إلى رفيق دربي إلى ابني...

لقد أصبحتُ رفيقة دربك في الجبال الحرة وكانت هذه الرفاقية هي رفاقية حزب العمال الكردستاني الحقيقية، ولم يكن هناك مكان للدناسة والكذب والنفاق والخيانة في رفاقيتنا، وكانت رفاقيتنا هي رفاقية حزب العمال الكردستاني أكثر من مجرد رفاقية بين الأم والابن.

هل يمكن لأم أن تعيش بعد ولدها وتكتب كل عام عن ولدها وتأجج النار في قلبها مرة أخرى؟ نعم يا عزيزي حقي، ها أنا أكتب عنك مرة أخرى، كم سنة أخرى، وكم مرة أخرى سأكتب عنك؟ نعم، كل مقال أكتبه يحترق قلبي؛ أي أن هذه النار المؤلمة لا تخفت، بل على العكس من ذلك تزداد حدة، ويقولون إن الوقت يقلل من الألم؛ لكن مفهوم الوقت يكون مفهوماً بلا معنى بالنسبة لألم الولد، لأن الوقت جعل هذا الألم أكبر. 

فحتى الآن، هناك علاج لكل داء، ولكن لا يوجد علاج لألم الحياة الممزقة من قلب الأم، وعندما سمعتُ أنك سافرت إلى الأبدية، شعرتُ وتألمت كثيراً لدرجة أن شيئاً ما نقص من جسدي بحيث لا أستطيع أن أفسره، في تلك اللحظة قلتُ: "لن تكون الحياة كما كانت، لأن حياتي باتت ناقصة"، لقد كان ذلك صحيحاً حقاً؛ فمنذ ذلك اليوم، لم تعد الحياة بالنسبة لي كما كانت من قبل، ولم يعد الزمان ولا المكان ولا الذكريات كما كانت في السابق بالنسبة لين لأنني لا أستطيع رؤيتك في حياتي. 

وكنتُ دائماً ما أعزي نفسي وأقول: "إنه يعيش في مكان ما، وسيأتي حتماً يوماً ما"، لأنني عندما انضممت إلى مجموعة السلام، ودّعتك في مركز شرطة أنزا وانطلقتُ، عندها لم يتبادر إلى ذهني أبداً في تلك اللحظة أن هذا اللقاء الأخير لي ولك، ولطالما حلمتُ دائماً بلقائك وإخبارك عن رحلتي للسلام، لكن ذلك لم يحدث، وعلمتُ أنك أصبحت نجماً قبل أن ينقضي فترة حكمي في السجن، وتألمتُ كثيراً أثناء وجودي بين تلك الجدران الأربعة عندما سمعتُ الخبر، وشعرتُ بأن حياتي قد ضاعت، لا يمكنني أن أنسى ذلك اليوم أبداً.

نعم، ها أنا أكتب عنك مرة أخرى، هل يحق لي أن أكتب عنك أم لا؟ إن خلق روح وإشراك روح جديدة إلى الحياة يجب أن يكون أثمن شيء للبشرية، ولكن من الضروري أيضاً أن يعرف الإنسان أنه في مثل هذا العالم الملوث حيث تُترك الحياة في فم الأسد، وفي وقت يُعتبر فيه خلق روح جديدة بمثابة جريمة بالفعل، لا ينبغي للإنسان أن يحاول ولادة أرواح جديدة، وربما يكون خلق حياة جديدة الحدث الأكثر قداسة في العالم؛ لكن الأمهات في الوقت الحاضر يتعاملن مع هذا الواجب المقدس كجريمة، لأنهن يشاهدن بألم الحياة التي خلقنها بأجسادهن تُقتل بمجرد ولادتها، فلا يمكن لآلهة الحرب أن تفهم أبداً مدى ثقل هذا الألم على الأمهات، ففي الوقت الحاضر، أن أيضاً اتهم نفسي، وأقول: ”لقد أحضرتُ حقي إلى عالم من هذا القبيل ولم أستطع الحفاظ عليه، فأنا من أحضرته إلى الدنيا، لكنه غير موجود وأنا ما زلت أعيش بعده“، فأنا أعتبر الحياة من بعدك مثل جريمة، فآلهات الحرب تلك لا يمكنهنَّ أن يفهمنَّ أبداً كم هو مؤلم وقاسي أن يعيش الإنسان الحياة المذنبة بعد ولده، فلو كنَّ يفهمنَّ لما فرضنَّ تلك الحروب على الشعوب.   

لقد حولت آلهات الحرب عالمنا إلى ساحة لارتكاب المجازر من أجل الاحتلال والنهب والمنفعة والسلطة، حيث يفقد الآلاف من الناس حياتهم كل يوم، لكنهن لا يكترثنَّ، والأمر الأكثر رعباً هو أنهن يعتبرنَّ آلام آلاف الأمهات كوضع طبيعي جداً، ولا يمكن للناس أن يدركوا مدى فظاعة العقلية، فعقلية السلطة الحاكمة التي تحتكر التكنولوجيا والعلم هي التي تدير وتحكم عالمنا، فماذا سيحدث أكثر من ذلك؟ نعم، ها هو عالمنا قد أصبح عالماً من الآلام، وأنا لا أستمر في الحياة إلا من خلال خوض النضال بدلاً من كلينا، وأتمسك بالحياة بجعل ألمي سبباً للانتقام، وإلا، كيف كان بإمكاني الاستمرار في الحياة من بعدك؟ فقد كانت لديك أحلام جميلة، لكنهم قتلوها كلها، وأشعر بالألم لعدم قدرتي على تحقيق تلك الأحلام، فكل يوم أظل أكرر على نفسي تلك الأحلام، وأظل أكرر على نفسي بالقول: "لم يستطع حقي أن يرى ذلك، ولم يستطع عيش ذاك"، فكل كلمة هي ألم في قلبي، وقد تضاعف آلامي كثيراً، وكما قلت، لم تعد الحياة كما كانت من بعدك.

تضاءلتُ وتضاءلتُ ومرة أخرى تضاءلتُ، وبات جسدي مفقوداً، وأحلامي مفقودة، وأنا بتُ مفقودة، نعم يا عزيزي، أردتُ أن أكتب عنك، لكني كتبتُ عن نفسي مرة أخرى أيضاً، عزيزي، كيف يمكنني أن أكتب عنك دوني؟ فأنا لا أستطيع إبعادك عن ذهني ولو للحظة واحدة، وأنا معك الآن أكثر فأكثر، والذين فرقوا بيننا جسدياً كانوا مخطئين كثيراً، دعهم يفكرون بعقليتهم المتعفنة التي عفا عليها الزمن؛ ولكن وحدة قلبنا قد تعاظمت كثيراً. 

والآن، أنا معك أكثر من أي وقت مضى، فما هو لدينا هو رفاقية نقية وطاهرة جداً وبعيدة عن الخيانة، فقد قمتُ معك بالرفاقية في الجبال الحرة وكانت تلك الرفاقية هي الرفاقية الحقيقية لحزب العمال الكردستاني، لم يكن هناك مجال للدناسة أو الكذب أو النفاق أو الخيانة في رفاقيتنا، وكانت رفاقيتنا هي رفاقية حزب العمال الكردستاني أكثر من مجرد رفاقية بين الأم والابن، ولهذا السبب، أفتقد تلك الرفاقية كثيراً، فهل يمكن للإنسان آلا يفتقد تلك الرفاقية؟ وهل يمكن للإنسان أن يشبع من شيء جميل؟ لا يمكنني أن أشبع من تلك الرفاقية، فإنني ما زلتُ أتوقُ إلى تلك الرفاقية، كم هو مؤلم ألا يتمكن الإنسان من عيش تلك الرفاقية الجميلة مرة أخرى.

لا أستطيع أن أقول كم أفتقدك، ولكنني أعدك؛ بأن نضالي سيستمر حتى أجعل العدو يركع على ركبتيه، وسنحمل بشرف الإرث الذي تركته لنا أنت وكل من أصبحوا نجوماً، سنتوج هدفكم في كردستان الحرة بنضالنا، عزيزي، أحييك إلى الأبد وأنحني بكل احترام وإجلال أمام كل النجوم.

وأصبح حقي بازارجك نجماً في 3 تشرين الثاني 2012.

زلال حقي (أمه)