فوزة يوسف: الإدارة الذاتية نموذج مثالي لكل سوريا

ألقت الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية لفيدرالية شمال سوريا وعضوة منسقية مؤتمر ستار فوزة يوسف كلمة خلال المنتدى الدولي حول داعش، عن مشروع الأمة الديمقراطية كنموذج حل ومشروع سلام دائم وأبعاده الاجتماعية والسياسية والاستقلال الاقتصادي والدفاع الذاتي.

انطلقت اليوم السبت فعاليات المنتدى الدولي حول داعش في صالة بيلسان في ناحية عامودا شمال شرق سوريا فعالياته والذي انطلق اليوم الأول منه بحضور العشرات من الأكاديميين والباحثين والسياسيين وأساتذة الجامعات العالمية والعربية. فبعد الجلسة الأولى والتي تناولت الجانب التاريخي والسياسي من إرهاب داعش ألقت الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية لفيدرالية شمال سوريا وعضوة منسقية مؤتمر ستار فوزة يوسف محاضرة حول مشروع الأمة الديمقراطية والتي تعد نموذج حل ومشروع سلام دائم طرحه عبد الله أوجلان من سجن إيمرالي.
وقالت يوسف: "يمكن القول بأن داعش هو ذروة ما يمكن أن تصل إليه الحياة من حالة الفراغ واللا معنى لدى الإنسان. هو تجسيد للفرد والمجتمع اللذين فقدا حقيقتهما وحالة تمزق القيم الأخلاقية والمجتمعية، فالفرد الذي يعيش حالة الاغتراب عن المجتمع وعن الحقائق التاريخية وعن قوة الفهم ينفصل عن القيم الأخلاقية وتكون نهايته التحول إلى وحش كاسر يقضي على كل القيم الإنسانية. لذلك فإن داعش كونه سبب الكثير من الكوارث مرده نتيجة ما يعيشه الإنسان من فراغ معنوي ووجداني. نتساءل أحيانا كيف تمكنت داعش من السيطرة على كل تلك المساحات الجغرافية في فترة وجيزة، هل كان فقط نتيجة الخوف واستسلام الجيوش أم كان نتيجة حالة الاهتراء التي كانت تعيشها النظم السياسية للمجتمعات في المنطقة بحيث عجزت هذه المجتمعات والأوطان عن حماية نفسها ضد حقيقة داعش.
وفي خضم حديثها عن مشروع الأمة الديمقراطية، قالت فوزة خلال محاضرتها "بما أن القضايا التي نعانيها بنيوية فلا بد إذاً من تغييرات بنيوية أيضاً. لذلك طرح الأمة الديمقراطية في الحقيقة يمكن أن يكون الترياق لسم داعش ولكل سموم الحركات المضادة للمجتمع في العالم.
وأضافت "مشروع الأمة الديمقراطية الذي طرح من قبل المفكر والقائد المعتقل في جزيرة إمرالي عبد الله أوجلان، غير الهادف إلى الدولة القومية أو إلى احتكار السلطة وبنظريته المجتمعية يمكن أن يكون نموذجاً مثالياً يخرج كلاً من سوريا والمنطقة من كونها ميداناً للحروب الاستنزافية التي تتغذى من ثالوث التعصب القومي والديني والجنسي إلى حالة الاستقرار الحضاري، ذلك أن التفكير بذهنية دوغمائية تعصبية يؤدي مع الزمن إلى تزمت فكري وعقائدي بحيث يتكبل عقل الإنسان وروحه، وهو الأمر الذي يفتح الطريق أمام بيئة خصبة لظهور قوى ظلامية مثل داعش. فالشخصية التي كانت قد تبنت هوية الابن الوفي للدولة القومية وعبدها المطيع لم تتوانَ عن أن تقبل داعش كفكر وكنظام إداري".
وتابعت فوزة يوسف: "بناء على ما سبق إذا ما قمنا بتعريف الأمة الديمقراطية يمكن القول بأنها المنهج الذي يسعى إلى الحلول الديمقراطية لكل القضايا بطرق سلمية بعيدة عن أساليب القمع والعنف. والأمة الديمقراطية غير مرسومة بحدود سياسية قاطعة وغير منحصرة بمنظور واحد فقط للغة أو الثقافة أو الدين أو التاريخ، إنما تعبر عن شراكة الحياة التي يسودها التعاضد والتعاون فيما بين المواطنين والمجموعات على خلفية التعددية والحرية والمساواة. كما هو معروف أن الدولة القومية ليس لها تعبير لا مناطقي - محلي ولا كوني. ففي الدولة القومية يطغى التعصب القومي على الذهنية المشتركة لدى أمة الدولة، في حين وعي الحرية والتعاضد هو الذي يسود الأمة الديمقراطية. فجسم أمة الدولة هو مؤسسة الدولة في حين جسم الأمة الديمقراطية هو الإدارة الذاتية الديمقراطية.
في حين ذكرت فوزة يوسف أبعاد الأمة الديمقراطية التي يجب أن ينشأ عليها النظام الاجتماعي والسياسي:
1- الفرد-المواطن الحر، إذا كنا نريد أن نخلق مجتمعاً سليماً، علينا البدء بالفرد وتنشئته بشكل سليم، إن الفرد في مجتمعنا ينشأ تحت قصف فكري وتقاليد بالية، فأنواع التعصب التي تم ذكرها يتم اكتسابها بشكل متوارث على مر الأجيال، هذا بالإضافة إلى أنه يتم وضع خيارين أمام الفرد إما أن يكون خاضعاً لكل ما تملي عليه الأنظمة التي تحكم كما كان في سوريا أو أن يكون معتقلاً ويتم اتهامه بخيانة الدولة. واضح جداً أننا بحاجة إلى نظام يحترم فيه الفرد، فيتم خلق محيط يتمكن الفرد من خلاله من تحقيق مجتمعية تضمن التوازن بين إرادة الفرد وإرادة المجتمع. لذلك تحقيق الوعي التاريخي والديمقراطي للفرد مهم جداً من أجل أن يحمي القيم الاجتماعية، كذلك ضمان حقوق المواطنة للفرد دستورياً أيضاً مهم جدا. حيث أنه في سوريا كانت حقوق الفرد والجماعات مهمشة، فالإنسان الكردي كان محروماً من كل حقوقه السياسية والثقافية والاجتماعية، والعرب كان لديهم خياران إما حزب البعث أو الإخوان المسلمين، حيث كان ممنوعا خلق حركات شعبية ديمقراطية. والمكونات الأخرى من سريان- آشور وأرمن وتركمان وشيشان ودروز أيضا كانوا مهمشين. سياسة القمع هذه أدت إلى تفاقم الجهل والأمراض الفكرية والاجتماعية، فتحول مع الزمن إلى مستنقع تولد فيه أمراض خطيرة ويشكل أرضية لكل أنواع التطرف.
إن مشاركة الشباب والانضمام لداعش كانا نتيجة الحالة الفكرية والاقتصادية والثقافية المتخلفة التي كانت تسود مناطق البادية بشكل خاص وسوريا بشكل عام. فاختيار داعش للرقة عاصمة له لم يكن عبثا، بل لأنه كان يعلم بأن هناك أرضية يمكن أن يعتمد عليها، لذا من المهم جدا العمل على تحقيق بيئة اجتماعية ملائمة لتكوين فرد ديمقراطي متحرر.

2- السياسة الديمقراطية: لقد كان النظام السياسي والإداري في سوريا كما في الدول الأخرى في المنطقة نظاماً مركزياً، كل شيء مرتبط مباشرة بالسلطات في دمشق، لم يكن يتم أخذ خصوصيات المجموعات الاثنية والثقافية والاقتصادية للمناطق بعين الاعتبار. إن النمطية التي فرضت على السوريين أيضا كانت من الأسباب الأساسية في انفجار الحراك الشعبي في سوريا. لا يمكن أن تتحول المجتمعات إلى إرادة دون أن تملك حق إدارة الذات. ونظرا للتنوع الثقافي والاثني الموجود فإن نظام الدولة القومية المركزي لا يمكن أن يكون حلا في سوريا.
ففي الفترة الماضية ولعدم أخذ خصوصيات المناطق بعين الاعتبار أدى إلى انفجار الشارع السوري، إذاً" سوريا بحاجة إلى نظام لا مركزي، يعتمد الإدارات الذاتية، فتحدد من خلال دستور ديمقراطي توافقي العلاقة بين المركز وهذه الإدارات الذاتية.
الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا يمكن أن تكون نموذجا لكل المناطق الأخرى في سوريا. وإذا كنا نريد أن نحافظ على وحدة الأراضي السورية، يجب أن يتم تطوير هكذا نظام وإلا فإن الإصرار على الدولة المركزية سيعني الإصرار على حالة التمزق التي تشهدها الخارطة السورية، وفرض النمطية يعني الإصرار على حالة التشتت التي يعيشها المجتمع السوري.
3- الحياة الاجتماعية: ففي مجتمعاتنا يتم استخدام المال والسلطة والجنس وكرة القدم كوسيلة لخلق مجتمع عاجز عن التفكير والخداع، فهذه الأدوات تنهي الفرد وتستهلكه فيتحول إلى لا شيء وإلى فرد فاقد للإرادة والحرية. فيكون هذا الفرد فريسة لكل التنظيمات المضادة للمجتمعية والإنسانية. إن الشخصية الهزيلة التي نشأت تحت قصف ذهني وروحي عنصري وتعصبي وبعيدة عن أسس الديمقراطية هي التي وفرت إمكانية لداعش كي ينظم نفسه ويرسخ وجوده فيها. فهؤلاء الأفراد يتجردون من كينونتهم الأخلاقية فيتحولون إلى آلة يمكن أن تتحكم بها أي قوة، وبالطبع قام داعش باستغلال هذا الشيء لتنظيم نفسه. لذلك هناك حاجة إلى نظام تعليمي وتربوي جديد، ينشئ فردا ينعم بالصحة الذهنية والروحية، وبهذا الشكل فقط يمكن أن نطور مضادا حيويا ضد كل الأفكار والتنظيمات المتطرفة من أن تنظم نفسها أو تنهض من جديد.
4- الأمة الديمقراطية والحياة النديّة:
قضية حرية المرأة والرجل تعتبر من القضايا الرئيسية في مجتمعنا. وهي أكثر القضايا التي تعرضت للتشويه باسم الدين وباسم العادات والتقاليد. فالمرأة هي أكثر الفئات التي تتعرض للاضطهاد والظلم في مجتمعنا و خاصة يتم استخدام الدين و بشكل ممنهج ليتم شرعنة ما يتم ممارسته من قبل الرجل من عنف و لا مساواة ضد المرأة، فتفقد المرأة الثقة بذاتها و تتحول مع الزمن إلى ملك للرجل فيتحكم بها كيفما يشاء مما يؤدي إلى عبودية طوعية. فالمرأة الجاهلة يمكن أن تعشق جلادها وأن تدافع عن السجن والقفص الذي يقوم الرجل بوضع المرأة فيه. إذا ما درسنا الوضع الاجتماعي للنساء اللواتي انضممن لصفوف داعش سنرى بأنهن نساء نشأتهن العائلية والاجتماعية مشوهة ومريضة وأن الجنسية الاجتماعية قامت بخلق امرأة مجردة من كل خصائص المرأة فتحولت إلى رجل في لباس امرأة. 
من أجل أن نقضي على الأرضية المتخلفة التي يعتمد عليها داعش بالنسبة للمرأة. هناك حاجة إلى تطوير مؤسسات ومنظمات وأكاديميات تهتم بالجانب الفكري والثقافي للنساء. هناك حاجة لتطوير أسس جديدة في الحياة الاجتماعية وحياة العائلة. إنقاذ الأطفال مرتبط بإنقاذ الأمهات من هذا المستنقع وهذا يمكن أن يتم إذا ما تم خلق أرضية حقوقية، ثقافية واقتصادية ملائمة للمرأة لتبني استقلاليتها الذهنية والروحية بعيدا عما تتعرض له من تشويه.
الأمة الديمقراطية والاستقلال الاقتصادي:
لقد تحولت السلطة وجهاز الدولة في منطقتنا إلى مكان للنهب والسلب والسرقة. فيتم وضع كل الثروات الموجودة في خدمة نخبة من السماسرة وبعد فترة قصيرة نرى بأنهم جميعا تحولوا إلى رجال أعمال وإلى أصحاب ملايين الدولارات. بما أن هؤلاء كانوا من عامة الشعب فمن أين يأتون بهذا المال؟
نتيجة السياسة الاقتصادية السيئة نرى بأن البعض من الناس يعملون ليل نهار مقابل سد رمقهم، والأكثرية الساحقة تتحول إلى جيش عاطل عن العمل. فالمجتمع الذي يقتل أفراده بعضهم البعض من أجل شبر من الأرض أو من أجل عدة قروش، لن يكون صعبا أن ينضم شبابه لصفوف تنظيم مثل داعش ينهب ويسلب ويسرق ويقتل دون رحمة. لذلك تطوير نظام اقتصادي مجتمعي مهم للغاية، يجب أن يكون المجتمع هو المسيطر على الاقتصاد، يجب أن يكون لكل فرد عمل ومصدر اقتصادي يعتمد عليه. من المهم جدا بناء نظام اقتصادي ايكولوجي، يحمي الأرض والتربة والشجر والإنسان. وأيضا تطوير الاقتصاد المحلي يعتبر أمراً لابد منه.
كما ذكرت فوزة يوسف نبذة عن الأمة الديمقراطية والدفاع الذاتي وارتباطهما ببعضهما وكيف يدافع كل كائن حي عن نفسه، لتنهي بذلك محاضرتها.