وأعتبر الدكتور أحمد أبوزيد الباحث في إدارة الأزمات والأمن الإقليمي في حديث خاص لوكالة فرات للأنباء ANF أن القمة العربية الأوروبية الأولى التي كانت حدث تاريخي بكل المقاييس وسيما من حيث كونها تعقد للمرة الأولى من نوعها، قد مثلت محطة فارقة في مسار التوتر الراهن بين القاهرة وأنقرة، وتطور كاشف لما تعانيه أنقرة من عزلة، وفي المقابل ما باتت تتمتع به مصر من تأثير إقليمي ودولي كشريك استراتيجي موثوق لدى الأوروبيين.
وقال الخبير في الشؤون التركية أن موقف تركيا من القمة العربية الاوروبية جاء انعكاس لخيبة الأمل التي اصابت أردوغان بعدما خسر رهان السنوات الماضية على الفوز بدور محوري في المنطقتين العربية والأوروبية، فيما كشفت القمة خسارته الفادحة رغم كل الأزمات التي انخرط فيها وأدت إلى أزمات وارتدادت خطيرة على الداخل التركي وعلى سلطته ومستقبله السياسي هو شخصيا والنظام الذي بناه على مدار سنوات منذ صعود حزبه للسلطة.
وأعتبر الباحث أن "أردوغان كان حاضرا للقمة وان لم يكن مشاركا بها، وأردوغان كان يتمنى حضور القمة وان هاجمها"، مشيرا إلى أن تركيا كانت حاضرة عبر ما وصفه بـ"عميلها القطري" الذي شارك بوفد ضعيف المستوى ما يدل على ان موقف تركيا وقطر من القمة به كثير وكثير مما يمكن ان يقال عن التنسيق والتشابه في الموقفين وتوزيع الادوار، لافتا إلى اعتقاده بأن المباحثات المغلقة للقمة وجلساتها السرية كانت تنقل الى تركيا عبر حليفها القطري، إذ شهدت تلك المناقشات التفاعلية المفتوحة بين القادة بطبيعة الحال انعكاسا للإجماع العربي على رفض التدخلات التركية وسياستها التوسعية في المنطقة على حساب أمن وسيادة الدول العربية وعلى رأسها سوريا.
وأكد أبوزيد على أن أهم ما يفسر غضب اردوغان من هذه القمة، هو انه في الوقت الذي تتقارب فيه مصر مع الاتحاد الاوروبي في شراكة استراتيجية شاملة فان اتجاها اوروبيا متناميا سواء في البرلمان او المجلس الاوروبي قد وصل إلى ضرورة وقف مفاوضات انضمام انقرة الى الاتحاد الاوروبي، ويعد التباعد التركي-الاوروبي وهو السبب الحقيقي لحقد اردوغان وغضبه من قمة شرم الشيخ التي رفضت ايضا التدخلات الاقليمية التركية والايرانية ووصفتها بأنها تفرز الازمات في المنطقة وتزيدها تعقيدا.
وتابع: "على عكس الصورة النمطية السائدة والتفسير التركي لهذا الهجوم بارتباطه بإعدام الارهابيين المتورطين في اغتيال النائب العام المصري من عناصر الاخوان المدعومين تركيا، فإن السبب وراء المحاولات التركية رخيصة لتشويه القمة والتصريحات غير مسؤولة لمسؤولين أتراك من بينهم كبيرهم أردوغان وحتى "صغيرهم المولود" جاوليش اوغلو وزير الخارجية التركي كانت نابعة من القلق البالغ على مستقبل تركيا ودورها الوظيفي الذي لم تعد قادرة على الاضطلاع به في علاقاتها مع القوى الكبرى.. فتصريحات تفضح حقد أردوغان ورغبته في الاستيلاء على كل ما في يد العرب وكل ما يناله العرب من خير.. هذه التصريحات الصبيانية التي تنتقد القمة العربية الاوروبية وتنتقد حضور القادة الأوروبيين للقمة التي استضافتها مصر استنادا الى مزاعم واهية حول حقوق الانسان او الاوضاع في مصر هي تمثل تدخل سافر في الشؤون الداخلية والسيادية لمصر والدول العربية والاوروبية.. كما هو معلوم عن سياسته الرعناء.. وهي ايضا تمثل مزحة ثقيلة الظل فليس اردوغان هو من يمكنه تعليم احد اي شيء عن حقوق الانسان والديمقراطية وهو يحكم دولة صارت سجن كبير للمعارضين له".
وتابع الخبير المصري: "لا شك ان تركيا التي تحولت الى سجن كبير للمعارضين لأردوغان، لا يمكن ان تعطي لنا دروسا في الديمقراطية وحقوق الانسان وسيما ان اردوغان يمثل دولة احتلال اليوم سواء في شمال سوريا او بعض المناطق في العراق... وبقدر رفضنا وردنا على هذا التدخل السافر، بقدر حرصنا على عدم النزول لمستواه المتدني وخطابه البذيء.. فالرئيس عبدالفتاح السيسي يؤكد دائما على رفض التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة حتى لو من دول الاتحاد الاوروبي أنفسهم الذين يتملقهم أردوغان.. فقد أكد الرئيس السيسي على ذلك لنظراءه الأوروبيين انفسهم وقال لهم بالفم المليان كما يقولون لن تعلمونا انسانيتنا .. وبالتالي نحن لم نعدم امكانية الرد بالبذاءة على هذا السفيه، ولكن بطبيعة الحال مصر دولة كبيرة ومسؤولة .. وترى ضرورة عدم الانسياق وراء المستوى المتدني في تصريحات أردوغان بالرد والنزول إلى هذا المستوى... كما ذكر وزير الخارجية سامح شكري في معرض تعليقه العابر على حديث اردوغان .. فبالتأكيد مقام الرئاسة لن يلتفت ... ناهينك عن ان ينزل وهو مقام سامي.. لكي يرد على نباح أردوغان الإرهابي".
أردوغان تاجر مفلس
وقال الخبير المصري المتخصص في الشؤون الاقليمية أن خسارة أردوغان لعلاقاته مع السعودية ودول الخليج باستثناء قطر، فضلا عن ما يواجهه مشروعه في سوريا من خسائر فادحة على يد الشعب الكردي والعرب الحر في سوريا، وضعه في حالة الافلاس التي يعاني منها حاليا.. مضيفا: "اردوغان كالتاجر المفلس الذي اضاع ثروة عمره في رهان او مزاد خاسر"، وتابع: "اردوغان كان يتمني في المرحلة النهائية للأزمات التي شهدتها المنطقة ان تكافئه أوروبا باستضافة مثل هذه القمة، فأردوغان المعروف عنه الطمع في مكانة ليست له ولن تكون له ولا لبلاده تحت ظل نظامه القمعي وسياسته الانتهازية الرخيصة... صدم من خسارته لكل أوهامه العثمانية وآماله التوسعية بعد ان وضع شعبه في أزمات داخلية وخارجية لتحقيق طموحه الشخصي".
ولفت أبوزيد إلى أن اعلان شرم الشيخ الصادر عن القمة قد جاء مناهضا للمبادئ والافكار التركية، من حيث اعلاء قيمة الاستقرار ورد الاعتبار للدولة الآمنة والمستقرة على كل اعتبارات اخرى، من خلال تعزيز التعاون الأمني بين الجانبين العربي والأوروبي، والتنسيق الدبلوماسي والسياسي بما يضمن تحقيق مصفوفة المصالح المشتركة بين الجانبين العربي والأوروبي، وفي مقدمتها التعاون في مواجهة الأزمات في المنطقة العربية وعلى رأسها الأزمتين الليبية والسورية، كما عكس حجم المشاركة في القمة مدى مصداقية الدور المصري ومكانة مصر الدولية والإقليمية، وذلك تقديرا لمكانتها ودورها الرائد كصانع للسلام في المنطقة، كما انعقدت القمة في توقيت بالغ الأهمية من زاوية التحديات التي تشهدها المنطقة وعلى رأسها مستقبل مسار التسوية في سوريا وخاصة في أعقاب الانسحاب الأمريكي وحاجة الدول العربية والأوروبية للتعاون من أجل تحقيق الاستقرار في سوريا، وكذا تتزامن مع رئاسة مصر للقمة الأفريقية والاتحاد الأفريقي على مدار العام 2019 حيث أكد الاتحاد الاوروبي دعمه لقيادة مصر للقارة الأفريقية، في الوقت الذي تسعى فيه تركيا إلى الابتعاد عن عزلتها الاقليمية بمد جسور مع الدول الأفريقية واستغلال أزماتها كما فعلت في الصومال التي تستضيف اليوم قاعدة تركية.
وشدد أبوزيد على أن نجاح هذه القمة هو رد كاف على أردوغان وعلى تطاوله بهذا الشكل الفج، "فالرئيس السيسي قال خلال كلمته الافتتاحية انه يريد الوصول الى التزام جماعي عربي وأوروبي لتتحول تلك المنطقة من منطقة نزاعات الى منطقة انجازات.. فاستمرار الصراعات في المنطقة وادامتها هو هدف اردوغان الرئيسي فلا يمكن له ان يمارس سياسته وتدخلاته لولا وجود هذه الصراعات...وعليه، فإن نجاح القمة هو أبلغ رد على كل من حاولوا افشالها".
القمة العربية الأوروبية وضعت الاخوان في مكانهم الحقيقي
وأكد الخبير المصري على أن القمة وضعت الاخوان في مكانهم الحقيقي واكدت على تغير نظرة العالم لمظلوميتهم المزعومة، وتحول وهم التضامن الاوروبي مع إرهابيهم المعدومين الى سراب، فمصر استضافت القمة الناجحة بحضور عشرات من قادة دول المنطقتين العربية والاوروبية بعد أيام من حكم القصاص وحكم الشرع والقانون في المفسدين في الأرض من قتلة النائب العام المصري من الاخوان الارهابيين، ومعروف ان موضوع الاعدام كان الاخوان يراهنون على ان يتسبب في ضعف المشاركة في القمة وافسادها.. وعلى خلاف ذلك كانت المستشارة الالمانية وهي اقوى مدافع اوروبي عن حقوق الانسان هي ابرز المشاركين في القمة، جنبا الى جنب مع مسؤولين نحو 50 دولة من الطرفين، "فالرئيس التركي اراد تذكير الاوروبيين بموضوع حقوق الاخوان وليس حقوق الانسان... فهدفه كان الدفاع عن القتلة الذين تلقوا التعليمات من اعضاء الجماعة الفارين في اسطنبول وفقا لأدلة القضية المعروفة ووفقا لتهنئة هؤلاء الارهابيين في اسطنبول بالعملية على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.. فالمتهم بتوفير الدعم المالي والتحريض وتدريب العناصر التي اعدت المتفجرات لا يزال في تركيا".
أردوغان يضع نفسه في مقارنة خاسرة
وقال أبوزيد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ايضا وضع نفسه في مقارنة محرجة من خلال تطاوله المستمر على القيادة المصرية وتعليقاته المستفزة، مضيفا: "الان انقلب السحر على الساحر... فالمقارنة باتت في صالح مصر.. والميزان والمعادلة انقلبت فباتت كفة مصر هي الراجحة.. فمصر زاد نفوذها الاقليمي واصبحت مركز اقليمي لتداول الغاز والطاقة في حين تركيا علاقاتها متوترة بدول شرق المتوسط وتلجأ لسياسة التهديد والوعيد بدلا من التعاون في ملف الغاز، وأردوغان لديه جيش مفكك وقياداته في السجون وعلاقات مدنية عسكرية ضائعة منذ اجراءاته بعد محاولة الانقلاب المزعوم في 2016، ولديه ازمة اقتصادية طاحنة تكشف عنها انهيار العملة التركية وارتفاع معدلات البطاقة والتضخم .. وعزلة دبلوماسية تجسدها علاقات متوترة مع اوروبا وامريكا ودول الخليج ومصر وغيرها".
وأكد الباحث على أنه مع تحسن الأوضاع في مصر وزيادة دورها ونفوذها الاقليمي والدولي، اصبح انتقاد أردوغان المتكرر للنظام المصري له تأثير عكسي تماما، حيث بات يفهم على المستوى الشعبي على أنه نابع من حقد على نجاح التجربة المصرية التي حاول أردوغان بكل ما أوتي من قوة أن يكسرها منذ الاطاحة بنظام الاخوان الذي كان حليفا مطيعا لأنقرة، مشددا على أن الفترة المقبلة ستشهد ردود رادعة على أي تدخل تركي في الشأن المصري، على خلاف سياسة التجاهل التي كانت تتبعها مصر خلال السنوات الأخيرة.