الحلّ السوري بين "سوتشي" و"جنيف"

تشهد الدول المعنية بالأزمة السورية تحرّكات حثيثة وسريعة على مستوى قادتها لإيجاد حلٍ سياسي للأزمة المندلعة منذ 2011. حيث تعمل روسيا مع حليفتها ايران, ومؤخّراً تركيا من خلال مؤتمر سوتشي, بينما تبقى أمريكا ومن هم في دائرتها متمسّكةً بجنيف برعايةٍ أممية.

يُعقد الاجتماع الذي يجمع الرئيس الروسي, فلاديمير بوتين مع نظيريه التركي والايراني, رجب أردوغان وحسن روحاني, اليوم الأربعاء (22 تشرين الثاني) في منتجع سوتشي قبل أيامٍ من استئناف محادثات جنيف, برعاية الأمم المتّحدة, الهادفة إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.

وترعى روسيا وإيران حليفتا النظام السوري وتركيا التي تدعم فصائل المعارضة, مفاوضات تجري في العاصمة الكازاخية استانا, نجحت إلى حدّ كبير في إقامة "مناطق لخفض التوتر" في ادلب شمالاً, حمص في الوسط والغوطة الشرقية المتاخمة لدمشق، وأيضاً في الجنوب السوري. حيث جرت 7 جولات من تلك المفاوضات هذه السنة, جمعت حول الطاولة ذاتها ممثلون عن النظام والمعارضة السورية وركزت على المسائل العسكرية والفنية, في الوقت الذي بقيت فيه محادثات جنيف في مكانها, دون إحراز تقدم.

وبحسب إعلان موسكو, فإن الرؤساء الثلاث سيناقشون إمكانية عقد مؤتمر حوار وطني خاص بسوريا, ذلك المشروع الروسي الذي أعلنته في نهاية تشرين الأول, بيد أنّ أطرافاً رئيسية في المعارضة السورية رفضت المشاركة وظلّت متمسكةً بمحادثات جنيف.

ويرى الباحث الكردي, يوسف خالدي, في حديثه لوكالتنا ANF, بأنّ نجاح الاتفاق الثلاثي بين روسيا, ايران وتركيا في انشاء مناطق خفض التوتر يعود إلى التنازلات التي قدّمها أردوغان بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية, حيث "أصدر اردوغان أوامره للفصائل المسلحة التابعة له  بالانسحاب من حلب, وتسليمها لروسيا وإيران والنظام والانسحاب من مناطق عدّة بسوريا لصالح النظام مقابل موافقة روسيا على السماح لتركيا باحتلال جرابلس إعزاز" وما تبعها من اذعان المعارضة السورية للمشاركة في مؤتمر أستانا بأرقامها المتعدّدة.

لذا كان من السهل على تركيا أن تجبر الفصائل للقبول بمناطق خفض التوتر, بحسب خالدي الذي قال: "ايران تتحكم بالنظام السوري من خلال حزب الله اللبناني والفصائل الشيعية العراقية والأفغانية, روسيا تؤثّر إلى حدٍّ كبير بقرارت النظام وتركيا تملي ارادتها على الفصائل المعارضة" مضيفاً "انشاء مناطق خفض التوتر هو تمهيدٌ للوصول إلى طرح حلٍ شامل للصراع في سوريا, وفق المصالح الروسية أولاً, وتلبية للمصالح التركية والايرانية ثانياً, في ظلّ غياب أيّ دورٍ فاعل لأمريكا في سوريا".

ويشكل مصير رئيس النظام السوري, بشار الأسد العائق الأكبر أمام كلّ المفاوضات الرامية إلى إيجاد حلّ سياسي. حيث تتمسك طهران وموسكو ببقائه, وتعتبر أنّ رحيله يفتح باب الفوضى, في الوقت الذي يرفض فيه المعارضون تواجد الأسد في مرحلة الانتقال السياسي, كونه المسؤول عن ارتكاب المجازر بحق ابناء الشعب السوري, على حدّ قولهم.

بيد أنّ النظام السوري يجد نفسه في موقع القوة, بعد الانتصارات الميدانية التي حققها على فصائل المعارضة المسلّحة, ناهيك عن استمرار الدعم الروسي اللامحدود له.

وسيعقد مؤتمر سوتشي في غياب أطرافٍ أساسية في الأزمة السورية مثل الولايات المتّحدة الأمريكية, السعودية والأردن, ناهيك عن غياب الأطراف الأوربية. فهل ستحقق تقدّماً على طريق الحل؟

يجيب الباحث الكردي على هذا السؤال بقوله "هناك من رفض حضور المؤتمر من الفصائل المعارضة, وقد عبّرت واشنطن عن عدم اهتمامها بهذه العملية, ناهيك عن نصح امريكا لستيفان دي مستورا بعدم حضور أستانا" لذا فإنّ الخطوات التي سبقت المؤتمر لاتلبي مطامح موسكو. فهناك مؤتمرٌ عقد في الرياض, وغياب امريكا واوربا عنه وعن سوتشي "أمرٌ يحمل على التخمين بأن مؤتمر سوتشي, ورغم كلّ المبالغة واللغة المثارة حوله, لن يكون إلا تجمّع لقوىً متناحرة على السلطة وتابعة لدول إقليمية ومروجة لمشاريعها".

ويثير خالدي تساؤلاً حول مقدرة مؤتمرٍ يضمّ أكثر من 1000 شخص وكيان "على التوصّل إلى حلّ يتّفق عليه الجميع". كما يرى أنّ المؤتمر "في النهاية هو نتاج توافق إيراني-تركي. والجميع يعلم أن هاتين الدولتين  كانتا تقفان وراء الصراع السوري والكوارث والدمار والدماء"

من جهةٍ أخرى, وفي السياق ذاته, تسعى تركيا إلى منع حضور وفد يمثل الكرد في روج آفا والشمال السوري, وذلك عبر ممارسة الضغوط على موسكو, التي كانت قد أرسلت دعوة رسمية لحزب الاتحاد الديمقراطي, لكنّ مجلس سوريا الديمقراطية كان قد أصدر بياناً طالبت فيه بتمثيل فدرالية الشمال السوري في أيّة مباحثات حول مستقبل سوريا.

ويؤكّد الباحث الكردي, يوسف خالدي مضي تركيا برفض حضور الكرد في المؤتمر "حتى النهاية من موقع معرفتي بشخصية إشكالية مثل اردوغان. الذي سيحاول ابتزاز الروس إلى أقصى مساحة يستطيع بلوغها، وينجح إلى حد كبير في ذلك, كون الروس يهمهم تقزيم المطالب الكردية والحفاظ على مركزية الدولة إلى حد يتيح للدولة السورية التحكم بالثروات والقرار". كما يرى خالدي بأنّ توجيه الدعوات لم تمثّل حقيقة الوضع وتجسّد التضحيات. لذا سيتم توجيه دعوات لشخصيات باسمائها, وذلك "للتحرض ضد تف دم أو حزب الاتحاد الديمقراطي, أو حتى ضدّ الإدارة الذاتية". 

من المؤكّد بأنّ تكليف وزراء تركيا وايران بتوجيه الدعوات لحضور المؤتمر سينعكس سلباً على المشاركة الكردية فيه, كما قال خالدي إذ "ما الذي يمكن أن يترجمه الكرد والمكونات السورية المنضوية تحت فدرالية الشمال السوري من دعوات ستوجه من وزراء خارجية إيران وتركيا!. ويذهب الباحث الكردي إلى عدم قبول أيّ دعوةٍ لاتتضمن الصفات الرسمية للإدارة "أيّ حضور تحت أيّ مسمّى أو اسم آخر, في رأيي, سيصيب المكاسب بضربةٍ لاشفاء منها وخسارةٍ سياسية ديبلوماسية قد يكون من الصعب تعويضها".

ويحاول الرئيس الروسي, فلاديمير بوتين العمل بجدّية لإنجاح قمة سوتشي, وقد طلب من الجميع بتقديم تنازلات بغية الوصول إلى الحللّ المنشود. كما استقبل بشار الأسد لإظهار موقع رئيس النظام السوري كطرفٍ أساسي في ما يسميها بوتين ب"اللعبة السياسية". وقد صرّح الأسد خلال زيارته غير المعلنة إلى موسكو, وتلك أول زيارة له منذ تشرين الأول من العام 2015, بأنّهم "مهتمون بدفع العملية السياسية إلى الأمام, ونحن مستعدون للحوار مع كلّ الراغبين بالحل" مشيراً إلى أنّهم لاينظرون إلى الوراء, بالإضافة إلى تقديم واجب الشكر لبوتين الذي عمل على "وحدة وسلامة الأراضي السورية واستقلالها", بحسب تعبير رئيس النظام السوري.

وبحسب يوسف خالدي, فإنّ مؤتمر سوتشي سيفرض وجود بشار الأسد في بداية أيّ حل سلمي "بسبب أنّ الروس والإيرانيون, ويبدو أنّهم اتفقوا مع الأتراك على هذه الفرضية, كمقدمة للقبول بإجراء تعديلات على الدستور وتقديم تنازلات من النظام مقابل موافقة الأطراف التي ستشارك في سوتشي  بالدخول في العملية السياسية وعدم طرح أي شروط مسبقة منها رحيل الأسد قبل أيّ حوار". 

كما أجرى بوتين اتصالاً هاتفياً مع نظيره الأمريكي, دونالد ترامب, على الرغم من توتر العلاقات بين البلدين, وبحسب مصادر من الكرملين الروسي, فإن بوتين قد أكّد خلال الاتصال "استعداده للعمل بشكل فاعل للتوصل إلى تسوية طويلة الأمد" للنزاع في سوريا, وأشار إلى أنّ تلك التسوية تستند إلى القرارات الأممية, وعاد ليشدّد على و"حدة الأراضي السورية".

من جهته, قال البيت الأبيض أنّ ترامب أكّد على إيجاد "حلّ سلمي للحرب الأهلية في سوريا, وإنهاء الأزمة الانسانية, والسماح للاجئين بالعودة إلى ديارهم" بالإضافة إلى "ضمان استقرار سوريا موحدةً بعيدة عن التدخلات وخالية من الارهابيين.

وبهذا الصدد, تحدّث لنا يوسف خالدي عن وجود أمور تعترض توافقاً أمريكياً-روسياً "الخلاف حول الوجود الإيراني في سوريا, الذي قال الأمريكيون انه كان بتوافق بين بوتين وأردوغان، الأمر الذي نفته موسكو لاحقا. وكذلك التصريحات الروسية حول عدم اعتبارهم وجود حزب الله غير شرعي في سوريا، بالإضافة إلى الوجود التركي في الشمال السوري في إدلب تحديداً والتوافقات التركية مع جبهة النصرة  وكذلك قضية تفعيل امريكا والغرب عموما لمسألة  اتهام النظام باستخدام الكيماوي". كما أشار الباحث الكردي إلى محاولات تمدد قوات النظام السوري شرقي نهر الفرات, التي تصطدم مع الوجود الأمريكي هناك. ويضيف بأنّ التصريحات العدائية لأنقرة ضد واشنطن, وكذلك التقارب الروسي التركي "عدم الاتفاق على حلّ جذري وطويل الامد يضمن رحيل النظام ويؤمّن المصالح الأمريكية في سوريا والعراق, سيجعل من التقارب الأمريكي الروسي في مواجهة الكثير من العقبات".

ويشير خالدي إلى تواجد القضية الكردية ودعم الأمريكيين لقضايا إعادة الاعمار, والأطراف المشاركة التي ستقدم الدعم, مرتبطة بالحل الشامل في سوريا. الأمر الذي يحتاج إلى لقاءات كثيرة وعملية سياسية برعاية موسكو وواشنطن, تنتهي بجنيف كمؤتمر يضمّ كل السوريين وكذلك الأطراف الدولية, وبتأثير أقل للدول الإقليمية".

جدير بالذكر أنّ أكثر من 13 مليون سوريٍ بحاجة ماسة إلى المساعدات الانسانية, بحسب مكتب تنسيق الشؤون الانسانية في الأمم المتّحدة, وذلك على الرغم من تراجع حدّة العنف بشكلٍ ملحوظ. كما تراجعت وتيرة غارات التحالف الدولي بقيادة أمريكا ضد تنظيم داعش الارهابي, وفق متحدّث باسم التحالف, حيث قال بأنّ تنفيذ تلك الغارات قد وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ بداية الحرب على التنظيم الارهابي. الأمر الذي يعتبره بعض المراقبين للشأن السوري بداية لخوض محادثات جدّية بخصوص الحل السياسي. فهل ستشهد الأيام القادمة تغييراً في المواقف؟.