هل إعلان 11 آذار كان نتاج عمل الشعب أم عائلة البارزاني؟
بعد تأسيس الدولة القومية العراقية من قِبل الإمبريالية، قامت الدول الإمبريالية بضم جنوب كردستان بالعراق خدمةً لمصالحها الاقتصادية والسياسية، دون أخد اللغة والثقافة والوطنية بعين الاعتبار، حيث لا يوجد تنوع في إطار الدولة القومية، بل هناك قومية واحدة وثقافة واحدة ولغة رسمية واحدة، فمنذ بداية تأسيس هذه الدولة، لم يخضع مجتمع جنوب كردستان لسياسة هذه الدول، ولهذا السبب، قاموا بالكثير من الثورات والانتفاضات، فمنذ العام 1960، بدأ الحزب الديمقراطي الكردستاني بالاستحواذ على انتفاضة مجتمع جنوب كردستان من أجل مصالحه العائلية، حيث قامت عائلة البارزاني بالتصرف ضد كل محاولة يبذله المجتمع الكردي لحل المشاكل.
وبعد أن اعترفت حكومة العراق بجزء من الحقوق الثقافية والقومية للشعب الكردي في 11 آذار 1970، فرح شعب جنوب كردستان والأجزاء الأخرى من كردستان كثيراً، وقالوا إننا الآن سوف نتحرر من ذلك البؤس وعجز الماضي، وتحدث الدكتور قاسملو في هذا الموضوع عن نشر إعلان 11 آذار، وقال: "لقد كان نشر إعلان 11 آذار بمثابة بشارة التحرر ونشيد الانتصار، وتم الاحتفال به في جميع أرجاء كردستان، وقد انتاب الحزب الديمقراطي الكردستاني الفرح أكثر من غيره، لأن قسماً كبيراً من كوادر ومسؤولي الحزب الديمقراطي الكردستاني كانوا محظورين لتنفيذ أي أنشطة لفترة طويلة بذريعة حماية منجزات الحركة في جنوب كردستان، و لقد سُعدنا بأن القضية الكردية في جنوب كردستان سوف يتم حلها وأن الحركة الكردية لن تعود بحاجة إلى الدولة الإيرانية، وبعد مدة من الوقت، ما بعد إعلان 11 آذار ، توجه بعض قادة حزبنا إلى البارزاني وطلبوا منه السماح لمسؤولي الحزب الديمقراطي الكردستاني والبيشمركة بعدم عرقلة نضال ومجيء وذهاب كوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني وتقديم المساعدة لهم لتطوير التنظيمات السياسية في شرق كردستان، حتى أنهم طلبوا منه التعاون معنا في مجال الإعلام، ولكن، على العكس من توقعات المسؤولين في حزبنا، قال البارزاني رداً على ذلك: "لا يجوز لكم أن تأتوا وتذهبوا إلى إيران بأي شكل من الأشكال، وليس من صواب أن تكونوا ظاهرين بشكل علني في جنوب كردستان وخاصة وجود قواعد للبيشمركة الخاصة بكم في المنطقة الحدودية، كما أن نشر الصحف والأنشطة الإعلامية ليس بالأمر الصائب، لأنه يتسبب بالفوضى"، وكان البارزاني قد اقترح أيضاً أنه لدينا الآن إدارة مستقلة ووزراء كرد في العراق، ومن الأفضل لكم توطيد العلاقة مع الحكومة العراقية والبقاء في المدن الخاضعة لسلطة الدولة".
علاقات أجهزة التجسس التابعة لوكالة سافاك والدفاع
وبعد أن فرض البارزاني هذا الأمر على كوادر ومسؤولي الحزب الديمقراطي الكردستاني، اضطروا إلى نقل مركز النشاط إلى المدن الخاضعة لسلطة الحكومة العراقية، كما أن مسلحي البارزاني كانوا يسدون الطريق أمام ذهاب ومجيء كوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني على الحدود للتوجه إلى شرق كردستان، وتستمر هذه السياسة القذرة لعائلة بارزاني منذ ذلك الحين إلى يومنا الحالي، فأينما كان لديهم السلطة، فإنهم كانوا يقومون بوضع ذلك المكان في خدمة المحتلين، ولكنهم لم ولا يسمحون للثوار والأحرار في الأجزاء الأخرى بالعمل.
ويقول الدكتور قاسملو في هذا الصدد: "بعد أن قمنا بنقل أنشطتنا إلى المدن العراقية بناءً على الاقتراح الشخصي للبارزاني، وبأمر من الشاه، بدأت الأجهزة التابعة للبارزاني بالترويج لدعاية مسمومة ضدنا، ووصفت علاقتنا مع الحكومة العراقية على أنها علاقات ارتزاقية، ومن روائع قيادة البارزاني الأخرى أن وزارة الدفاع في الحزب الديمقراطي الكردستاني وبالتعاون المباشر مع إدارة جهاز السافاك (منظمة الأمن الوطني والاستخبارات الإيرانية)، قامت بوضع بعض عملائها بين كرد شرق كردستان المتواجدين في جنوب كردستان، وكان اسمهم يُسمى أيضاً "الإدارة الديمقراطية المؤقتة"، ولدي وثائق تفيد بأن جهاز السافاك أرسل مواد صحفية وذخيرة إلى تلك المجموعة عبر وزارة الدفاع، حيث كانت كل كتاباتهم ضدنا، ولم يكتبوا أي شيء ضد حتى الشاه، والأكثر إثارة غرابة هو حقيقة أنه كان من الواضح أن كرد جنوب كردستان هم من كتبوا تلك النصوص وأعطوها لتلك المجموعة المأجورة، حيث أن تأسيس حزب كرتوني من قِبل قيادة البارزاني لم يكن ضدنا فقط، بل كان أيضاً ضد كرد شمال وغرب كردستان لمنع قيام حزب قوي وموحد في الأجزاء الأخرى من كردستان".
قتل الكوادر والشعب الثوري في شرق كردستان
لم تقم عائلة البارزاني بالتجسس فقط لصالح المحتلين فحسب، بل عملت أيضاً كمحتل وعدو ضد الكرد في الأجزاء الأخرى من كردستان، انطلاقاً من القتل وحتى التسليم.
ويتطرق الدكتور قاسملو بالحديث عن وضع الكرد في شرق كردستان بعد إعلان 11 آذار، ويقول: "لقد أصبحت المضايقات والتهديدات ضد كوادرنا في النواحي الخاضعة لسلطة البارزاني جزءاً من سياستهم اليومية، وكان كوادر حزبنا يعودون إلى إيران ويعملون هناك سراً، ولم يكن لدى النظام الإيراني القدرة على اعتقالهم، لكن عندما كانوا يعودون إلى العراق، كان البارزانيون يقومون باعتقالهم وزجهم في السجون، وكان قسم من الكوادر الذين تم اعتقالهم بهذه الطريقة، رفاق الشهيد ملا قادر وردي وأعضاء اللجنة المركزية ومسؤولون في بانا، وأثناء عودة الشهيد ملا قادر إلى بانا، مكث في تلك الناحية حوالي الشهر، لكن جهاز السافاك لم يكن على علم بذلك، وعلى الرغم من ذلك، فعندما عاد إلى جنوب كردستان، اعتقله قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني على أساس أنه كان يسافر من وإلى إيران وأنه كان يرسل صحف ومقالات الحزب الديمقراطي إلى إيران ويريد إفساد العلاقة بين الثورة وإيران".
شاه إيران وانهيار العلاقات بين البارزاني والحكومة العراقية
بعد إعلان 11 آذار، تم تحديد أربع سنوات لتطبيع الأوضاع في كردستان، وبعدها سيتم منح الحكم الذاتي لجنوب كردستان، ولكن، لم تكن القضية الكردية ذات أهمية بالنسبة لعائلة البارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني-PDK، بل على العكس من ذلك، كانوا مشغولين بمصالحهم ومصالح المحتلين، وبالإضافة إلى ذلك، لم يكن هناك أي تحرك جدي في جنوب كردستان للضغط على الحكومة العراقية لتنفيذ الاتفاق المبرم بين الجانبين، كما أن العراق ندم على وعوده، لأن عائلة البارزاني لم يكن لديها هدف بالاستقلال.
ويتحدث الدكتور قاسملو عن العلاقات بين الجانبين بهذه الطريقة، ويقول بهذا الخصوص: "بعد أربع سنوات من إعلان آذار، كان الطرفان يحاولان تدبير مؤامرة ضد بعضهما البعض، وبعد أربع سنوات من إعلان آذار، لم يكن هناك حتى مسودة للحكم الذاتي للحزب الديمقراطي الكردستاني، كما أن الحكومة العراقية كانت تحدد موقفها خلال تلك الفترة، ومن ناحية أخرى، كانت رئاسة البارزاني وحكومة الشاه قد توصلتا إلى اتفاق كامل، وعلى حد قولهم كان الشاه قد أعطاهم وعداً غير محدود، وفي هذا الوقت، وحتى لا يعاني الناس من التشرد مرة أخرى، التقينا بالبارزاني وقلتُ له: "أنت تعتمد بشكل غير عادل على مساعدة ودعم الدولة الإيرانية، ولا تعلم أن هم رضا شاه هو العدو اللدود للشعب الكردي في جميع أجزاء كردستان، ولم تفكر يوماً، أنه إذا توافقت دولتا العراق وإيران يوماً ما، فماذا سيحدث حينها للحركة الكردية؟ وأجاب البارزاني رداً على هذه الاستفسارات بالقول: "حينها سوف أتوافق معك، وسنهاجمهم معاً".
اتفاقية دولة العراق وإيران ومعاهدة الجزائر
وبعد فشل العلاقات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والدولة العراقية، شنّت الدولة العراقية الهجوم على كردستان بكل قوتها، ووقف شعب كردستان في مواجهة تلك الهجمات، ولكن الحزب الديمقراطي الكردستاني لم يستند أبداً على الشعب الكردي، وبدلاً من ذلك، اعتمد على المساعدات الإيرانية، ويقول الدكتور قاسملو في هذا الشأن: "لقد كان دعم الشعب الكردي للحزب الديمقراطي الكردستاني ضد العراق فريداً من نوعه، ولكن الملا مصطفى لم يعتمد على مساندة الشعب، وبدلاً من ذلك، اعتمد على مساندة الدولة الإيرانية والدول العالمية".
وبالنتيجة، كانت ملاحظات الدكتور قاسملو صائبة وبمكانها، وتوافقت دولتا العراق وإيران دون إيلاء أي أهمية للشعب الكردي، وعلى الرغم من دعم الشعب، وتحسن الوضع الاقتصادي والعسكري، أعلن الملا مصطفى والحزب الديمقراطي الكردستاني السلام بأمر من شاه إيران، وبدون شك حصل هذا الأمر برغبة من المحتلين، ولم يجلب السلام التشرد والبؤس لكرد جنوب كردستان فحسب، بل كان له أيضاً تأثيراً على أنشطة الثوار الكرد، وعانى المجتمع الكردي من الناحية النفسية من فشل غير مسبوق، ومن ثم واجه العديد من الكوارث.