الأرمن يحيون ذكرى الإبادة الجماعية بمحافظة الحسكة

بمشاركة مقاتلي أول كتيبة عسكرية أرمنية في شمال وشرق سوريا، استذكر أهالي قرية تل كوران والمناطق المجاورة لها بريف الحسكة ضحايا الإبادة الأرمنية التي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية قبل مائة وأربع أعوام.

تحل اليوم الأربعاء، الذكرى الرابعة بعد المائة لمذابح الأرمن التي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية عام 1915، والتي لا تزال الحكومات التركية المتعاقبة، بما فيها الحكومة الحالية، تنكرها وتتنصل من مسؤولية السلطات العثمانية تجاهها.

وبدأت اليوم الجمعة (24 نيسان) المراسم الرسمية لإحياء ذكرى الأحداث التي تعرف على نطاق واسع باسم "الإبادة الجماعية" لأكثر من مليون أرمني من قبل الجيش العثماني قبل مئة وأربعة أعوام.

ونظم أهالي قرى في ريف الحسكة الواقعة بإقليم الجزيرة بشمال شرقي سوريا مراسم لأحياء ذكرى الضحايا. وبدأت المراسم التي شارك فيها المئات من الأهالي في كنيسة مار زيا بقرية تل كوران التابعة لمدينة تل تمر في ريف الحسكة، بالوقوف دقيقة صمت على أرواح ضحايا.

وتخللت مراسم الإحياء عدة كلمات تطرق فيها المتحدثون إلى بشاعة وفظاعة الجرائم التي تعرض لها الأرمن على يد السلطات العثمانية في 24 نيسان/ إبريل 1915 وسياسات التعريب والتتريك التي فرضت على الشعب الأرمني، وسط صمت تام من جانب المجتمع الدولي.

وتحدث القيادي العسكري ماسيس ماتونيان من الكتيبة الأرمنية التي تأسست حديثاً، عن الإبادة التي نفذتها السلطات العثمانية بحق الشعب الأرمني، لافتاً إلى أن هذا اليوم هو يوم اسود في تاريخ الشعب الأرمني الذي سُحقت ثقافته، دينة وتاريخه بيد الإمبراطورية العثمانية وتعرض للنهب والسلب والتشتت، مؤكداً على أن الهدف الأساسي كان إنهاء وجود هذ الشعب من على سطح الكرة الأرضية.

وشدّدَ ماتونيان على أن الشعب الأرمني ومن خلال التفافه حول الثورة في شمال وشرق سوريا، اثبت وجودة مجدداً وأوصل رسالته للجميع بأن الأرمن يرفضون الاستسلام وسيواصلون المقاومة وسيحافظون على تاريخهم ونضالهم، منوهاً إلى أن القوات الأرمنية ستدافع عن حق الشعب الأرمني والحفاظ على كرامته وحريته.

بدوره تحدث المقاتل آرتين أكاوبيان في كلمته أمام الحضور، عن جرائم السلطات العثمانية بحق الأرمن مؤكداً أن طابور الشهيد نوبار اوزانيان مستعدين لكل شيء سيدافع عن الشعب الأرمني، كرامته، لغته وحريته مهما كانت التضحيات.

وفي سياق متصل، ألقى الأستاذ جميل آمد كلمة اعتبر فيها يوم الرابع والعشرين من نيسان يوماً "أسوداً" ووصمة عار على جبين العالم بأسره وتابع قائلاً:

"ما تعرض له الشعب الأرمني عملية إبادة طالت البشر، التاريخ، الأرض، اللغة والثقافة."

وأضاف آمد قائلاً:

"ثورة روج آفا هي ثورتنا جميعاً ثورة الأرمن والآشوريين الكلدانيين المرأة ولهذا نقول إننا موجودون وسنبقى ضد إبادة الدولة التركية، وهذا من خلال الحفاظ على لغتنا، ثقافتنا، تاريخنا ولغتنا واستذكار هذه الإبادة ورفضها ورفض مواصلة الإبادة والدفاع عن النفس ضد هجمات الدولة التركية. يجب ألا ننسى هذه الإبادة، ونؤكد أن الدولة التركية لن تحقق أهدافها لان الثورة موجودة ولان الشعب الأرمني لا يزال موجوداً وسيبقى ليدافع عن نفسه."

بدورها افتتحت الفنانة تشكيلية روهار كربيديان كلمتها باقتباس مقولة من السيد المسيح حيث قالت: "عندما قال السيد المسيح. أحبوا عدوكم"، لم يكن للأتراك وجود على الأرض."

وأشارت كربيديان إلى الإبادة التي نفذتها الدولة التركية بحق الأرمن في ظل صمت العالم الغربي. ولفتت إلى الثورات والحروب العالمية التي حصلت في القرن العشرين واصفتاً إياه بقرن المعرفة، حقوق الإنسان وإبادة الإنسان والتي من خلالها وصلت كل الشعوب إلى حقوقها وحققت أهدافها إلا الشعب الأرمني الذي والى اليوم ترفض دول العالم الاعتراف بالإبادة التي تعرض لها.

وقالت:

"التاريخ لم يشهد وحشية كالتي تعرض لها الشعب الأرمني، في ظل صمت تام من المجتمع الدولي وبالأخص الدول الغربية وحتى هنالك دول شاركت في الجريمة. تجاهل الشرق وضعف العرب. وحشية الدولة التركية التي لم يفتل منها أي لا بشر، لا حجر، لا كنسية ولا حتى صليب. وهذه الوحشية هو حقد تجاه كل ما هو إنساني وحضاري وخلاق."

وأضافت كربيديان أن لا شيء بقي من تاريخ وحضارة الأرمن بل كلها تعرضت للتتريك. وتعرضت للضغوطات من قبل روسيا من جهة وتركيا من الناحية، وعندما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها وانهارت الإمبراطورية العثمانية وإعلان الحلفاء نيتهم عن رسم خارطة العالم على أساس مبادي نيلسون قدم الشعب الأرمني مطالبة عبر معاهدة سيفر، التي بقيت حبراً على ورق لأن المصالح الإستراتيجية للدول العظمى لم تسمح بتطبيقها واستبدلت معاهدة سيفر بمعاهدة لوزان عام 1923، التي تجاهلت طموحات جميع الأقليات وحقوقهم.  

وتابعت كربيديان أن المجازر التي لحقت بالأرمن على يد الأتراك عمداً، وفق مخططات مرسومة تصيب أي باحث في التاريخ بالصدمة. وأن هذه الإبادة النموذجية استشهد بها زعيم النازية هتلر عندما أمر قواته باحتلال بولونيا قائلاً: "عليكم أن تقتلوا بلا رحمة النساء، الأطفال والشيوخ ويجب أن تعتمد قتنا على السرعة". لا أحد يسأل المنتصر كيف انتصر.

وأشارت إلى صمت العالم تجاه إبادة الأرمن بالقول:

"إن هذا الصمت لا يزيد الطغاة إلا طغياناً. شجع الأتراك على القيام بمجازر جديدة بحق اليونانيين، العرب والكرد. وبعد هذه السنين الطويلة يجب على الأرمن السير في طريق الأحياء على طريق الموت، لأن من تعرضوا للعنصرية التركية لم يخلفوا أحفاداً يخضعون للقدر واليأس. بل على العكس تماماً هؤلاء هم من تنبوا قضية الأرمن وجوهرها التي فدتها أمة الأرمن بمليون ونصف شهيد. دفعوا الغلي والنفيس في سبيل الحفاظ على هويتهم العرقية التي لم تستطع الإمبراطورية العثمانية والتركية من إبادتها."

واختتمت مراسم الأحياء بالاستماع إلى مجموعة من الأغاني الفلكلورية الأرمنية.