ينطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في معركته الشخصية التي استندت إلى إلغاء أصوات الناخبين على مقولته الشهيرة: "من يفوز بأسطنبول، يفوز بتركيا"، فقد بات واضحا أنه يخشى من فوز أي شخصية من خارج حزب العدالة والتنمية وتحالفه القومي المتطرف، مما سيعني تلقائيا إنتصارا للمعارضة بمعناها الواسع والكرد تحديدا الذين وصفتهم إستطلاعات الرأي بالكتلة الحرجة والمرجحة لكفة المرشحين المتنافسين بن علي يلدريم رئيس الوزراء ورئيس البرلمان سابقا، وأكرم إمام أوغلو الذي أطاح أردوغان بفوزه بمنصبه بعد توليه بأيام، وذلك وسط مخاوف من لجوء الرئيس التركي لتلفيق قضية له لمنعه من ممارسة أي منصب سياسي أو إلغاء نتيجة الانتخابات مجددا.
المعركة الشخصية لأردوغان
تعيش أسطنبول غدا الأحد معركة حامية في جولة الإعادة بإلانتخابات البلدية التي أصبحت تحد بين الرئيس والمعارضة، حيث شكلت تلك الانتخابات حالة لا يمكن تجاوزها في مسار حزب العدالة والتنمية، وأعتبرتها المعارضة بمثابة "بداية النهاية" للحزب الحاكم، حيث يتوجه 10.5 ملايين ناخب من سكان إسطنبول لانتخاب رئيس البلدية الجديد، وسط تحذيرات أردوغان من التصويت لغير المرشح بن علي يلدرم بإعتباره تارة تصويت لأنصار الإرهابيين، أو لمرشح مدعوم من قوى خارجية حسبما ذكر الرئيس التركي نفسه الذي أستغل وفاة الرئيس المصري الأسبق المنتمي لجماعة الإخوان، وهدد الناخبين مؤكدا أن المرشح أكرم إمام أوغلو هو رجل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في تركيا، وطالب الناخبين خلال تجمع إنتخابي لأنصار حزبه "بالاختيار بين بن علي يلدرم والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي"، لتعكس تلك التصريحات مجددا معارك أردوغان الشخصية التي روجها منذ الاطاحة بالإخوان من السلطة في مصر في صيف 2013 وهجومه المتواصل على الرئيس المصري.
وبدأت قوى تركية معارضة لحزب العدالة والتنمية تتحدث عن إتهامات أردوغان "الملفقة" بكثافة في محاولة للانتقام من أردوغان وفضح ألاعيبه السياسية وانتهازيته الدائمة في توظيف هذا النوع من الأحداث، أملا في تعويض خسائره بالداخل، واستعادة قدر من الزخم في الوقت الراهن، وتقديم نفسه على أنه زعيم إقليمي يناصر القضايا الإنسانية، في سعي آخر للتغطية على تجاوزاته في هذا الملف، حسبما ذكرت صحيفة "العرب" اللندنية.
وليست تلك هي المرة الأولى التي يسعى فيها أردوغان لتشويه المرشح أكرم إمام أوغلو الذي سبق إتهامه أيضا بالتبعية لخصم أردوغان المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، فقبل أسبوعين قال أنه ذو أصول يونانية مسيحية، طاعنا في جذور المرشح المنافس وعقيدته، وقد روّج مسؤولون من حزب العدالة والتنمية الحاكم مزاعم أردوغان بأن إمام أوغلو هو يوناني مستتر - وأن مناصري إمام أوغلو في طرابزون هم يونانيون "يتنكرون كمسلمين". وأخيرا، تحدث أحد نواب رئيس حزب العدالة والتنمية عن "العديد من علامات الاستفهام" المحيطة بالهوية الإثنية والدينية لإمام أوغلو، وطالب إمام أوغلو بإثبات أن روحه وقلبه وعقله مع الأمة التركية"، بحسب تقرير لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.
وقال تقرير لشبكة سي إن إن الأمريكية اليوم إن أردوغان تعرض بعد نحو ربع قرن من الهيمنة السياسية لضربة مدمرة، بعد أن فقد حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية في أكبر ثلاث مدن في تركيا أمام حزب الشعب الجمهوري المعارض، حيث كان من الصعب بشكل خاص على أردوغان ابتلاع هزيمة حزب العدالة والتنمية في اسطنبول، التي اعتبرها أردوغان، مرارا، "جوهرة" السياسة التركية، وأستخدمها كنقطة انطلاق لحياته المهنية، بحسب مقولته الشهيرة: "من يفوز في اسطنبول، يفوز بتركيا"، مما جعل مسقط رأس الرئيس ومصدر الثروة والسلطة لحزبه، مهددا بالفقدان مما يعني خسارة الأموال والموارد التي تدعم وسائل الإعلام الموالية للحكومة والشركات والمقاولين وأجهزة حزب العدالة والتنمية ككل.
ونقلت "سي إن إن" عن محللين قولهم أن المعارضة تتحدى أردوغان للمرة الثانية، من أجل الفوز ليصبح نقطة تحول لبلد ينزلق إلى حكم استبدادي، مؤكدين أنه حتى لو استعاد حزب العدالة والتنمية اسطنبول، فإن لجوء النظام إلى إعادة التصويت كشفت بالفعل عن مدى ضعف أردوغان.
واشارت "سي إن إن" إلى أنه على الرغم من القيود الخطيرة التي تواجه المعارضة، بما في ذلك فرض حظر على المظاهرات المناهضة للحكومة في اسطنبول، فإن المواطنين لديهم أماكن قليلة متبقية للاحتجاج خارج صندوق الاقتراع، كما أن المعركة ستظل مستمرة حتى إنطلاق التصويت للمراهنة على الناخب المتأرجح في إختياره بين المرشحين المتنافسين. ووصفت هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" أردوغان بالرئيس المشؤوم، مؤكدة أن المعارضة أصبحت متفائلة بشدة بالفوز على حزب العدالة والتنمية وإلحاق هزيمة جديدة وللمرة الثانية به.
وقال المحلل السياسي التركي جواد غوك في تصريح لوكالة فرات للأنباء ANF أن المعركة الانتخابية في أسطنبول تمثل يوم تاريخي وتحدي شخصي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي بات يعتبرها استفتاء على حكمه، تمثل اختبارا لهيمنة حزب أردوغان على السلطة، ومستقبله السياسي وإذا خسرها ربما تضع حد لإمكانية ترشحه أو فوزه مجددا بمنصب الرئيس، واستنكر المحلل السياسي التركي إستغلال أردوغان لكل الأحداث لربطها بإنتخابات بلدية أسطنبول، قائلا: "ما علاقة مصر بهذه الانتخابات لكي يقحم الرئيس التركي مصر ورئيسها في هذه المسألة؟".
وقال تقرير لـ"عرب ويكلي" أنه في الوقت الذي تتراكم فيه المشكلات في تركيا، يواجه فيه الرئيس أردوغان تحد جديد، حيث تتنبأ استطلاعات الرأي بانتصار المعارضة في الانتخابات البلدية التي ستجري غدا في إسطنبول، كما تلوح في الأفق مشاكل سياسية واقتصادية وعثرات في السياسة الخارجية. ونقلت الصحيفة عن خبير قوله: "ستظهر الأيام المقبلة حجم ثقة الأتراك بسياسات الرئيس."
وأكدت الصحيفة أن الهزيمة الثانية في اسطنبول من شأنها أن تهز قبضة أردوغان على السلطة في البلاد، واختبار لنظام أردوغان الرئاسي الجديد، الذي حول السلطة إلى "حكم الفرد" الذي لم يكتف بمنصبه وسلطاته بل وألقى بكل ثقله في الانتخابات المحلية أيضا.
الخوف من "الإنتصار الكردي"
وذكر تقرير الصحيفة أيضا أن أردوغان سعى تفتيت الأصوات من خلال ما نشرته وسائل الإعلام الرسمية من تصريحات منسوبة للقائد الكردي عبدالله أوجلان في محبسه، ولفتت العديد من وسائل الإعلام العالمية والمحلية إلى خشية أردوغان من الهزيمة في أسطنبول بإعتبارها ستمثل إنتصارا للكرد والقائد الكردي عبدالله أوجلان الذي تفرض عليه الدولة التركية عزلة مشددة في سجن جزيرة إمرالي. في الوقت الذي يسجن فيه أردوغان أيضا السياسي الكردي المعارض صلاح الدين دميرتاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي سابقا ويسعى لعزل أصوات مؤيدي حزبه عن المشهد الانتخابي.
وتحت عنوان "انتخابات إسطنبول: امتحان إردوغان الأصعب"، ذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية أن أردوغان وحليفه المقرب بن علي يلدريم تحركا بكل ثقلهما خوفا من الأصوات الكردية في محاولات لا تنتهي للتأثير على الناخبين الكرد أو منعهم من التصويت للمرشح المنافس بأي وسيلة ممكنة، بما في ذلك زيارة "بن علي" لأماكن في كردستان وتوجيه التحية باللغة الكردية، مما يشير إلى ضعف أردوغان وهشاشة موقفه الراهن وتعامله مع الإنتخابات وكأنها إنتخابات رئاسية.
وقال الدكتور محمود زايد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، المتخصص في الشؤون الكردية لوكالة فرات للأنباء ANF، "حتى أوجلان وهو قيد الاعتقال والعزلة تدرك الحكومة التركية مدى أهميته ووزنه الذي لا يمكن تجاهله في السياسة التركية ومعادلاتها وتأثير كلمته على الشعب الكردي ليس في تركيا فقط ولكن في أجزاء كردستان الأربعة"، وهذا من أكثر النقاط التي تؤرق الحكومة التركية وتثير مخاوفها تجاه أي تحرك سياسي، وهي تعرف جيدا تأثير الصوت الكردي في الانتخابات، وفي مجمل الحراك الداعي للديمقراطية والتغيير الحقيقي والنابع من فكر وفلسفة القائد أوجلان.