود لقمع الصحافة المستقلة وقمع المعارضة.

وذكرت النائبة أن الأرقام الواردة في التقرير ليست مجرد أرقام، وإنما هي مؤشرات تعكس حياة مضطربة، وأصوات مكتومة، ومجتمع محروم من حقه في معرفة الحقيقة، وقالت مجازاً إن الرئيس أردوغان يقوم "بتسليح النظام القانوني لتخويف الصحفيين والسيطرة على الروايات العامة".

أرقام صادمة

ووثق التقرير 60 تحقيقاً تم إطلاقها ضد الصحفيين، و33 قضية جديدة في المحكمة، ومقاضاة 872 من العاملين في وسائل الإعلام، وذكر أنه تم فرض عقوبات مالية بلغ مجموعها 261.820 ليرة تركية (7413 دولاراً أمريكياً) على الصحفيين، فضلاً عن 240 حادثة موثقة من التهديدات أو الهجمات أو العرقلة.

ودعت كوتوي إلى الإصلاحات لحماية الصحفيين واستعادة استقلال وسائل الإعلام، وتعهدت بالتزام حزبها بالدفاع عن حرية الصحافة، وقالت إن الديمقراطية لا يمكن أن تبقى بدون أصوات منتقدة وشفافية، مضيفة أن النضال من أجل حرية الصحافة أمر ضروري ليس فقط للصحفيين، بل وأيضاً لحق الجمهور في الحصول على المعلومات.

اتهامات جاهزة

يقول مصطفى صلاح الباحث في الشأن التركي، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن إشكالية النظام التركي من الأساس أنه لا يؤمن بالحريات والديمقراطية، كغيره من الأنظمة الديكتاتورية، التي تتعامل مع ملف الحقوق والحريات كسلم للصعود عليه إلى السلطة، ثم سرعان ما تتراجع عنه، خاصة عندما تتعارض مصالحها في البقاء بالسلطة.

وأضاف أن أنقرة منذ عام 2013 وسجل الحريات يتراجع فيها بشكل غير مسبوق، لا سيما الاعتقالات التي تطال الصحفيين، سواء أولئك الذين كانوا يغطون الأحداث في سوريا، وبعضهم كشف عن تعاون بين النظام وتنظيمات متطرفة، أو الذين يغطون ملفات الفساد، أو الصحفيين الكرد.

ويلفت صلاح إلى أن الصحفيين الكرد تعرضوا لانتهاكات كبيرة، خاصة اتهامات الإرهاب التي كانت تلاحقهم، وهي نفسها الاتهامات التي تطال الكرد داخل الأراضي التركية، معتبراً أن كل هذه الأمور تعكس عدم إيمان النظام التركي من الأساس بالديمقراطية، وأن لديه إشكالية حقيقية، خاصة منذ تحالفه مع القوميين وعلى رأسهم حزب الحركة القومية.

سجن كبير

واحتلت تركيا، التي أصبحت أكبر سجن في العالم للصحفيين في عام 2018 أثناء حالة الطوارئ المفروضة بعد محاولة الانقلاب المزعومة، المرتبة 158 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2024 الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود.

ويقول صحفي معارض (فضل عدم ذكر اسمه)، في حديث لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الصحفيين تحولوا إلى هدف لدى النظام التركي، فأصبحت حياتهم معرضة للخطر في أي وقت، وحريتهم الجسدية قابلة للانتهاك في أي وقت، وأحكام سجن جنونية قد تطالهم، هدفها إسكات الأصوات، وردع الزملاء الآخرين من الصحفيين.

وأوضح أن مثل هذه السلوكيات من النظام التركي تكشف عدائه لأي تداول للمعلومات، وأي كشف للحقائق، مما يعكس وجود الكثير مما يسعى لإخفائه، منوهاً إلى أن ملاحقة الصحفيين لا تقتصر على حدود الدولة، بل تمتد إلى خارج البلاد من خلال شبكات وكالة الاستخبارات التركية في العديد من دول العالم.