"يعرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بلاده لخطر كبير في الداخل والخارج، حيث تمر البلاد بأزمة جديدة في العملة مع قرار أردوغان بإقالة محافظ البنك المركزي، بالإضافة إلى أزمة ديون كبيرة، وخيارات مضطربة في السياسة الخارجية والدفاعية، بالاضافة إلى إتجاهات جديدة قوية نحو التغيير في المشهد السياسي الداخلي، حيث تضع القيادة السياسية التركية البلاد في مأزق خطير لا يمكن إلا للمواطنين أنفسهم إيجاد حل له"، هكذا وصف تقرير لمعهد "كارنيغي-أوروبا" الوضع الراهن في تركيا، مؤكدا أن السبب في الأزمات الراهنة في تركيا هو نظام حكم الرجل الأوحد الذي يطبقه أردوغان حاليا.
وأنهى الرئيس التركي نزاعا متواصلا مع محافظي البنك المركزي المتعاقبين بقراراه بإقالة محافظ البنك المركزي، بعدما ذكر أنه "أخبرة عدة مرات بخفض أسعار الفائدة في اجتماعات بشأن الاقتصاد. قلنا إنه إذا انخفضت أسعار الفائدة، فإن التضخم سينخفض. لم يفعل ما هو ضروري."، لكن حكم السوق على هذا القرار كان واضحا، وهو إنخفاض قيمة الليرة 3% وتراجع مؤشر بورصة إسطنبول بنسبة 1.5 في المائة.
وفي تفسير قرار أردوغان ذكر التقرير أن "هذا الخلاف السخيف ليس جديدا. إذ استمر لسنوات مع محافظي البنك المركزي المتعاقبين ووزراء الاقتصاد والمالية. حيث إن اعتقاد الرئيس الراسخ بأن انخفاض أسعار الفائدة سيؤدي إلى انخفاض التضخم ليس له أي مصداقية في الأسواق الدولية، لكن الخطوة الأخيرة جعلت الأمور أسوأ. إن رحيل محافظ البنك المركزي يمثل ضربة لاستقلال البنك، ويضع السياسة النقدية بحزم في يد أردوغان، الذي يتمسك بمبادئ التمويل الإسلامي، الذي يحظر فرض الفائدة. كما أنه يترك وزير الاقتصاد والمالية، وهو أيضًا صهره، يتحدث عن نظريات المؤامرة المعتادة حول أعداء أجانب مفترضين يحاولون تركيع البلاد على ركبتيها. إن الجذور الإسلامية لسياسة سعر الفائدة الصفرية تزيد الوضع سوءًا."
وتابع التقرير: "(القرار) كان سيئاً بما فيه الكفاية، فمثل هذه النظريات الاقتصادية الغريبة أثارت الاستهزاء والسخرية من الأوساط المالية الدولية. ومن الواضح الآن أن المواطن التركي العادي أو عضو حزب العدالة والتنمية الحاكم (AKP) فقد الثقة أيضًا في أردوغان. ويعد مراد تشتين قاياأول محافظ بنك مركزي يُقال من منصبه منذ عام 1981، أي في الوقت الذي حكم فيه الجيش تركيا بعد انقلاب عام 1980."
وأشار التقرير إلى أنه في نظام الحكم الفردي الحالي، لا توجد وجهات نظر بديلة أو خيارات سياسية لها مكان في تركيا. عندما تصر القيادة، على أمور اقتصادية رهيبة، أو على سياسة سخيفة مرفوضة بشدة على الصعيدين الدولي والداخلي، سيتم تنفيذها بغض النظر عن أي شيء. وأكد التقرير إن "النظام الذي اختفى فيه حكم القانون ولم يتم التسامح مع الأصوات المعارضة لا يمكن أن يقود تركيا إلى طريق الاستقرار والازدهار".
وتابع التقرير الذي كتبه الدبلوماسي والأكاديمي الفرنسي مارك بيريني: "لا نعلم من قبيل المصادفة أم لا أن أعقب اقالة محافظ البنك المركزي استقالة نائب رئيس الوزراء التركي السابق علي باباجان من حزب العدالة والتنمية ببيان شديد اللهجة: "في ظل الظروف الحالية، تحتاج تركيا إلى رؤية جديدة لمستقبلها. هناك حاجة لإجراء تحليلات صحيحة في كل مجال، واستراتيجيات وخطط وبرامج مطورة حديثًا لبلدنا. . . لقد أصبح من المحتم بدء جهد جديد لحاضر ومستقبل تركيا. أشعر كثيرًا من زملائي بمسؤولية كبيرة وتاريخية تجاه هذا الجهد ".
واضاف: " لقد حاولت أصوات كثيرة، خاصة في حزب العدالة والتنمية في الأيام والأسابيع الأخيرة، إقناع القيادة بأن التغييرات العميقة ضرورية. لكن يبدو أنه لم يعد هناك مجال للمعارضة، لأن اعتراضاتهم على خيارات السياسة السائدة تم تجاهلها ببساطة."
"لقد أصبحت مشاكل تركيا أكبر بكثير من مجرد اهتمامات السياسة الاقتصادية. إن رئاسة تركيا ذات الرجل الواحد تؤدي إلى خيارات دفاعية وسياسية خارجية غير متسقة من ذاتها بشكل متزايد. في هذا الشهر، تشارك تركيا في مناورات حلف الناتو العسكرية في البحر الأسود قبالة أوكرانيا وهي استعراض للقوة يستهدف موسكو. ولكن في الوقت نفسه، تجري أنقرة مناورات بحرية مع البحرية الروسية وقد تنشر صواريخ S400 الروسية على أراضيها".
"الواقع الحالي هو أن خيارات أردوغان لا يمكن أن تسود إلا على حساب استمرار تفكيك سيادة القانون في البلاد، ومطاردة لا نهاية لها لحلفاء حزب العدالة والتنمية السابقين الذين يدعمون خصم أردوغان المنفي فتح الله غولن"، بحسب التقرير الذي أكد أن كل هذه الخيارات تضر بالاستقرار السياسي في البلاد، والجاذبية الاقتصادية والمكانة الدبلوماسية، معتبرا أن الهزيمة المدوية لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات التي جرت في 23 حزيران (يونيو) في بلدية إسطنبول ليست مجرد سوء تقدير محير؛ لكنها كانت علامة واضحة على التوق العميق للتغيرات السياسية الكبرى.
وأختتم التقرير بالقول: "في الوقت الحالي، يستمر الإثارة السياسية في تركيا بلا هوادة... فإن السؤال الراهن يتمحور حول مقدار الضرر الذي سيحدثه نظام الحكم الحالي في البلاد، وكم من الوقت ستستغرق عملية إصلاح التدمير طويل الأمد والمكلف الذي تسبب فيه هذا النظام؟".