السليمانية: أجواء رمضان بنكهته الكردية

تعيش مدينة السليمانية أجواءً روحانية بامتياز خلال شهر رمضان، الذي يرافقه طقوساً كردية تعطيه عبقاً خاصاً.

استقبل أهالي إقليم كردستان (جنوب كردستان) وضمنها مدينة السليمانية شهر رمضان بأجواء وطقوس خاصة تعبر عن تمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة، فيما قررت حكومة الإقليم تقليص الدوام الرسمي ساعتين لتسهيل أداء الطقس الديني على الأهالي.
لمدينة السليمانية، عاصمة الثقافة الكردستانية، أجوائها وطقوسها الخاصة في شهر رمضان، فأسواق المدينة تبقى  مفتوحة طوال الليل، إبتداء من اليوم الخامس عشر من الشهر،  أما الأهالي خصوصاً المضطرين للتسوق فيخرجون ليلاً مع ارتفاع درجات الحرارة في النهار فترى الأسواق والمولات الكبيرة والمقاهي الكثيرة المنتشرة في المدينة تكاد لا تتسع لزائريها.
وفي ليالي رمضان كان مشهد المسحراتي حاضراً بين الأزقة والشوارع وهو يدق الطبول ليُسمع النائمين أجراس السحور ليستعدوا لتحضير وجبة السحور والصلاة بعدها ليتم أركان الصيام حسب تعاليم الإسلام.
ويقول الصحفي بيستون محمد لوكالة فرات للأنباء ANF:  "كان المسحراتي في الأعوام السابقة يجوب الأزقة والاحياء في السيليمانية  وأداته لإيقاظ  النائمين كان الدف باعتباره من الأدوات الإيقاعية في التراث الكردي إذ تجده حاضراً حتى في أغلب الطقوس الدينية ومنه المولد".
ويُشير إلى أن مهنة المسحراتي لم تكن مقتصرة على الرجال إذ كانت هناك نساء يتولين أيضاً مهمة إيقاظ الناس في أوقات السحور إيمانا منهن بروحية هذا الطقس في هذا الشهر الفضيل.
ويضيف "التكنلوجيا أثرت على مهنة المسحراتي بسبب اعتماد غالبية الناس على الهواتف المحمولة والساعات المنبهة لتوقظهم مما قلل الاهتمام بهذه المهنة، ولكن يبقى أن هناك خاصة من هم في الأعمار التقدمة مازالو يمارسونها وهي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة".

وفي المقاهي تكثُر أغلب الألعاب المسلية كلعبة الشطرنج والدومينو والطاولة وغيرها في الأيام العادية، أما في ليالي شهر رمضان فتشهد المقاهي خاصة من قبل القاصدين للسليمانية  من السياح أو حتى النازحين من المحافظات العراقية الأخرى، يقصدون المقاهي التي توفر دوات  لعبة الصينية حيث يجتمع الشباب من كل الأطياف العراقية وتجري اللعبة بين مجموعتين إضافة إلى المشجعين وتتخلل اللعبة الغناء.
ويجتمع بعد الإفطار مجموعات من  الشباب ويلعبون لعبة الصينية التي تحتاج الى المهارة والتركيز والذكاء وهدوء الاعصاب لإيجاد الخرزة من تحت الفناجين المصنوعة من النحاس الأصفر، وهذه  اللعبة ليست مشهورة في السليمانية إلا أنه بسبب موجات النزوح واللوء وزيادة عدد السياح الى المدينة من المحافظات الأخرى بدأ يشاهد هذه اللعبة في مقاهي المدينة.
ويكثر في هذا الشهر في المدينة الصدقات والتبرعات بالأموال والملابس وحتى المواد الغذائية والأطعمة للمحتاجين إليها، خصوصاً من جانب المُتمَكنين ولا يخلو الشهر من الابتهال إلى الله والدعاء في مساجد المدينة.
كما وتشتهر محافظات إقليم كردستان وخاصة السليمانية بشراب الزبيب الذي يتزايد الإقبال عليه في شهر رمضان المبارك وهو شراب منعش، وفية فوائد صحية كثيرة للمعدة وخافض للكولسترول الضار في الدم كذلك يعطي طاقة إضافية للجسم ويتميز بنكهة خاصة وهذا ما لا نجده في أكثر العصائر المعلبة وغير الطازجة.
ويتوزع على جانبي أشهر أسواق المدينة وهو سوق مولي محلات بيع شراب الزبيب الأقدم في السليمانية ويتم تقديم شراب الزبيب لأهالي مدينة السليمانية والسياح الذين يقصدون المدينة وبأسعار زهيدة.  
وللشعب الكردي تراثه  الفولكلوري الخاص به وهو متنوع كتنوع طبيعة كردستان ومن هذا التراث الأكلات الشعبية (الفولكلورية)والتي تخلد تاريخ وتراث هذا الشعب إذ أن المطبخ الكردي يزخر بالعديد من هذه الأكلات،التي تتميز بمذاقها الطيب واللذيذ، ويبدو أن أصالتها جعلت من المستحيل إيجاد رديف لها بلغات أخرى غير الكردية.
وأهالي السليمانية شبابها وشيبها يفضلون تناول الإكلات الشعبية على الإفطار إذ تشتهر المدينة بكثرة مطاعمها المتخصصة بتقديم وجبات شهية من الأكلات الشعبية التي يزخر بها المطبخ الكردي، وعلى رأسها (كفتة السليمانية) المشهورة والتي يحتاج تحضيرها إلى كثير من الوقت والجهد، وإلى العديد من المستلزمات والمواد، لذلك فإن سكان المدينة عندما يشتهون الكفتة وغيرها من الأكلات الشعبية المُكلـِفة، أو يحل عليهم ضيوف أعزاء يلجأون إلى المطاعم الشعبية، التي يشرف عليها نساء ويقمن بتحضير الأكلات بأنفسهن. 
وفي الغالب يقبل سكان السليمانية على تناول الكفتة الشهيرة ذات الأحجام الكبيرة في المناسبات السعيدة.
أما طريقة تحضير (كفتة السليمانية)، التي يساوي حجم الواحدة منها حجم ثمرة السندي تقريباً، فمعقدة بعض الشيء، إذ يتم أولاً تهيئة غلافها الذي هو عبارة عن خليط متجانس من الأرز الكردي المحلي والبرغل المجروشين، الذي ينقع في الماء لعدة ساعات حتى تصبح حباته الصغيرة ناعمة، ثم يُصفـّى من الماء، ويوضع في الهاون مع كمية من اللحم المثروم، ومواصلة طرق الخليط بمقبض الهاون النحاسي الثقيل حتى يغدو كما العجينة المتماسكة، وبعد ذلك يجري تحضير الخليط الذي يوضع في الكفتة، عبر مزج كمية من اللحم المثروم مع الثوم وقليل من البصل والتوابل الخاصة واللوز المقشر والكشمش، إضافة إلى الملح والحامض، وحمس الخليط على حدة في الزيت أو الدهن قبل حشوه عبر ثقوب صغيرة في كرات مجوّفة وكبيرة الحجم ، تصنع من العجين المحضر، ثم يتم غلق الثقوب، وبموازاة ذلك، يتم طبخ مرق أصفر من الحمص ولحم الضأن والدهن الحر في قدر منفصل، وتضاف إليه التوابل وحبات من (ليمون البصرة) المجفف ذات الطعم الحامضي.
وبعد أن يستوي المرق، تضاف إليه كرات الكفتة ليعاد غليها من جديد لنصف ساعة تقريباً على نار هادئة قبل أن تقدم كوجبة متكاملة مع الأرز والمقبلات .
أما  أكلة السجوق التي هي عبارة عن حبات جوز مغلفة بحلوى لذيذة داكنة اللون وسميكة وناعمة، ويتم تحضيرها برص حبات مقشرة من الجوز التي تكثر في مناطق هورامان الجبلية التابعة لمحافظة السليمانية والواقعة في أقصى الشمال الشرقي من كردستان، في خيوط بطول متر واحد أو أكثر بقليل، ثم وضعها في قوالب أنبوبية الشكل ، قبل غمسها في عسل التمر (الدبس)، ومن ثم تترك القوالب المغموسة في الدبس تحت أشعة الشمس اللاهبة في الصيف، حتى تجف قبل نقلها إلى السوق الذي يعج بأصناف لذيذة أخرى من المكسرات الكوردية مثل : (البتوم وخبز القيسي ومنّ السماء المطعم باللوز ، والباسوق والفستق المغمس في العسل المصفى ، واللقم المطعم بالفستق واللوز، والتين المجفف والزبيب ، وغيرها من أشهى أصناف المكسرات الكردية الشهيرة).
أما أكلة (الكلانه) خاصة في (شارع مولوي) الرئيس في السليمانية حيث يتواجد الباعة المتجولين بعرباتهم النظيفة وطرق تصنيعهم هذه الأكلة، التي تقتصر على العجين والبصل ومن ثم تضاف أليها النكهات والمطيبات الأخرى حسب الطلب مثل (الدبس والدهن الحر والملح والسكر) وتحضر على (صاج ساخن)، كانت الأمهات يعملن هذه الأكلة وهكذا انتقلت هذه الأكلة من مطابخ المنازل لتكون في الشارع.