شكلت زيارة مسعود بارزاني إلى بغداد صدمة في الشارع الكردستاني، وفقاً لما أكده صحفيون وناشطون، لافتين إلى أن الزيارة صدمت البعض بعد ارتفاع نبرة الشعارات القومية بأن إجراء الاستفتاء والسياسات المعلنة ذات الاتجاه المغاير والتي كانت ترفض حتى شراكة على أساس كونفدرالي، والتعامل مع بغداد على أساس الجوار وليس الشراكة .
وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق في 20 نوفمبر من العام الماضي، أي قبل عام من زيارة بارزاني إلى بغداد، قراراً يقضي بعدم دستورية استفتاء إقليم كردستان العراق (جنوب كردستان) 25 أيلول وإلغاء النتائج المترتبة عليه.
وفي الوقت الذي رأى فيه مؤيدو الديمقراطي الكردستاني أن الزيارة تاريخية وبمثابة خطوة مهمة تهدف إلى تحسين العلاقات بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، بعد أزمة استفتاء الاستقلال في أيلول 2017، وفتح حوار لحل المشاكل القائمة والمتعلقة بملفات حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية وسبل إدارة ملف النفط وإيجاد حلول "أمنية- سياسية" لإدارة المناطق المتنازع عليها، رأى آخرون أنها (الزيارة) إنما هي عودة عن خطأ اتخاذ قرار إجراء الاستفتاء، الذي اتخذه الديمقراطي الكردستاني منفرداً ودفع ضريبته المواطن الكردي.
واختار نواب من أحزاب المعارضة الصمت وعدم التعليق على الموضوع خاصة أن المفاوضات جارية بين أحزابهم والديمقراطي الكردستاني بشأن تشكيل الحكومة الجديدة في الإقليم.
بارزاني يعود إلى حضن العراق
وقالت الصحفية نياز عبد الله قالت خلال اتصال مع وكالة فرات للأنباء ANF إن "زيارة مسعود بارزاني إلى بغداد تأتي بعد مرور عام من قرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية إلغاء نتائج الاستفتاء الذي جرى في نفس العام، والزيارة تترجم فشل بارزاني بالاستفتاء وفشله في مقاومته تجاه نتائج الاستفتاء، ولكن رغم الظروف التي جرى فيها الاستفتاء، فيما يتعلق بآلية اتخاذ القرار والخطأ في التوقيت وحشد التأييد، إلا أنه باعتقادي أن الزيارة يجب كانت أن تكون قبل إجراء الاستفتاء بغية حل جميع المسائل العالقة بين أربيل وبغداد عن طريق الحوار".
واستدركت عبد الله: "لكن برأيي مسعود بارزاني حرق أوراقه التي كان يملكها، وهو الآن ليس لديه أي منصب رسمي في الإقليم عدا زعامته لحزبه كرئيس للديمقراطي الكردستاني".
وأضافت "بارزاني إضافة إلى فشله في الاستفتاء، قامر بموضوع حق تقرير المصير كما أنه أبعد عن الكرد تحقيق حلهم في الدولة الكردية عشرات السنين".
وتابعت: "النقطة الثالثة أن إجراء الاستفتاء لم يكن خطراً فقط على جنوب كردستان بل إنه شكل خطراً أيضا على الأجزاء الأخرى، ونستطيع أن نقول إن خطره كان أكبر على خطره على شمال وغرب وشرق كردستان، وأصبح مناسبة لتلاقي الدول الأربعة وإحاكة المؤامرات على شعبنا في بلدانهم والشرق الأوسط".
وأشارت إلى أن "بارزاني بعد فشله بالاستفتاء وتحقيق الاستقلال أفقد الاقليم جزءاً كبيراً من سلطاته في الحكومة الاتحادية ومن السلطة في المناطق المتنازع عليها والتي كان يتمتع بها الإقليم حتى وصل إلى وضع بغداد نقاط جمركية بين كركوك مع كل من السليمانية وأربيل تضاف لمجموع الإجراءات العقابية التي اتخذتها بغداد ضد الإقليم بعد إصرار الأخيرة على إجراء الاستفتاء وقتها، والذي أثقل كاهل مواطني الإقليم والمواطن الكركوكي، بل وكان سبباً رئيسياً في حدوث 16 أكتوبر، باعتقادي أن 16 أكتوبر كانت نتيجة من نتائج الاستفتاء وليس اتفاق العراق وإيران".
وفي تعليقها على الحفاوة التي استقبل بها بارزاني في بغداد قالت: إن "استقبال بارزاني في بغداد على السجاد الأحمر من قبل المسؤولين الحكوميين العراقيين إنما هي رسالة من بغداد مفادها بأن بارزاني عاد إلى حضن العراق".
وختمت حديثها قائلة: "رغم كل ملاحظاتي ونقدي لزيارة بارزاني وجعل المسائل العالقة مع بغداد في إطار الحزب أي تحزيب القضايا العالقة مع بغداد إلا أنها في الوقت ذاته تعطي درسا لحكومة إقليم كردستان والاحزاب السياسية هنا، بأن الطريق الوحيد لأي حل للمسالة الكردية في العراق وأي شي آخر يتعلق بإقليم كردستان وبالنهاية يمر من بغداد، الأمر الذي لم يكن بارزاني يعيه".
بارزاني يرمم علاقات حزبه وشخصه
أما الصحفي سرتيب جوهر فقد اعتبر أن"سبب زيارة مسعود بارزاني إلى بغداد هو ترميم علاقاته الشخصية وعلاقة حزبه ببغداد، خصوصاً بعد أحداث الاستفتاء الذي جرى في أيلول 2017 وتبناها بارزاني، وأدى إلى قطع العلاقات مع بغداد وخسارة مساحة شاسعة من أرض كردستان عسكرياً"، مشيراً إلى أنه تم استقبال كوادر حزبه في بغداد من قبل وكذلك بعض من حلفائه من السنة والشيعة.
وأضاف في اتصال لوكالة فرات للأنباء ANF "كردستانياً ربما يحاول بارزاني من خلال زيارته لبغداد تعويض خسارة حزبه في الصراع مع الاتحاد الوطني الكردستاني للفوز بمنصب رئيس الجمهورية".
ولفت جوهر إلى أن "الجهات الإعلامية التابعة لحزب بارزاني حاولت أن تعطي أهمية كبيرة للزيارة على أنها خطوة مهمة للإنفراج في العلاقات بين أربيل وبغداد وإنهاء مرحلة التشنج وغلق الأبواب، لكن على عكس ذلك، انتقدته وسائل إعلام المعارضة وكذلك الناشطين السياسيين والمدنيين والمدونين وما عكسته وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع من تعليقات ساخرة للزيارة، ولكن بمجملها كانت تشير إلى القفز للجهة المعاكسة لشعارات بارزاني والتي تحولت من الاستقلال إلى وحدة العراق".
زيارة لم تسبقها تحضيرات
ويذكر أن من أبرز الملفات الخلافية بين أربيل وبغداد هي مستحقات الإقليم المالية من الموازنة الاتحادية، ملف النفط، ملف المناطق المتنازع عليها وصلاحيات الحكومة الاتحادية في الاقاليم، ويرى مراقبون ان الزيارة لم تسبقها تحضيرات ولا خطط او حتى رؤى محددة ولا خارطة طريق لبحث التوصل الى "عقد شراكة جديد" داخل العراق، اوحتى لمعالجة الملفات الخلافية الأساسية.
وعلّق الصحفي سامان نوح في صفحته على الفيسبوك من خلال قراءة له للزيارة قال فيها:
"الزيارة فاجأت الكثيرين من ناحية الهدف المعلن منها، رغم رمزيتها الكبيرة في إطار العودة القوية لبغداد، في ظل عدم وجود أية مؤشرات على بدء مرحلة تحولات إستراتيجية وانطلاق مسارات جديدة في العراق، خاصة في ظل غياب تحركات حقيقية على الأرض"مشيرا إلى اأنّ "الزيارة لم تسبقها تحضيرات ولا خطط أو حتى رؤى محددة ولا خارطة طريق لبحث التوصل إلى "عقد شراكة جديد" داخل العراق، أوحتى لمعالجة الملفات الخلافية الأساسية ولا حتى طاولة مستديرة للاتفاق على فتح تلك الملفات الشائكة وتقديم مقترحات حلول متوازنة بشأنها".