يعتقد الكثير ممن يتابعون التحركات الجارية في لبنان تحضيرا للانتخابات النيابية المقبلة وما سبقها من تحركات بالشارع من قبل المجموعات الشعبي الرافضة لهيمنة اقطاع السياسة التقليدي الذي اوصل البلاد الى ما هي عليه من انهيار وفوضى وتفكك امني واجتماعي، وفي بلد غير لبنان ربما كانت الانتخابات النيابية ستكون فرصة مؤكدة للتغيير وايجاد مجلس نيابي جديد يدير السلطة التشريعية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة وبالطبع ايجاد المخارج المؤدية لحل الازمة المالية والاقتصادية او بمعنى اصح انقاذ ما يمكن انقاذه من مؤسسات الدولة اللبنانية.
لكن في لبنان الامور مختلفة تماما، فنبض الشارع اصبح بطيئا خلال الفترة الماضية، وعادت عقلية القبائل السياسية لتتحكم بالقرارات السياسية الداخلية، وهذه العودة مرتبطة بطبيعة الحال بالعقلية الطائفية المبنية على حسابات الربح والخسارة المتعلقة بالزعامات السياسية الطائفية والمرتهنة بالطبع للاجندات الخارجية التي تتبدل وتتحول وتغير مساراتها طبقا للصفقات والاتفاقات الاقليمية والدولية.
فحزب الله وحليفه الرئيسي حركة امل وباقي الاحزاب الدائرة في فلكه والتي تشكل تحالف الثامن من آذار يستحوذون حاليا على اكثر من ثلثي المجلس النيابي، وتشير التقديرات بأنه لا تغيرات جوهرية ستحصل على الارض من شأنها تغيير هيمنة الثامن من اذار كون الحزب يهيمن على مناطق عدة في لبنان ويسيطر بالتالي على شرائح مجتمعية واسعة تدين له بالولاء المطلق، اما حلفائه فسيصبون اصوات قواعدهم من خلال شد العصب الطائفي اي وباختصار فان اصوات الطائفة الشيعية ستكون بنسبة 90% لصالح هذه الفئة، ومعها اصوات التحالفات من باقي الطوائف كالسنة في صيدا وبعض مناطق البقاع وبعلبك واطراف الجنوب، واصوات الموارنة في الجبل والجنوب والشمال من خلال التحالف مع المرشح الرئاسي سليمان فرنجية زعيم تبار المردة، ومعهم اصوات الحلفاء الدروز خاصة تيار الوزير السابق وئام وهاب والزعيم التقليدي المنافس لوليد جنبلاط طلال ارسلان، فكتلة حزب الله ليست مرشحة فقط للحفاظ على هيمنتها النيابية بل ايضا مرشحة لاختراق بعض اللوائح وزيادة عدد النواب الدائرين في فلكه.
وفي الجهة المقابلة والتي من المفترض ان تضم الجهات السياسية المناوئة لحزب الله فالمشهد يبدو صعبا جدا، فتيار الرابع عشر من اذار اصبح من الماضي وكل من انضم لهذا التيار اصبح يفتش وبضراوة على مكاسب سياسية تمكنه من المحافظة على كتلته النيابية او على الاقل تمثيله باي عدد كان من النواب، وهذا التفتت توج بانسحاب رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري من العمل السياسي واعللانه عدم المشاركة بالانتخابات النيابية مع تيار المستقبل، وهو ما احدث فراغا كبيرا على الساحة السياسية المعارضة لوجود حزب الله، فتم تفتيت اصوات الكتل الخاصة بالطائفة السنية وتركها عرضة للاختراق من قبل الجميع دون اي استثناء حتى من قبل حلفاء الامس.
فلا يوجد بالوقت الحالي اي جهة حزبية او شخصية سياسية او عامة تستطيع التحكم باصوات الطائفة السنية لضمان التمثيل العادل اسوة بباقي الطائف، فعلى الرغم من ان قانون الانتخاب يضمن التوزيع العادل للنواب حسب التبعية الطائفية الا ان الاختراق سيكون بيصال نواب سنة يتبعون لجهات مختلفة منها حزب الله وحزب القوات اللبنانية الممثل الاقوى للطائفة المارونية، والذي يقوم بالوقت الحالي بمحاولات حثيثة للحصول على نسبة من الاصوات السنية لزيادة عدد نواب كتلة القوات في المجلس النيابي الجديد.
اما مرشحي ثورة السابع عشر من تشرين والاصوات المعارضة الباقية فهي ذات قدرات محدودة جدا ان كان ماليا او لوجستيا وحتى في الانتشار على الارض، كونهم ورغم النقمة الشعبية على الطبقة الحاكمة الا انهم يصطدمون بالواقع الطائفي الذي يهيمن على غالبية اللبنانيين، حيث تظهر وبوضوح الاصطفافات الطائفية ودعم مرشحي الطوائف التي يتبعون لها او اولئك من الطوائف الاخرى الذين اصبحوا تحت عباءة زعيمهم الطائفي، الا ان الامر لا يقتصر على التقسيمات الطائفية الداخلية بل يتخطاه بالتبعية للخارج من قبل الطوائف وتنفيذ المشاريع الموضوعة والتي تتبدل وتتحول بسبب اعادة التوزيع للهيمنة بعد التغيرات الجيوسياسية العالمية خلال الفترة الماضية والتي لا تزال مستمرة الى الان والتي سيكون لها تبعات كثيرة خصوصا على الدول الصغيرة ومنها لبنان.
المجلس النيابي الجديد في لبنان لن يكون مختلفا عن الذي قبله، وسياتي برئيس ربما يكون فقط مطابقا للتحالفات الاقليمية الجديدة كما حصل قبيل الاتيان بالرئيس الحالي والذي تم ابقاء لبنان دون رئيس لاكثر من ثلاث سنوات حتى جلوسه على الكرسي.