قوات سوريا الديمقراطية تسلم مختطف درزي لعائلته

هو ليس أول لقاء للسيد جهاد حمد شرف مع ولده معتصم المختطف منذ أكثر من أربعة سنوات من قبل تنظيم داعش الإرهابي إنما هو لقاء جرى بحضورنا بعد أن تقرر اطلاق سراح معتصم, وهو يحضر نفسه للرحيل إلى محافظة السويداء مع والده.

معتصم جهاد شرف أو "أبو مسلم الشامي" الاسم الذي اختاره داعش للمختطف معتصم من أهالي قرية "خلخلة" محافظة السويداء, من الطائفة الدرزية, وهو من المختطفين الذين اجبروا على اعتناق الدين الإسلامي وعقيدة داعش في عمر 14 عام.

وبعد ان سلم معتصم جهاد شرف نفسه قوات سوريا الديمقراطية (QSD) في أخر معاقل داعش في الباغوز, تمكن من الاتصال مع ذويه, ليحضر والده إلى محافظة الحسكة في شمال سوريا لاستلام ولده معتصم المختطف منذ بداية العام 2015 من قبل مرتزقة داعش.

يحدثنا معتصم عن اختطافه, سجنه, دخوله الإسلام ، والتعذيب لدى داعش حتى اتخاذه القرار بتسليم نفسه لقوات سوريا الديمقراطية ويقول :

في بداية العام 2015 وبينما كنت أتنقل في منطقة صخرية تدعى "لجاء" بحثاً عن الكمى والفطر, هاجمني ثلاثة أشخاص قام احدهم بوضع المسدس في رأسي وطلبوا مني أن اذهب معهم, فذهبنا إلى احدى القرى في منطقة تدعى حوش حماد, وهناك حققوا معي واتهموني بأني جاسوس للنظام السوري, وقاموا بتعذيبي وضربي, حتى أن أحدهم قام بضربي بسكين في ركبتي اليسرى ويدي اليمنى.

وبعد سجني لمدة أسبوع في حوش حماد, قاموا بنقلي إلى منطقة بير قصب (ريف دمشق), هناك أيضاً تعرضت للتعذيب والضرب لمدة شهر ونصف, وطلبوا أن أدخل دين الإسلام, بعد أن أعلنت إسلامي على يد أحد الشرعيين والذي يدعى "أبو عبد الرحمن" تغيرت معاملتهم لي.

ويتابع معتصم بانه دخل الإسلام حتى يتخلص من التعذيب والضرب, لكن حتى دخوله للإسلام لم يشفع له وبقي في السجن لنحو أربعة اشهر أخرى في بير قصب ومنها انتقل إلى سجن القريتين, وبعد عرضه على القاضي نقل إلى السجن المركزي في الرقة, وهناك تعرض للتعذيب, الضرب, الشتم والإهانة مرة أخرى بحجة أنه درزي وانهم لم يكونوا على علم بأنه دخل الإسلام. وبقي في السجن لمدة أربعة اشهر في القريتين وسته أشهر في الرقة.

وفي سجن الرقة تعرف على احد المسؤولين في السجن يدعى أبو همام التونسي والذي عرض عليه أن يقوم بمبايعة داعش. فكانت هذه هي الوسيلة الوحيدة للخروج من السجن.

ويضيف معتصم: أخبرت احد المحققين عن رغبتي في مبايعة داعش, وبعد أسبوع عاد المحقق ليتأكد من قراري فأخبرته بقراري, وهذا كانت حيلتي للخروج من السجن. خرجت من السجن وخضعت لدورة شرعية (الإستتابة) ودورة عسكرية لمدة 42 يوماً. بعد أن أنهيت الدورة, تم فرزي إلى الشرطة على حاجز "الصبيحية" غرب مدينة الرقة.

أثناء حصار مدينة الرقة لم اكن ارغب في القتال فذهبت إلى مدينة الميادين بدون أمر, هناك كنت ابحث عن احد المهربين للخروج من مناطق داعش لكني فشلت ولم اكن املك المال ولم يكن يثقون بي ولا يصدقون بأني درزي. بقيت في الميادين لمدة ثلاثة اشهر في أحد الجوامع خلف المستشفى الوطني, وهناك خلال مداهمة للشرطة العسكرية التابعة لـ داعش قاموا باعتقالي وسجني في الميادين بتهمة الهروب من القتال في الرقة لمدة شهرين. وبعد معارك الميادين تم تحويلي إلى سجن البوكمال المركزي والذي يشرف عليه المدعو "أبو سليمان الفلوجة" وبعد قضائي مدة شهر ونصف في السجن اطلقوا سراحي وطلبوا أن أعود إلى عملي في البوكمال. ومن البوكمال انتقلت إلى الهجين وعدت إلى عملي في الشرطة على حاجز "بو بدران" وبعد مدة انتقلت إلى الباغوز.

معتصم الذي يدعي انه لم يكن يرغب بالقتال إلى جانب تنظيم داعش, وبعد أن فقد التنظيم جميع المناطق التي كانت خاضعة لسيطرته تمكن من الاتصال مع والده ليخبره انه في الباغوز, فطلب منه والده أن يسلم نفسه لـ قوات سوريا الديمقراطية (QSD).

وسلم معتصم نفسه لقوات سوريا الديمقراطية بتاريخ 25 شباط 2019 أي قبل نحو شهر من سقوط آخر معاقل داعش، ويضيف بالقول : تنظيم داعش لا يعرف الرحمة ويحاول إظهار نفسه على انه دولة إسلامية, لكن في الداخل شيء مختلف تعذيب وضرب وإهانة وخاصة في السجون. حتى انه يروي ما طلب منهم كتعليمات من أميرهم الداعشي "أبو عمر كسرى" أثناء تواجده على حاجز في الرقة والذي قال: "يجب أن تكونوا شديدين في معاملتكم مع العامة, حتى لو اضطررتم إلى ضربهم, حتى لا يفقد التنظيم هيبته, حتى اذا بقي داعشي واحد في العالم يجب أن يكون مصدر للخوف والرعب".

وعن هزيمة داعش وتسليم الكثير من المرتزقة انفسهم في الباغوز لقوات قسد, يقول معتصم: داعش كانت تعمل بأقصى جهدها من اجل أن لا يقوم احد بتسليم نفسه, وكان التنظيم يقول للمقاتلين أننا سننتصر ونعيد السيطرة على المناطق التي هزمنا فيها, ويجب أن يثبت الجميع على الجهاد وان لا يذهبوا إلى مناطق الكفار. حتى انها اطلقت النار على مجموعات قامت بتسليم انفسها.

وعن قيادات داعش الذين من المفترض انهم بين عامة أنصارهم في الباغوز يقول معتصم: لم التقي بأحد منهم, في السابق وعندما كنت في الرقة كنا نقول في انفسنا أن المدينة كبيرة ومن غير الممكن أن نلتقي بهم هنا, لكن في الباغوز والتي هي منطقة صغيرة لم يكن لهم اثر, ولم يكونوا في المنطقة لا احد يعرف معلومات عنهم. ومن كان يسأل عنهم يقتل بتهمة انهم "خوارج".

الفرق بين الإسلام وداعش كبير جداً, دين الإسلام مبني على التسامح, فمنذ بداية الأزمة السورية حضرت الكثير من العائلات إلى محافظة السويداء وهم مسلمون قدمنا لهم المساعدة وعاشرناهم ولم يكن هناك تمييز وعنصرية لا من قبلنا ولا من قبلهم, لكن داعش شيء مختلف دولة مبنية على القتل وترهيب الناس.

ويشكرمعتصم قوات سوريا الديمقراطية (QSD) على تعاملهم معه عند تسليمه لنفسه فيقول: منذ أن سلمنا انفسنا تمت معاملتنا بافضل معاملة, على عكس ما كان يقال لنا, فقدموا لنا الماء, والطعام وكل ما نحتاجه. حتى أن المعاملة مع العائلات التي سلمت نفسها كانت جيدة جداً.

بعد أن سلمت نفسي تم نقلي إلى سجن البحرة في دير الزور لمدة أسبوع, ومنها إلى سجن العمر لمدة شهرين ومنه إلى سجن شدادي ومنه إلى الحسكة.

قبل أن اسلم نفسي اتصلت مع والدي وأخبرته باني سأسلم نفسي وهو قدم إلى مناطق شمال سوريا بحثاً عني.

واطلق سراح معتصم شهاب وسيعود إلى مدينته, ويؤكد بأنه دخل الإسلام حتى يتخلص من سوء المعاملة في السجن وبايع داعش حتى يخرج من السجن ويتمنى أن يعود إلى عائلته ولقاء والدته ويريد أن يكمل دراسته. فيقول: لم اقتنع بفكر داعش وانا ارفض أن يكون مثل هذا النظام مفروضاً على الشعب السوري.

جهاد حمد شرف والذي حضر إلى محافظة الحسكة لاستلام ولده الذي سلم نفسه لقوات سوريا الديمقراطية يتحدث عن نفسه فيقول: أنا والد لخمسة أبناء, منهم معتصم الذي اختطف من قبل داعش,وانا فلاح اعمل في الزراعة من قرية خلخله في السويداء. جهاد يروي لنا عن رحلة بحثه عن ولده المختطف فيقول: بعد أن فقد ولم يعد إلى المنزل بحثت عنه في كل مكان عند الأقارب, المعارف, والقرى المجاورة, رحلة البحث لم تخلوا من المخاطر ليلاً ونهاراً, لكني فقدت الأمل في العثور عليه.

فذهبت إلى قسم الشرطة في المحافظة وقدمت بلاغ اختطاف, فكان الرد قاسياً حيث قالوا له "لا نستطيع الدخول إلى مناطق سيطرة داعش للبحث عن معتصم".

ويتابع: فقدنا الأمل بالعثور على معتصم وكنا نعتقد انه توفي, لكن وفي مساء احد الأيام شباط هذا العام, اتصل بي رقم غريب, وعندما اجبت على الهاتف تحدث احدهم معي باللهجة البدوية وقال انه معتصم. فقلت له مستغرباً لماذا تتحدث بهذه اللهجة؟ فقال أنت لا تصدقني وسأرسل لك صوري الأن على تطبيق الواتس أب. وعندما بعث الصور تأكدنا انه هو, واخبرنا انه في الباغوز.

معتصم اخبره أن قوات سوريا الديمقراطية (QSD) تحاصر الباغوز وأنه ينوي تسليم نفسه, فطلب منه والده أن يسلم نفسه لهم.

ويضيف: معتصم كان خائفاً من أن يسلم نفسه, فقلت له القوات الديمقراطية أصحاب ضمير ووجدان وملتزمون بفكر الاشتراكية وفكر القائد أوجلان ولن يتعرضوا لك بالاذى والظلم.

ويصف جهاد لنا اللحظات التي سلم معتصم نفسه لقوات سوريا الديمقراطية فيقول: طلبت منه أن يتجه إلى حاجز "دشمه" والذي يبعد عن مكان تواجد معتصم فتوجه معتصم إلى الحاجز لتسليم نفسه وأعطى الهاتف لأحد المسؤولين في الحاجز. وعندما تحدثت إلى المسؤول في الحاجز أخبرته أن معتصم درزي ومختطف لدى داعش, فأكد له المسؤول أن معتصم بات في أمان وانه سيعود للاتصال به.

بعد نحو ساعة ونحن ننتظر الاتصال, رن الهاتف وكان هو نفسه المسؤول عن الحاجز واخبرنا أن معتصم بخير, قدمنا له كل ما يحتاج إليه من طعام, شراب ولباس. وأخبره بأنه قادر على القدوم إلى دير الزور من اجل استلام ابنه. وطلب منه أن يحضر ورقة من جانب شيخ العقل في المنطقة تثبت أن معتصم درزي.

في اليوم التالي ذهبت إلى شيخ العقل في المنطقة وكتبوا بطاقة شكر لقوات سوريا الديمقراطية.

وشكر جهاد حسن الضيافة وحفاوة الاستقبال من قبل الجهات التي لجئ إليها من اجل الوصول إلى ابنه بالقول: "الجميع رحب بقدومي وكانوا يبادلونني شعور الأب الذي فقد أبنه, وقدموا له كل المساعدة إلى أن التقى بأبنه. فطلبت منهم أن اصطحب معتصم معي إلى القرية فأكدوا لي بأنهم سيطلقون سراحه وسيذهب معه, اشعر بأني بين أهلي وأقاربي".

جهاد يقول: الدين لله والوطن للجميع وهذا ما نحن ندعو إليه ولا نريد أن يكون بلدنا ملك لفئة أو طرف واحد, ندعو إلى سوريا ديمقراطية, الحرة والوطنية التي تكون للجميع.

جهاد وفي ختام حديثة أشار إلى ملاحظته عن الواقع في مناطق شمال شرق سوريا بالقول: ما لاحظته في هذه المناطق هو عدم التمييز بين شخص وأخر بين طائفة وأخرى أو مكون وأخر, وهذا نتيجة المعاملة التي عاملوني بها. مشروع سوريا الديمقراطية مشروع انتمائي وطني ولا تعنيني ما يقال عنها, هذا ما شاهدته بعيني. ويكفي انهم أعادوا إلي ولدي المختطف والذي كنا قد فقدنا الأمل في عودته.