عفرين.. عام من الانتهاكات والتطهير العرقي والديني

أيام ويمر العام على الاحتلال التركي لمقاطعة عفرين، في وقت تشهد المقاطعة ارتفاع لوتيرة التطهير العرقي والديني من قبل قوات الاحتلال والمجموعات العرقية والطائفية.

اعترفت الأمم المتحدة بأهمية حرية الديانة أو المعتقد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد عام 1948، حيث تنص المادة 18 منه على أن "لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره".

وبعد سنوات من النقاشات والكفاح والعمل الشاق تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدون تصويت عام 1981 إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد.

وأمام هذا القانون العالمي، ومع بدء هجمات جيش الاحتلال التركي، ترافقه المجموعات الإرهابية المتطرفة، على مقاطعة عفرين في 20-1-2018 عمد الاحتلال إلى اتباع سياسات همجية، أقل ما يقال عنها أنها مخالفة للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، وقائمة على نفي وجود الشعب الكردي، وطمس هويته وتاريخه، من استهداف للمعالم الاثرية والتاريخية والدينية، ليطالها من خلال قصف طائراته الحربية ومنها: (تلة عندارة) التاريخية والأثرية، وأيضا استهداف تلة جندريسه الأثرية، ومحيط قلعة النبي هوري، وعدد من المزارات الدينية للإيزيدية والعلوية.

ولم تسلم المدارس أيضاً من استهداف طائرات الاحتلال كخطوة للنيل من القطاع التعليمي، إلى جانب استهداف التجمعات السكانية والقرى والمدن المأهولة بالسكان، لتضيف إلى سجلاتها التاريخية الغنية بالمجازر سلسلة أخرى من الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية في التاريخ الحديث.

وإلى جانب كل هذه الانتهاكات للقوانين الدولية، وحقوق الإنسان انتهجت المجموعات الإرهابية المتطرفة نهجاً وسلوكاً إجرامياً ومتطرفاً بحق المكونات والشعوب القاطنة في مقاطعة عفرين، من قتل، خطف، نهب، تدمير وبدعم من جيش الاحتلال التركي وأمام أنظاره.

وبرزت مراراً وتكراراً عمليات تطهير عرقي وديني ضد كل ما هو كردي إضافة للأقليات الدينية ومنها العلوية والإيزيدية، في خرق واضح للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي نادى بالمساواة التامة بين كل أفراد العائلةِ الإنسانية وشدد على أن الكرامة الإنسانية لا تتجزأ، متضمنة المساواة للكل في حقوقهم الإنسانية كأبسط تعريف، من خلال حريةِ الفكر والضمير الوجداني والدين ووصفها بأنها حقوق أساسية.

ورغم كل هذه التشريعات والقوانين، إلا أن مقاطعة عفرين لا تزال تشهد سياسات وأساليب من التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد. كما شهدت انتشار مظاهر العنف والتطهير العرقي باسم الدين، بل استخدام الدين لمصلحة حزب العدالة والتنمية وحليفتها الحركة القومية وأيديولوجيتهم السياسية المتبعة.

ولا يخفى على أحد كيف غذى وساهم الاحتلال في تصاعد تيار التطرف الديني أثناء احتلاله، مهدداًالأمن والتعايش السلمي في المقاطعة المنكوبة.

إن الانتهاكات الواسعة لهذا الحق استهدف الايزيدين والعلويين والنساء بشكل خاص، ضاربة بحقوق الإنسان، التي نصّ عليها الإعلان العالمي حول كافة الحقوق، عرض الحائط.

ومن بين هذه الحقوق، الحق في التعليم، والعمل، والتجمع السلمي، والمواطنة، والمشاركة السياسية والصحة بل وأحيانًا الحق في الحياة.

ومنها ترهيب الأقليات الدينية وفرض الدين الإسلامي عليهم بقوة التهديد والسلاح من خلال افتتاح مراكز دينية ومدارس لتحفيظ القران والشرع الإسلامي بالاكراه على الإيزيدين والتي كان أبرزها المدرسة الدينية، التي افتتحها الاحتلال التركي في قرى قيبار وفقيرة ذات الأغلبية الإيزيدية الواقعتين في مقاطعة عفرين المحتلة وإجبار الأطفال الإيزيدين على حفظ القرآن ودراسة مناهج ابن تيمية، وفرض الصلاة والصيام عليهم وإجبار شيوخ الإيزيدية على الذهاب إلى المساجد وأداء الصلاة.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل افتتح الاحتلال التركي أيضاً مدرسة دينية في قرية كرزيله بإشراف من مجلس الشبيبة التركمانية وأجبر الأطفال على الالتحاق بها، بالإضافة لهدم وتدمير المزارات الدينية الإيزيدية والعلوية، وبموازة ذلك عمدت جماعات سلفية مسلحة تابعة للاحتلال التركي والمتمركزة في ناحية موباتا ذات الأغلبية العلوية إلى إجبار العلوين على الذهاب إلى المساجد وأداء صلوات أهل السنة بقوة السلاح والتهديد، في تعارض لبند هام من بنود الإعلان العالمي الخاص بالديانة وحريتها، والذي نص على عدم الاخلال بحرية الفرد في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.

وتأتي كل هذه الانتهاكات في ظل صمت عالمي من قبل دول وعدت في يوم من الأيام من خلال إعلان عالمي قيل إنه جاء لحماية حقوق الإنسان ولحماية حرية الدين والمعتقد للجميع دون تمييز حتى أصبحت معضلة في عفرين المحتلة والمنكوبة لتغدو كأكثر الحقوقِ الإنسانية إلحاحًا في عفرين وفي عصرنا الحديث.