الإخوان في تونس.. مواجهات مفتوحة لمحاصرة فوضى التنظيم

بلا هوادة، تخوض الدولة التونسية معركة متواصلة مع تنظيم الإخوان الإرهابي، سواء مواجهة مخططاته المستمرة لإشعال الفوضى مع اقتراب الانتخابات، أو محاسبته على جرائم الجهاز السري.

فبعد أيام وجيزة من صدور الحكم في قضية اغتيال السياسي البارز شكري بلعيد بحق عناصر تابعة للجهاز السري لحركة النهضة التابعة لتنظيم الإخوان الدولي الإرهابي، شرعت السلطات القضائية في إطلاق المحاكمة في قضية اغتيال رفيقه الحاج محمد البراهمي، بعد تأخير دام لأكثر من 10 سنوات.

وفي 25 يوليو/تموز من عام 2013، اغتيل"البراهمي" القيادي بحزب التيار الشعبي رميًا بـ14 رصاصة أمام منزله في وضح النهار بضواحي العاصمة تونس، على مرأى ومسمع من أبنائه وزوجته، إذ طالت 8 رصاصات قدمه اليسرى، بينما سكنت 6 صدره ليسقط قتيلًا ولتعيش تونس تحت حكم الجماعة واحدة من أحلك فتراتها السياسية.

تفاصيل القضية

وقال مصدر مطلع على القضية، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن حركة النهضة عبر تنظيمها السري خططت لعملية اغتيال الحاج محمد البراهمي، فيما تولى تنظيم أنصار الشريعة تنفيذ المخطط، الذي لن تمحى آثاره من ذاكرة التونسيين الذين لم يكونوا يعرفون الاغتيالات السياسية منذ عقود.

وتنظيم أنصار الشريعة كان يتزعمه المدعو أبوعياض التونسي، وقد نشط التنظيم في تونس وامتد عمله إلى ليبيا المجاورة، سواء فيما يتعلق بالأنشطة الإرهابية، أو نقل عناصر شبابية يتم استقطابها للقتال في الأراضي الليبية، أو تسفيرهم لاحقًا للقتال في سوريا عبر الأراضي التركية.

وفي مفارقة لفت إليها المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، هي أن وزارة الداخلية التونسية في ذلك الوقت كان لديها علمًا بعملية الاغتيال، إذ تلقت وثيقة من الاستخبارات الأمريكية تفيد بخطة لاغتيال "البراهمي"، الذي عرف بمواقفه شديدة المعارضة للإخوان، وذلك قبل تنفيذ العملية بعشرة أيام، لكن دون تحرك لمواجهة المخطط.

وكانت وزارة الداخلية التونسية في تلك الفترة خاضعة لسيطرة التنظيم السري للنهضة، والذي كان بمثابة جهاز الأمن صاحب الكلمة في البلاد، حسبما كشفت وثائق نشرت لاحقًا، وهي القضية التي يحاكم فيها 33 متهمًا وجهت لهم 17 تهمة على الأقل، أبرزهم الانتماء إلى تنظيم إرهابي وغسل أموال.

وأصدرت محكمة تونسية في 26 مارس/آذار المنصرم حكماً بالإعدام بحق 4 أشخاص والسجن المؤبد على شخصين من بين 23 متهمًا، بتهمة المشاركة في اغتيال السياسي البارز شكري بلعيد قبل 11 عاماً، كأول عملية اغتيال سياسي تشهدها البلاد منذ عقود، فيما تراوحت أحكام السجن على الباقين بين العامين والـ120 عامًا، إضافة إلى السجن المؤبد على آخرين.

محاسبة الغنوشي

تعليقًا على ذلك، يقول الناشط السياسي التونسي سيف الدين العرفاوي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه لا يغيب على أي تونسي وتونسية الذكرى الأليمة لاغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي، مؤكدًا أن الشعب يتابع باهتمام تطورات القضية ومآلها، بل العالم أجمع في ظل اتهام حركة النهضة ذراع الإخوان في تونس بالتخطيط والتحضير والدعم المادي واللوجستي لعملية الاغتيال.

لكن "العرفاوي" يقول إنه كان من المتفاجئين، ليس من طبيعة الأحكام، فهذا القضاء وأهل القانون أدرى به، بل لتقديم "أكباش فداء" ومحاكمتهم في قضية بهذا الوزن، حسب قوله، مؤكدًا أن من تم اتهامهم مجرد "أكباش فداء"، في حين لا يُذكر ولا يُحاسب من فكر وخطط وقرر وأعطى الإذن بتنفيذ الاغتيال، قائلًا إن هذا لا يمكن اعتباره غير أنه "مجرد ضحك على ذقون التوانسة".

وشدد "العرفاوي"، في تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه لا يجب أن يتم القبول بتبرئة غير مباشرة لراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة والحركة نفسها، في ظل كل القرائن الموجودة على التورط المباشر له في عملية الاغتيال، مشددًا على أن الأحكام الصادرة منقوصة، مع كامل الاحترام للقضاء التونسي ولكل المجهودات المبذولة في سبيل إنارة الحق، داعيًا إلى ضرورة محاسبة الغنوشي باعتباره "الشيطان الأكبر" الذي وسوس بعملية الاغتيال، على حد قوله.

 معركة الانتخابات

ومع اقتراب إجراء الانتخابات التونسية في سبتمبر/أيلول المقبل، يبدو أن الرئيس التونسي قيس سعيد يتأهب لمخططات الإخوان، فقد وجه رسائل مبطنة لحركة النهضة، في ظل أحاديث عن مخططات من التنظيم الإخواني لإثارة الفوضى وافتعال الأزمات، بهدف ضرب استقرار البلاد قبل هذا الاستحقاق الدستوري المهم.

فقد عقد "سعيد" اجتماعًا مع وزير الداخلية كمال الفقي، أكد خلاله أن البلاد لن تعود إلى الوراء وأنه سيتم محاسبه كل من يخطط للفوضى ويتورط في الفتنة، في إشارة منه إلى حركة النهضة، مشددًا كذلك على ملاحقة كل من تورط في قضايا فساد، مؤكدًا في الوقت ذاته التمييز بين حرية الرأي والفوضى.

وكان الرئيس التونسي اتخذ قبل سنوات قرارات تاريخية أنهت ما عرف بـ"العشرية السوداء" للإخوان في تونس، حين حل الحكومة والبرلمان الخاضعين لهيمنة التنظيم، إثر احتجاجات شعبية واسعة عمًت البلاد وقتها، وقد اعتبرت خطواته ضربة كبيرة لجماعة الإخوان الإرهابية التي كانت تتخذ تونس رأس حربة لتنفيذ مخططاتها.

لا يتوفر وصف.