ماذا حدث في 4 تشرين الثاني؟

ما جرى في 4 تشرين الثاني من العام الماضي يعتبر بحق انقلاباً دستورياً في تركيا! كانت محاولة من الدولة التركية لتصفية حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) بعد حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت قيادات الحزب, حيث لايزال 9 منهم قيد الاحتجاز بعد مضي عام كامل!

مخطط "التركيع" الذي انتهجته حكومة العدالة والتنمية (AKP) برئاسة أردوغان, والذي تم الاعداد له منذ سنة, قد جاء بعد هزيمة انتخابات 7 حزيران, بالتزامن مع بدأ مرحلة الحرب. فقد جاءت عملية تدمير المدن الكردية وتهجير سكانها في شمال كردستان مترافقة مع التصفية السياسية بحق كوادر حزب الشعوب الديمقراطي (HDP), أي تصفية الكرد سياسياً. 

كان الهدف من مقولة أردوغان, أثناء مغادرته في زيارةٍ الى الصين في 25 تموز من العام 2015, التي قالها في المطار: "يجب أن يدفع قياديو هذا الحزب (أي HDP) ثمن عملهم هذا, بدايةً يجب رفع الحصانة عنهم في البرلمان", كان الهدف منه مخططه في انهاء HDP سياسياً. حيث بدأت أنقرة بعد هذا "القرار" باجراءات رفع الحصانة عن نواب حزب الشعوب. وتم الاعداد لهذا التغيير الدستوي, بالتوافق مع حزبي الشعب الجمهوري (CHP) والحركة القومية (MHP). وحدث أن قدمت كتلة AKP مشروع القرار الى البرلمان, وفي 12 نيسان من العام 2016 فُتح باب التصويت على القرار. وكان حزب CHP قد قال مسبقاً بأنه سيصوت لصالحه. وفي نهاية المطاف تم التصويت لصالح قرار رفع الحصانة عن نواب HDP بعد تصويت ممثلي AKP, CHP وMHP عليه وبمعدل 376 صوتاً من أصوات البرلمان.

بعد التعديل الدستوري, والذي وصفه حزب HDP بالانقلاب السياسي, بدأت عملية رفع الحصانة عن 55 نائباً من نواب الحزب. حيث تم توجيه 511 من الترّهات بحقّهم. وقرر النواب المعنيون بعدم حضور جلسات التحقيق معهم.

لكنّ تقرر أخذ نواب HDP بالقوّة لجلسة الاستجواب. "ليس لدي أمل منكم, فقط شعبي الذي انتخبني من يحق له استجوابي", هذا ما قاله النواب للقاضي التركي, حيث حذّروه أن يكون "شريكاً في هذا الانقلاب السياسي".

أُصدر قرار اعتقال بحق كوادر حزب الشعوب الديمقراطي في 4 تشرين الثاني من العام 2016. الرئيسين المشتركين للحزب,فيغان يوكسكداغ وصلاح الدين دميرتاش, القيادي بالوكن, البرلمانية سري سريا أوندر, امام تاشجير, نورسيل آيدوغان, زيا بير, عبدالله زيدان, نهاد أكدوغان, سلمى ايرماك, غولسر يلدرم, فيصل ساريليز, فرهاد انجو, ليلى بيرلي وتوغبا هزر. وقد تم اصدار القرار من دوائر جيولك, آمد, جولميرك, شرناخ ووان.

في أنقرة, استنبول, آمد وماردين تم اعتقال الرئيسين المشتركين للحزب, يوكسكداغ ودميرتاش مع 12 برلمانياً. ومن ثم تم اقتيادهم بالمروحيات الى مديريات الأمن في جولميرك, آمد, جيولك وشرناخ.

بولدان: قد يكون الغد متأخّراً

وقد تحدّثت البرلمانية عن HDP. بروين بولدان عن عمليات الاعتقال تلك قائلةً: "في الحقيقة, كنا ننتظر حدوث هذا الشيء مسبقاً. كان واضحاً أنّهم سيعتقلون البرلمانيين بعد اعتقالهم لرؤوساء البلديات. بكل تأكيد لن نقبل بهكذا وضع, نحن نمرّ بمرحلة انتهاك الحقوق والدستور. هذا يدلّ على أن الحياة السياسية في تركيا تمرّ بحالة الفوضى.لماذا لايمكن اعتقال نوّاب AKP؟ قد يكون الغد متأخّراً بالنسبة لتركيا".

كرستجي أوغلو: لن نقبل بهذا الوضع

من جهتها, أعربت البرلمانية فيليز كرستجي أوغلو عن عدم رضاهم ازاء هذا التدهور السياسي في تركيا, حيث قالت: "واضحٌ من هو المستهدف في هذا الانقلاب الدستوري, هو ضد ارادة الشعب والناخبون. الاشخاص الذين يُنظر الى وجوههم بعبارة "تم اعتقالهم" بلا أي نوع من الخجل,كسروا أبواب منزل الرئيس المشترك لحزبنا واعتقلوه. بكل تأكيد لن نقبل بهذا الوضع".

كوركجو: لقد قاموا باختطافهم

وكان البرلماني عن مدينة أزمير, ارترول كوركجو قد سمّى اعتقال قياديي HDP ب"الاختطاف" وقال: "ماحدث في هذه الليلة لا يمتّ للقانون والحقوق بأيّة صلة. لقد قاموا باختطاف نوّاب حزبنا. أردوغان يقود تركيا الى الديكتاتورية بشكلها النازي". وتساءل فيما اذا "ستلتزم تركيا بالمعايير الديمقراطية أم لا؟ وأوضح بأن HDP ليس مجرد حزبٍ على ورق بل "بارادة الشعب وتنظيمه, هو حزب نشط. من الآن فصاعداً سيناضل الحزب وفق برنامجه الديمقراطي, وسيستمر بهذا النضال".

بعد مرور عام على "الانقلاب السياسي" في تركيا, ماتزال حكومة العدالة والتنمية ماضيةٌ في نهجها اللاملتزم بالدستور, بالقانون وباحترام حقوق الانسان والديمقراطية. بل زادت من مضايقتها للحريات العامة, وهذا مابدا جليّاً في اغلاق العديد من المؤسسات الاعلامية, فقط لأنها معارضة لسياسات أردوغان, متّخذةً من "الانقلاب العسكري الفاشل" ذريعةً لضرب معارضيها. وهذا ما جعل علاقاتها الدولية, بخاصة مع أوربا وامريكا على المحك, في الوقت الذي تتوضح فيها الحقيقة, حقيقة رغبة أردوغان بالتحول الى دكتاتورٍ حقيقي يمسك البلاد بقبضةٍ من حديد.

في ظلّ كلّ هذه الممارسات التعسفية, وعنجهية القيادة التركية, يبقى السؤال الأبرز على لسان الملايين من شعب تركيا وخارجها, تركيا إلى أين؟