حسين جمو: إقليم كردستان خرج من حسابات تركيا منذ إزاحة داوود أوغلو

في حوار خاص مع وكالة (ANF) الإخبارية, تحدّث الكاتب والباحث الكردي, حسين جمو عن تداعيات المصالح الدولية وصراع النفوذ والنفط على مجريات الاحداث السياسية والعسكرية في اقليم كردستان, بالاضافة الى الدور التركي والايراني وتأثيرهما على الكرد في المنطقة بالعموم.

-بدايةً, ماهي خريطة التدخّلات الدولة والاقليمية في المناطق المتنازع عليها بين هولير وبغداد, بعد سقوط كركوك, إن صحّ التعبير؟

**هناك توجه دولي عام بأن تكون هذه المناطق تحت إدارة مشتركة بين هولير وبغداد، بمعنى بقاء الوضع معلّقاً من الناحية الدستورية بخصوص مصير هذه المناطق. وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا مع هذا الطرح بحسب المواقف الأخيرة للدولتين. وإذا كنا نتحدث عن العراق فالأمر دولياً يعني أميركا وبريطانيا. بالتأكيد مصالح البلدين ليست متطابقة في العراق ولا خريطة الطريق التي يضعانها لهذا البلد. هناك تناقض بين السياستين البريطانية والأميركية في الكثير من الملفات في العراق، وعلى رأسها قضية "السنة العرب". بريطانيا لا تقبل تركهم وحيدين في بغداد مع الشيعة، وأميركا لا تملك مشروعاً خاصاً بها لمعالجة قضية السنة العرب وفي الوقت نفسه لا تقف ضد هيمنة القوى الشيعية على العراق برمّته. وفي ظل غياب المشروع السني فإنه غير مسموح لإقليم كردستان مغادرة بغداد. وأحدث العوائق أمام استقلال الإقليم الصراع بين شركات النفط على كركوك، وفي مقدمتها التنافس بين بريتش بتروليوم ورسنفت على نفط كردستان وكذلك هيمنة بريطانيا على حركة الطيران المدني في العراق عبر شركة "سيركو". في المجمل ما زال التعريف البريطاني للكرد بأنهم "سنّة" في العراق وأداة للتوازن مع الشيعة. صحيح أن النفوذ المباشر في العراق لأميركا، لكن السياسة البريطانية هي التي تدير هذا البلد.  

 بخصوص المناطق المتنازع عليها فإن كلاً من أميركا وبريطانيا متفقتان حول صيغة الإدارة المشتركة، لذلك لم تسمحا لقوات البيشمركة بالسيطرة الكاملة على هذه المناطق من خلال عدم معارضتهما تمدد القوات العراقية والحشد الشعبي، وهي العملية التي أدارتها إيران. لكن في المقابل لا تؤيدان أيضاً أن تكون هذه المناطق تحت سيطرة أحادية للحكومة المركزية، لذلك ستشهد الأيام المقبلة تعديلات على الانتشار العسكري بحيث يصبح هناك تواجد للبيشمركة أو الآسايش في مناطق انسحبت منها أمام القوات العراقية.

بالنسبة للموقف الإقليمي، هناك توافق بين إيران وتركيا على تسليم إدارة هذه المناطق للحكومة المركزية، وإن كان لكل من الدولتين رؤيتها وقراءتها الخاصة للوضع. لكنهما تلتقيان في إلحاق الهزيمة بمشروع استقلال كردستان، وهو موقف طبيعي لكن يبدو أنه فاجأ بعض قادة الإقليم.   

-كيف تسمح القوى العظمى, بخاصةً أمريكا وبريطانيا, بتمدد ميليشيات تدعمها ايران في العراق؟ ألم يكن الأجدر بأمريكا أنّ تدعم الكرد في مواجهة تقدّمهم نحو كركوك والمناطق الأخرى؟

**بالنسبة للقوى الكبرى فإن ما يجري صراع صغير ولا يدخل ضمن الحسابات الاستراتيجية لهما. في النهاية سيطرة بغداد على كركوك ليست نهائية، وفقدان الكرد لهذه المدينة ليست نهائية أيضاً. ليس مطلوباً من أميركا أن تدعم الكرد إذا لم يقاتل الكرد. القضية الأساسية في الداخل الأميركي منذ الانسحاب من العراق نهاية عام 2011 هو عدم إرسال جنود على الأرض. على هذا الأساس تدعم أميركا وحدات حماية الشعب في روجآفا – غرب كردستان والبيشمركة في جنوب كردستان. إذا نظرنا إلى خريطة التحالفات الأميركية فإنها لا تدافع عن أي شريك لا يستطيع الدفاع عن نفسه. وإذا راجعنا بعض الخفايا التي تكشفت في كركوك ليلة 16 أكتوبر / تشرين الأول فإن القوات الكردية انسحبت بدون مقاومة، سواء تلك المحسوبة على معارضي بارزاني أو المحسوبين عليه. لم نختبر أميركا فعلياً حتى نقول إنها لم تساند الكرد. لم تكن هناك مقاومة. خطأ بارزاني أنه لم يحول الأمر إلى أزمة عسكرية وانشغل بإنقاذ القوات المحسوبة عليه، لذلك وجدنا أن قوات البيشمركة لم تقاوم إلا في مناطق محدودة على الطرق المؤدية إلى أربيل. أما في بقية المناطق، مثل شنكال وربيعة، فإن ما قامت به بيشمركة عائلة طالباني من انسحابات قامت به بيشمركة الديمقراطي الكردستاني لدرجة لم نشاهد فارقاً في الأداء بين القوتين إلا حين اقتربت ميليشيات الحشد من معبر فيشخابور. كان الشعب الكردي في حالة تعبئة عامة وحالة من الاستعداد التام للتضحية في سبيل الدفاع عن كردستان بكافة السبل. هذا الإجماع القومي تحول إلى إحباط ويأس لأن الرهان على السيد مسعود بارزاني قد سقط. وهذا السقوط تتحمل مسؤوليته العديد من القوى ، وعلى رأس هذه القوى جناح عائلة طالباني في الاتحاد الوطني الكردستاني، وكذلك الحزب الديمقراطي الذي فضّل خسارة فرصة أن يكون "قائداً لشعوب كردستان" مقابل شيء أقل بكثير. كان مشروع الاستقلال مغامرة بطولية – وليست سلبية -. غامرنا بكل شيء من أجل الاستفتاء، ولم نغامر بشيء للدفاع عن نتيجة الاستفتاء.  

-بالنسبة للدور التركي, لطالما كانت أنقرة تتخذ مواقف إيجابية تجاه قيادة أقليم كردستان, بالتحديد قيادة حزب الديمقراطي الكردستاني, كيف تغير الموقف التركي فجأةً بعد تداول الاقليم لعملية الاستفتاء وما تلاها من مواقف تصعيدية حيال الأزمة بين هولير وبغداد؟

**الموقف التركي لم يكن إيجابياً من تجربة إقليم كردستان منذ البداية. لكن تم التسويق إعلامياً بأن هناك رؤية إيجابية لتركيا تجاه الإقليم على مدى سنوات، وهذه الإيجابية كانت فعلاً موجودة لكن فقط فيما تتعلق بالأمور "غير الجادة". في العمق تركيا ترى في إقليم كردستان مشروعاً تجارياً لا أكثر من الناحية الاقتصادية، ومن ناحية أخرى حاولت حكومة حزب العدالة والتنمية استخدام الحزب الديمقراطي الكردستاني ضد "روجآفا" وحزب العمال الكردستاني في شمال كردستان. منذ عام 2015 غيّرت تركيا الاستراتيجية التي وضعها رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو بخصوص الملف الكردي، وبإزاحة هذه الاستراتيجية خرج الإقليم من حسابات تركيا حتى قبل استقالة أوغلو في أيار/ مايو 2016، وهذا الأمر تجلى في نقطتين: الأولى أن أنقرة باتت تتولى معالجة القضية الكردية بنفسها عبر الحرب المباشرة على المدن الكردية في شمال كردستان وكذلك التدخل المباشر في روجآفا وشمال سوريا. النقطة الثانية أن حزب الحركة القومية بات شريكاً للعدالة والتنمية في رسم السياسة التركية حول الملف الكردي، وتبنى الرئيس التركي رؤية دولت باهجلي التي تقوم على وجود "قضية كردية واحدة" بدلاً من السياسة السابقة لأحمد داوود أوغلو الذي تبنى مقاربة مغايرة وخطيرة تقوم على وجود "قضايا كردية متعددة". الرؤية التركية الحالية هي حرب شاملة على الكرد فيما الرؤية السابقة كانت ترسم لحرب أهلية كردية. أعتقد أن قادة الإقليم لم يهتموا بالتغيرات الداخلية في تركيا، ولم ينظروا بجدّية إلى الخطر الذي يشكّله تحالف أردوغان – باهجلي على الإقليم وكذلك حملة تصفية حزب الشعوب الديمقراطي.

-تركيا وايران في حلفٍ واحد, ألا يدعو هذا التحالف إلى الدهشة من الناحية السياسية؟ خاصةً أن لهما خلافات عميقة بشأن عدة ملفات اقليمية, سوريا على سبيل المثال؟

أتحفظ هنا على صيغة "التحالف". تركيا تدار من قبل مجموعات قومية توازي "أرغنكون" ولا تمثل برنامج حزب العدالة والتنمية. حزب العدالة انتهى عملياً منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز/ يوليو 2016 وانخرط أردوغان بنفسه منذ ذلك الوقت في سياسات الدولة الموازية من الناحية الأمنية مقابل إرضاء الحزب بالمشاريع الاقتصادية العملاقة. نعم موقف أنقرة المؤيد لطهران وبغداد مفاجئ فعلاً وسبب هذه المفاجأة هو الاعتقاد الخاطئ بأن حزب العدالة والتنمية هو الذي يتخذ القرارات. تركيا الحالية باتت أوضح من السابق بسبب سياسات أردوغان المباشرة، وكذلك التأثير البريطاني على خريطة العمل الحكومية في أنقرة لم يعد "أسطورة أوجلانية".

ما جرى لم يكن ثمرة تحالف تركي إيراني، بل الأدق وصف الأمر بأنه تفويض تركي لإيران بالتدخل تحت غطاء الحكومة العراقية. في النتيجة نالت تركيا خسارة كبيرة من وراء هذه الصفقة. فالهدف الأكبر لها السيطرة على معبر فيشخابور بين روجآفا وباشور، وهو ما لم يتحقق حتى الآن. إيران أرادت تحجيم إقليم كردستان وتغيير خريطة السيطرة النفطية لصالحها، أما تركيا فإن هدفها الأكبر القضاء على "روجآفا".

-هناك من كان يعتبر أن تركيا لن تضحي بمصالحها الاقتصادية في إقليم كردستان. هل هناك خفايا اقتصادية وراء التحرك التركي ضد الإقليم؟

**على المستوى الدولي تلعب الحكومة التركية دور "الوكيل التجاري" لبعض القوى الكبرى. أرجّح أن شيئاً من هذا القبيل قد لعب دوراً في الانخراط التركي مع بغداد ضد بارزاني. من ناحية أخرى أعتقد أن هناك مبالغة في العلاقة التجارية بين إقليم كردستان وتركيا. الأرقام الرسمية تشير إلى 10 مليارات دولار قيمة التبادل التجاري. وهو رقم ضخم وقد تكون فيه نسبة وهمية أو انعدام الشفافية في كيفية توزع هذا المبلغ الضخم إذا أخذنا في الاعتبار عدد سكان الإقليم الذي لا يتجاوز 7 ملايين نسمة بما في ذلك عدد اللاجئين والنازحين. بينما قيمة التبادل التجاري بين تركيا وإيران لا تتجاوز 20 مليار دولار بما في ذلك الغاز الذي تعتمد عليه تركيا من إيران.

يضاف إلى ذلك أن أموال النفط الكردستاني تذهب إلى بنوك تركية، وأي تحرك عراقي جاد على المستوى الدولي يشكل تهديداً قضائياً لتركيا.    

-هل يؤثّر توسّع ايران في العراق, وفي عموم المنطقة, على المشروع الكردي في روج آفا, القائم على مبدأ الفدرالية للشمال السوري؟ كيف تشرح لنا هذا التأثير في ظل وجود أمريكا وروسيا في سوريا؟

**هناك إمكانية أن يكون خطر الصدام الشامل بين قوات سوريا الديمقراطية وحلفاء إيران الملف الرئيسي في سوريا خلال الشهور المقبلة. إيران دولة تنتهج سياسات متعددة – على عكس تركيا – فهي تقدم نفسها بالنسبة لعرب محافظة الحسكة "حامية للعروبة" ضد "الانفصاليين"، وفي ديرالزور تتحرك كقوات شيعية. تركيا لا تستطيع تحقيق أهدافها في سوريا بدون الاعتماد على إيران، لذلك نحن أمام تفويض تركي لإيران والنظام السوري من أجل ضرب تجربة الفيدرالية في شمال سوريا مقابل وضع تركيا للمجموعات الإسلامية المتطرفة تحت "الإقامة الجبرية" في المناطق التي تحتلها. في حال كانت الساحة خالية لتركيا وإيران فإن مخطط الحرب على روجآفا سيتم سريعاً. المعادلة أكبر من الدولتين فضلاً عن البراعة القتالية لقوات سوريا الديمقراطية.

لدينا في سوريا دولتان في الصف الأول هما أميركا وروسيا. ودولتان في الصف الثاني هما تركيا وإيران. مصالح الدول الأربعة متناقضة لكن طموحات إيران وتركيا غير مريحة لروسيا وأميركا. نلحظ في شمال سوريا أن التدخلات التركية حتى الآن هي خارج دائرة مناطق النفوذ الأميركي. بينما تشترك إيران وروسيا في ساحة واحدة للنفوذ ويرجح أن تتفاقم التناقضات بينهما. 

تركيا لا تستطيع الدخول في حرب شاملة ضد قوات سوريا الديمقراطية في ظل الوجود الأميركي، لذلك تراهن على إيران وحلفائها للقيام بهذا الدور. الحكومة الحالية في أنقرة تقوم بتسيير سياسة لإزاحة السيطرة الكردية على طول حدودها الجنوبية (باشور وروجآفا) بالسيطرة الإيرانية بعد فشل تنظيم داعش التمدد إلى المناطق الحدودية.