البطل والثائر الكردي يوسف العظمة

البطل يوسف العظمة كردي الأصل من سوريا، كان وزيراً للحرب في عهد حكم الملك فيصل بين عامي 1884 ـ 1920، وأحد اولئك الذين حاربوا الاحتلال الفرنسي في سوريا.

ولد يوسف إبراهيم بن عبد الرحمن العظمة في 9 نيسان 1884 في حي الشاغور بالعاصمة دمشق، وكلمة شاغور تعني باللغة الكردية فرع الغصن، كان جندياً ومثقفاً في نفس الوقت، وهو سليل أسرة كردية دمشقية توارثت التقاليد العسكرية منذ القرن السابع عشر، كان يتحدث بالإضافة الى لغته الأم الكردية، بالعربية والتركية والفرنسية والألمانية، كان أبوه موظفاً في مالية دمشق، وقد توفي حين كان ابنه يوسف في السادسة من عمره، فتعهد بتربيته شقيقه الأكبر عبد العزيز، ولما ترعرع دخل المدرسة الابتدائية في الياغوشية بالقرب من دار أبيه، ثم التحق بالمدرسة الرشدية العسكرية في جامع يلبغا بحي البحصة بدمشق عام 1893م، ومنها تابع دراساته العسكرية في دمشق في المدرسة الإعدادية العسكرية وكان مقرها في جامع دنكز، وبعد عام واحد (وبالتحديد في عام 1900م) انتقل إلى مدرسة (قله لي) الإعدادية العسكرية الواقعة على شاطئ مضيق البوسفور بالآستانة اسطنبول وتخرج منها بعد سنة ضابطاً في سلاح الفرسان.

وفي عام 1901م التحق بالمدرسة الحربية العالية في الريانغالتي بالآستانة وتخرج منها عام 1903 برتبة ملازم، وفي عام 1905م أصبح ملازماً أول.

ومن ثم انتقل الى مدرسة الأركان الحربية حيث أتم فيها العلوم والفنون الحربية العالية وحصل على رتبة نقيب في أركان الحرب عام 1907م وكان الأول بين رفاقه في صفوف المدرسة كلها فكوفئ على نبوغه بالميدالية الذهبية (وسام المعارف الذهبي) المحدّثة من قبل السلطان عبد الحميد الأول من تلاميذ المدارس العالية.

ثم اختارته القيادة العسكرية العثمانية ليكون لفترة معاوناً للقائد الألماني (دي تفرت) حيث كانت العلاقات قوية بين الدولتين العثمانية والألمانية في ذلك الوقت، حيث كان يجيد اللغة الألمانية وكذلك التركية والفرنسية قراءة وكتابة وتحدثاً بالإضافة إلى اللغة العربية والكردية، ثم عاد وأرسل إلى لواء الفرسان المرابط في ثكنة (رامي) بالآستانة، نقل بعدها إلى فوج القناصة (تشانجي) العاشر للمشاة في بيروت حيث عهد إليه تعليم الجنود اللبنانيين.

وفي عام 1908م استدعي إلى الآستانة وعُيّن مدرّباً مساعداً لمادة التعبئة في مدرسة أركان الحرب التي أُحدِثَت حينذاك في قصر (يلدز) السلطاني، ثم نقل عام 1909م ليكون مع الجيش العثماني المرابط في منطقة (الرومللي) على البر الأوربي، وفي العام نفسه أرسل في بعثة عسكرية إلى ألمانيا حيث التحق بمدرسة أركان الحرب العليا لمدة سنتين، ثم عاد بعدها إلى الآستانة إثر مرض أصابه لشدة البرد في ألمانيا ومن ثم تم تعيينه ملحقاً عسكرياً في المفوضية العثمانية العليا في القاهرة

ثم بدأت الحرب العالمية الأولى في عام 1914-1918 فأرسل رئيساً لأركان الحرب الفرقة الخامسة والعشرين العاملة في بلغاريا، وشارك مع القوات الألمانية في ميادين النمسا ومقدونيا ورومانيا وكان موضع ثقة وتقدير قائد الجبهات المارشال (ماكترون) قائد القوى الألمانية المحاربة وأخذه لهيئة أركان حربه باسم الجيش العثماني، ثم عاد يوسف إلى الآستانة حيث اختاره وزير الحربية العثمانية أنور باشا مرافقاً له وتنقل معه لتفقد الجيوش العثمانية في الأناضول وسورية والعراق، ونتيجة الموقف الحرج في جبهة القفقاس، عيِّن رئيساً لأركان حرب القوات المرابطة في القفقاس.

وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى في نهاية تشرين الأول عام 1918م وعقدت الهدنة بين المتحاربين عاد إلى الآستانة (اسطنبول) ومنها قدم إلى دمشق (مسقط رأسه) عقب دخول الأمير فيصل بن الحسين إليها.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن يوسف العظمة قد نال خلال دراسته في الدولة العثمانية وخدماته في جيشها عدة أوسمة وميداليات تقديراً لنبوغه ومواهبه العسكرية الخاصة والمتميزة، وقام خلال فترة خدمته في الجيش العثماني بإعداد برامج متقدمة للتدريب العسكري وأنظمة الإعداد وأسلوب التعامل مع الجند، وترجم كتاباً عن (روكر) من اللغة الألمانية إلى اللغة العثمانية بعنوان (بياده عجمي نفري نصل تيشدرلر) أي كيفية إعداد الجندي المبتدئ من الناحيتين الجسدية والمعنوية للعسكرية، وهو محفوظ بمكتبة المتحف الحربي بإسطنبول تحت رقم 2/617

في دمشق اختاره الأمير فيصل بن الحسين مرافقاً له، ثم عين معتمداً سوريا.

 في بيروت، ذكر عبد العزيز الشقيق الأكبر ليوسف في مذكراته عن شقيقه أن يوسف رحمه الله كان يلتهب غيرة على الوطن وكان يعتقد أن بإمكان سوريا إذا نظمت دولتها وجيشها أن تكون نواة لدولة عربية موحدة كبرى تجمع حو لها جميع الأقطار العربية وكان ينادي ببذل النفس والنفيس لإعلاء شأن الوطن بحيث أصبح مرجعاً محترماً للأهالي والقوميين العرب حينذاك وذو نفوذ عظيم في الساحل مما حدا بـالجنرال غورو لأن يشكو لسمو الأمير من يوسف خلال اجتماعه به في بيروت (بعد عودة الأمير فيصل من أوروبا) وطالب بإبعاده عن بيروت.

بناءً عليه تم سحب يوسف من بيروت وعين بالنهاية رئيساً لأركان حرب القوات العربية في سوريا فبدأ بتأسيس الجيش العربي السوري، حيث قام خلال مدة وجيزة بتشكيل جيش عربي يشبه في نواته وتنظيماته وتدريباته الجيوش الألمانية المنظمة وكان يزيد قوامه على عشرة آلاف جندي.

ثم كان إعلان استقلال سورية وتتويج الأمير فيصل ملكاً عليها في 8 آذار 1920م. وتوضحت نوايا الغدر الاستعماري من فرنسا وإنكلترا وبخاصة بعد صدور مقررات مؤتمر سان ريمو في25 نيسان 1920م والتي ينص أحد بنودها على وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي وتأزمت الأوضاع بين الحكومة السورية والحكومة الفرنسية مما دعا إلى تشكيل وزارة دفاع جديدة في البلاد برئاسة هاشم الأتاسي وكان يوسف العظمة وزيراً للحربية فيها.

لا شك بأن اختياره لهذا المنصب الخطير في هذه الفترة من تاريخ سوريا يدل على تقدير كبير من المسؤولين يومئذ لماضيه العسكري المجيد ولمواهبه الخاصة ولخبراته الواسعة إضافة إلى حماسته الوطنية وغيرته على استقلال البلاد، فكان خير من يستلم المنصب الأول في مهمة الدفاع عن البلاد في تلك الظروف الخطيرة.

جاء جيش الانتداب الفرنسي على الاراضي اللبنانية، وحين وصوله للحدود السورية، وجه غورو انذاره الذي كان أول شروطه تسريح الجيش وإيقاف التجنيد الإجباري وقبول الانتداب الفرنسي، وفي ذلك كان استفزازا للمشاعر الوطنية.

وبالرغم من قبول الحكومة السورية للإنذار والعدول عن فكرة المقاومة وقبول مطالب الجنرال غورو، والأمر بتسريح الجيش السوري وسحب الجنود من روابي قرية مجدل عنجر مخالفة بذلك قرار المؤتمر السوري العام (البرلمان) ورأي الشعب المتمثل بالمظاهرات الصاخبة المنددة بالإنذار وبمن يقبل به، فإن القوات الفرنسية بدأت زحفها من البقاع باتجاه دمشق معللة ذلك بتأخر وصول الجواب من الحكومة السورية بقبول الإنذار (تأخر الجواب نصف ساعة)، عندئذ لم يكن أمام أصحاب الغيرة والوطنية إلا المقاومة حتى الموت وكان على رأس هذه المقاومة وزير الحربية يوسف العظمة        

يقول ساطع الحصري بمذكراته وهو أحد رجال حكومة فيصل يومئذ: كان يوسف العظمة يعمل بنشاط ويظهر تفاؤلاً كبيراً وقد أتم الترتيبات العسكرية اللازمة ووضع الخطة العسكرية المحكمة للدفاع، وعَيّن القادة الذين عهد إليهم بإدارة الحركات وتنفيذ الخطة في مختلف الجبهات وأهمها جبهة مجدل عنجر في البقاع.

كانت كلمة يوسف العظمة في الاجتماع العسكري الذي عقد في ساعات الخطر برئاسة الأمير زيد أمام تخوف عدد من كبار الضباط من خوض المعركة حيث قال: معاذ الله أن نستسلم لليأس والقنوط، وبدأ باتخاذ التدابير العسكرية السريعة ومنها:

وقف أعمال التسريح، الاتصال ببعض العلماء أصحاب التأثير على الشعب لدعوة الناس إلى التطوع والسير نحو الجبهة، من أمثال المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني والشيخ كامل القصاب، والناشط الوطني أحمد الملا والناشط حمدي اليوسف (كنة) وهما من حي الأكراد الدمشقي، ونتيجة لذلك توجه المئات من المتطوعين إلى الجهاد وعلى رأسهم بعض علماء الدين.

يقول قائد جبهة ميسلون حسن تحسين الفقير في مذكراته عن هؤلاء: إنهم أبلوا بلاءً حسناً في قتال العدو وأوقعوا في صفوفه خسائر كبيرة واستشهد معظمهم.