الشهيد جمالي.. الثوري الذي قضى حياته مناضلاً في سبيل قضية شعبه

اقتبس روح مقاومة مظلوم دوغان وتصميم حقي قرار في النضال وإرادة خيري دورموش في مواصلة الكفاح، وحول حياته الى مسيرة نضالية حافلة من خلال ايديولوجيته في مناهضته للأنظمة الدكتاتورية الراسخة الى ان أصبحت حياته ذات معنى عميق.

عُرِف الثوري جمالي بالمناضل الخفي في أنفاق الحرب في ورخليه، لم يكن أحد يعرفه الى ان استشهد، لان حزب العمال الكردستاني (PKK) ينشئ مقاتلين عظماء يتخذون من روح الفداء اساساً لنضالهم، يكتفون بقليل من الطعام واللباس البسيط، هدفهم الوحيد الكفاح من اجل حرية شعبهم.

تعلم المناضل جمالي من مظلوم دوغان ان المقاومة يجب ان تكون بلا حدود، واقتبس تصميم حقي قرار انه كيف يجب على المقاتل الحقيقي المقاومة ضمن ظروف الحرب القاسية، وإرادة خيري دورموش في مواصلة الكفاح وانه يجب على المرء ان يضع حرية شعبه في نصب عينيه، وحول حياته الى مسيرة نضالية حافلة من خلال وقفته البطولية في جبال كردستان الحرة وروحه الفدائية التي جعلها أساس في كفاحه الى ان أصبحت حياته ذات معنى عميق،الثوارالحقيقيون يحملون على اكتافهم عبء تحريرالشعوب المضطهدة دون ان يعرفهم احد ويحولون من الظلمة التي ترسخها الأنظمة الرأسمالية الدكتاتورية بحق الشعوب المضطهدة كي يغرقوا فيها، الى معاناة لهم ويكافحون لتحريرهم من هذه الظلمات..
الذين لم يضحوا بأنفسهم، والذين يتخذون من انانيتهم أساسا لهم ولا يستطيعون إلا أن يعيشوا لأنفسهم لا يستطيعون فهم الروح الفدائية ولا يفهمون معنى الثورة، ومعنى التضحية، وتحقيق رسالتهم، والاستشهاد من اجل ذلك، بهذه الكلمات يمكن التعريف عن الشهيد جمالي الذي افتدى بروحه من اجل قضية شعبه.

ولد رائد التضحيات جمالي في جوروم، ترعرع في كنف اسرة ثورية ديمقراطية، ونشأ في قريته مع السمات التي توارثها اجداده من العصر الحجري (نوليتيك)، ومن ثم انتقل إلى إزمير للدراسة بعد أن أصبح شاباً، وعاش هناك، لكنه لم يستطع التأقلم مع حياة الحداثة الرأسمالية، وكانت السمات التي نشأ عليها في اسرته وفي قريته اقوى بكثير من ان تتغلب عليها المعاصرة التي يحدثها النظام الرأسمالي، كان يواصل حياته وفقاً لجوهره الحقيقي ويستمع لمقولة الحكماء، وعليه اختار طريق الثورة.

لم يتحمل المناضل جمالي مشاهد التعذيب والقتل الذي نفذه النظام الدكتاتوري بحق العلويين في سيواس، لأنه كان يرفض جميع سياسات القمع الفاشية التي ينفذها أي نظام فاشي ودكتاتوري لهذا كان يؤمن بالاشتراكية وإنها المنقذ الوحيد للشعوب المضطهدة من الأنظمة الرأسمالية التي تضطهد الشعوب وتسلب حرياتهم وإراداتهم، ويتخذ من الاشتراكية هوية ثورية ويؤمن بأن خط الحرية والديمقراطية التي ينادي بها القائد عبد الله اوجلان على انه خط الحقيقة، وهكذا بدأت مسيرته الثورية

عمل جمالي في المدن في توزيع الصحف، كما كان يقود نشاطات الشبيبة المناهضة للنظام الفاشي، ولم يكن أحد قادر على الوقوف في وجه إراداته الثورية ووعيه في النضال من اجل الحقيقة، كما قاد الفعاليات التي أطلقت ضد المؤامرة الدولية، حيث يتم اعتقاله وزجه في السجن لشهور، لكنه لم يتخلى عن فكره الثوري وخاض الكثير من الفعاليات في المدن الكبيرة، لكن آن الأوان ليتوجه الى جبال كردستان الحرة، اظهر اخلاصه وولائه للقائد اوجلان وناهض كل من كان يدعي بأن حزب العمال الكردستاني قد تم القضاء عليه ولم يبقى نضال ثوري.

بعد سنة من انضمامه لصفوف الكريلا اتخذ قراره للانضمام الى تنظيم القوات الخاصة وان يصبح فدائي، نظم نفسه على هذا الأساس وخضع للتدريب ومن ثم توجه الى كابار، وهناك يناضل في صفوف الكريلا لخمسة اعوام ومن ثم يصبح قيادياً فيها، ويشارك في العديد من العمليات العسكرية، ويتعرض للإصابات الا انه لا يتخلى عن مسيرته الثورية، توجه لمناطق الدفاع المشروع وهو يحمل في طيات مسيرته تجربة نضالية غنية، وكان قد حان الوقت كي يستخدم هذه التجارب على ارض الواقع وان يتشاركها مع رفاقه، ينشئ جمالي المدارس ويبني الأكاديميات ويعمل بالإضافة إلى دوره القيادي، أحياناً يصبح طالباً، وأحياناً أخرى يصبح مدرساً، وكان ينقل كل ما يتعلمه لرفاقه وطلابه، نعم، أولئك هم الفدائيون الحقيقيون، الذين لم يعرفهم احد ويقضون حياتهم  فداء لشعبهم وارضهم، يتمتعون بشخصية متواضعة ويعيشون لخدمة شعبهم، لا يتكلمون كثيراً عن انجازاتهم ولا يظهرون على الشاشات، ولا يسطر أسماءهم في صفحات الكتب، لا يفضلون أضواء الشهرة والشعبوية، لذا لا يعرفهم احد، هم حراس القضية السريون.

قضى جمالي حياته بهذا الشكل، كان يحب التقاط الصور لأنه ادرك جيداً ان مقاتلو الكريلا لا يملكون شيء سوى الصور التي تخلد ذكراهم، العديد من الشهداء الثوريين لم يحظوا بقبر، لذلك عاش جمالي حياته بكل معانيها ورسخ في قلبه الجوهر الحقيقي للحرية، وعزز الفكرالأيديولوجي في عقله، كانت لروحه الفدائية تأثير كبيرعلى رفاقه.  

تعمق جمالي في فنون الدفاع عن النفس طورها وعلمها لرفاقه، كان يواصل تدريسه حتى في أقسى الظروف الجوية، ويقوم بتدريب رفاقه في الصيف دون كلل، لم يشتكي يوماً بل كانت معنوياته عالية بشكل دائم، كان يبتكر أشياء جديد في الأسلوب العسكري، ويؤمن بالإبداع اللامتناهي لمقاتلي الكريلا، ويشارك في حل جميع المشكلات التي تتعرض لها الاقسام التقنية والفنية في المعسكرات لان نهج القائد اوجلان ترسخ في نفسه، لم يكن يسمح بإتلاف شيء دون الاستفادة منه.

كان جمالي ذو شخصية فدائية ويرسخ هذه الشخصية في نفوس رفاقه ويخلق منهم شخصيات مضحية، حيث كانوا يوجهون ضربات شديدة ضد جيش الاحتلال التركي الوحشي. مقاتليه هم الذين أنشأوا نظام الدفاع الجوي والحقوا بالعدو ضربات موجعة. لقد ضحى بنفسه من أجل حرية الشعب الكردي، كان يعلم أنه لن يكون هناك أحد في الشرق الأوسط حراً حتى يتحرر الشعب الكردي، كان تركياً وكردياً، اممياً واشتراكياً

لقد جزأ حدود الذهنية الفاشية للدولة القومية في شخصيته وعقله، قال أحد الرفاق له أنك تشبه الرفيق كمال بير من جهة الشكل والخصوصية، بالنسبة لجمالي الذي تعلم الكثير من أيديولوجية القائد، كانت هذه الشهادة كوسام له، لأنه اقتبس شخصية كمال بير وعليه انضم الى صفوف الكريلا، كان يرغب ان يصبح مثل كمال بير.  

بغض النظر عما يريده قلبه وعقله فإنه بقي في آفاشين تلبية لرغبة رفاقه، حفيد بيران جمالي الفدائي لا يهمه الزمان والمكان، يحمل سلاحه ويتجه إلى آفاشين، هناك أيضا يصبح موضع محبة واحترام من قبل جميع رفاقه. كان قيادي من جهة ورفيق من جهة اخرى يعطي القوة للجميع ويرفع من معنوياتهم، تراه أحيانا في أعالي الجبال وأحياناً عند السفوح يحمل الأرزاق والمؤن على كتفه، يذهب للصيد من أجل رفاقه، أحياناً تجده يجمع رفاقه لتطوير المهارات العسكرية والتكتيك، أحيانا تراه في المطبخ يحضر الطعام لرفاقه، ليس هناك حدود للثورية عند جمالي، بالنسبة إليه الثوار هم أولئك الذين يستطيعون احتواء العالم في قلبهم، كان ذو شخصية مبدعة من جميع النواحي يكتب الأشعار ويغني، كانت صدى ضحكاته تتردد في سفوح جبال آفاشين.

عندما بدأت الحملة كانت محطته في ورخليه. رفاقه والذين يعرفونه يقولون" مادام جمالي هناك فالأمور على ما يرام. لن ينتصر العدو هناك" لأنهم يعرفون مهارته وقدراته في التكتيك العسكري وكذلك شجاعته وبطولته. وهو دائماً عند حسن ظن رفاقه وموضع ثقتهم. وبعد مقاومة خمسة أشهر استشهد نتيجة استخدام الأسلحة الكيماوية. جمالي ومجموعة من رفاقه يواجهون الدولة ويكبدونها خسائر ويرغمونها على تقبل ذلك. استطاعوا مواجهة الأسلحة الحديثة المتطورة. استعملت الأسلحة الكيماوية والغازات السامة مئات المرات لكنهم كانوا دائما ما يجدون وسيلة لتفاديها.

عندما يعلم أن أربعة من رفاقه يسقطون بتأثير الأسلحة الكيماوية يسرع لنجدتهم مدفوعا بعاطفته الرفاقية القوية ويتبعه أربعة آخرون من رفاقه. لا يهتم للسلاح الكيماوي ولا للعدو في الخارج، همه الوحيد إنقاذ رفاقه، عندما يحاولون إنقاذ أربعة من رفاقهم الذين استشهدوا بتأثيرالسلاح الكيماوي هم أيضا يتأثرون بالكيماوي ويستشهدون، عدد من رفاقهم الباقين يزداد غضبهم ويقومون بضرب العدو ضربات قوية ويستشهدون بطريقة فدائية.

لم يكن جمالي مقاتل شجاع فقط، بل كان ذو روح فدائية، كان رائد الفدائيين، القيادي الخالد والرائد في النضال العسكري، خاض نضالا اسطوريا لا مثيل له ضد جيش الاحتلال التركي، كان مقاتلا تركيا في صفوف حزب العمال الكردستاني وخاض كفاحا ًمن اجل حرية الشعب الكردي، ودافع عن كردستان بكل قوته، كان العديد من الأشخاص الذين يدعون الكردياتية يحاولون طعن نضاله عندما كان في ورخليه، كان جمالي كزهرة نقية تفتحت في التاريخ النضالي للشعب الكردي، لا نعرف ما اذا ستتمكن وقفته النضالية ومسيرته الثورية من ايقاظ الشعور الوطني في نفوس الكثيرين ام لا، لكنه اصبح الحقيقة النضالية التي ترسخت في وسط كردستان.

كما قلنا لا يعرف أسماء الثوريين والفدائيين كثيرا، يتم معرفتهم فقط عندما يستشهدون، لذا على الجميع ان يدرك إن جبال كردستان تحتضن الكثير من الابطال مثل الشهيد جمالي ويسيرون على طريقة وعلى استعداد للتضحية بأرواحهم في سبيل ان يعيش شعبهم بحرية وكرامة.