مجمع اللغة الكردية ضرورة ملحة يفرضها واقع متسارع في عملية التعليم

من الحرمان إلى التعليم باللغة الأم هكذا كان واقع المجتمع الكردي في روج افا، بعد ثورة روج افا افتتح دورات باللغة الكردية وتحولت إلى نظام مؤسساتي مع إعلان الإدارة الذاتية. وأمام هذا الواقع المتسارع تبرز أهمية إنشاء مجمع اللغة الكردية.

بالتزامن مع المكتسبات التي حققتها ثورة روج آفا على الصعيد السياسي والعسكري، وتمكن مكونات المنطقة من درء خطر الإرهاب عن مناطق شمال وشرق سوريا، كان التعليم باللغة الام مستمرا ولم يتوقف. ولعل أهم إنجازات ثورة روج آفا هي في مجال التربية والتعليم وإصدار ‏مناهج تدريس جديدة في شمال وشرق سوريا وباللغات الرسمية الثلاثة العربية، الكردية والسريانية، وامام هذا الوقع التعليمي المتسارع تبرز اهمية وجود مجمع لغوي مختص باللغة الكردية. فالمجمع يعد جهة علمية مختصة تهتم بشؤون اللغة، المصطلحات في كل الاختصاصات، ومهمة المجمع اللغوي إدخال الكلمات والمصطلحات لتكون مواكبة للعصر في كل المجالات بشكل يتناسب مع منطق اللغة، اللفظ والمصطلحات الشائعة عالمياً. ‏ولعل أي مبادرة من هذا القبيل بحاجة إلى إمكانيات كبيرة وقد يقول البعض إنه من المبكر الخوض في هذا الحديث، لكن الواقع يقول: إن مئات الآلاف من الطلاب في عموم سوريا فقدوا فرص إكمال دراستهم وأجيال أخرى تدرس مناهج جديدة ويجب أن ‏يحظوا بفرصة لإتمام تعليمهم بشكل أكاديمي وعلمي. ‏

وهنا تكمن أهمية المجمع اللغوي في اللغة الكردية، فهي وعلى الرغم من عراقتها وقدمها كلغة تناقلتها الأجيال إلا أنها لم تكتب وتدرس بشكل منهاج دراسي أكاديمي متكامل. ‏ ورغم وجود معاجم، وقواميس لغوية عدة إلا أن انشاء المجمع اللغوي يعد ضرورة ملحة من أجل أجيال المستقبل؛ ‏ومن أجل استمرارية اللغة الكردية وحياتها وإعداد المعاجم، والبحث في اللغة ولهجاتها، ووضع استراتيجية الحفاظ على الثقافة والمصطلحات العلمية ‏واللغوية مما يسهل عملية التدريس والتعليم. هذه الضرورة يفرضها واقع الشعب الكردي الذي قسم بين اربعة دول "سوريا، العراق، تركيا وإيران" إضافة إلى عدد كبير من أبناء الشعب الكردي في مختلف دول العالم، والذين يحظون بفرصة لتعلم اللغة الام. ‏

وقد استطلعنا اراء جهات رسمية وأكاديميين بخصوص أهمية انشاء مجمع للغة الكردية في ظل تسارع وتيرة التعليم واتساعها لتشمل المراحل الدراسية التي تم الاعداد لها.

وقد تحدثت المدرسة "كولي حسن" عضو مؤسسة اللغة الكردية عن الصعوبات التي تعرضوا لها خلال مسيرتهم التعليمية حيث قالت: "في ظل ثورة روج آفا, لاقت مؤسسة اللغة الكردية متنفساً ومساحة كبيرة للعمل والنشاط، وعليه وسعت من نشاطها في جميع مجالات اللغة، إلى أن بدأت عملية التدريس بالمناهج الجديدة. في البداية كانت للمرحلة الابتدائية، ثم الإعدادية وفيما بعد صفي الأول والثاني الثانوي. ومع توسع هذا العمل تم تدريس كافة المواد (كيمياء، فيزياء، علوم، تاريخ، الرياضيات، الأدب) بدأت تظهر أوجه التقصير في العملية التدريسية بالمدارس. المشكلة الأساسية كانت كيفية كتابه كتاب مدرسي بغض النظر عن المادة. فعلى سبيل المثال اصدار كتاب في مادة الكيمياء بحاجة الكثير من المفردات باللغة الكردية غير معروفة؛ هي موجودة لكن منسية بحكم عدم تداولها وعدم التدريس بهذه اللغة".

حسن أوضحت أن الحضارة الأقدم خرجت من موزوبوتاميا وكل العلوم تطورت على أساس حضارات هذه المنطقة، لكن ولان اللغة الكردية لم تكن يوماً في العصر الحديث لغة دولة ولغة مناهج ضاعت الكثير من المفردات الكردية. وهنا لابد من تعميق الدراسة للغة الكردية والوصول إلى كل تلك المفردات والكلمات الغير متداولة والمنسية عبر الدراسة والبحث ودراسة اللهجات الكردية والتواصل مع جميع اللغوين الكرد وبالباحثين في الخارج وأجزاء كردستان الاخرى. هدفنا ومسؤوليتنا هو وضع أساس كل عمل يخدم اللغة الكردية في روج آفا وباقي أجزاء كردستان. كما اشارت الى انهم يهدفون لعقد مؤتمر عام على مستوى أجزاء كردستان الأربعة للوصول إلى وحدة في اللغة الكردية واللهجات الكردية. إلى الأن لا يوجد قاموس كردي موحد يحاكي الكرد في أجزائه الأربعة.

كما أوضحت كولي حسن أن مؤسسة اللغة الكردية منفتحة على كل أجزاء كردستان والخارج وعلى كل المبادرات التي تخدم اللغة الكردية من قبل المثقفين، الباحثين واللغويين الكرد من اجل تطوير اللغة الكردية بما يخدم المناهج والتدريس بشكل علمي وعصري.

من جانبه أوضح "جوان ديركي" أستاذ بكلية الأدب الكردي في جامعة روج آفا أن الهدف من تشكيل المجمع اللغوي بشكل عام هو لإجراء دراسات معمقة للغة، جمع الكتب، المنشورات والمخطوطات باللغة الكردية ودراستها، عبر لجان خاصة.

واضاف أن الكثير من دول العالم بدأت بتشكيل المجمع اللغوي قبل البدء بالتدريس ووضع المناهج الدراسية حيث قال "على سبيل المثال المجمع اللغوي العربي في سوريا تشكل في العام 1919 على يد المفكر الكردي محمد كرد علي وكان رئيساً للمجمع، وفي العراق أيضاً تأسس المجمع العملي العراق أيضاً تأسس على يد شاعرين كرديين معروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي عام 1949. وما يحذ في النفس أن الكرد والى اليوم لم يخدموا لغتهم بهذا الشكل تحت تأثير العاطفة الدينية والإسلامية, وكانت كل جهودهم تنصب في خدمة لغات أخر. لهذا بناء وتشكيل مجمع اللغة الكردية بحاجة إلى إمكانيات ودعم معنوي ومادي وجهود العديد من المختصين الكرد في محال اللغة الكردية والتدقيق والتوثيق. وهناك حاجة إلى مراكز للترجمة، البحث والدراسة والتوثيق، والظروف في روج آفا مواتية لكن للأسف هذه الخطوة تأخرت. عشرات الألاف من الطلاب اليوم يتلقون تعليهم باللغة الكردية ولهذا المجمع ضرورة ملحة لتفادي تشتت المفردات والمصطلحات العملية.

وتابع مسؤولية تشكيل هذا المجمع تقع على عاتق الإدارة الذاتية بجهاتها المختصة وهيئة التربية والتعليم، وعلى الهيئة أن تسرع في اتخاذ هذه الخطوة، ومن جانب أخر على اللغويين والباحثين في مجال اللغة الكرية أيضاً أن يوحدوا جهودهم في هذا المجال لان واجب أخلاقي يقع على عاتق الجميع. الأهم هو اتخاذ الخطوة الأولى في هذا المجال، لكن هناك معوقات كثيرة، منها جهود اللغويين الكرد فردية، عدم وجود مؤسسة أو مظلة تضم هذه الجهود، عدم وجود هؤلاء الباحثين واللغويين في مكان واحد قسم في أجزاء كردستان وقسم أخر في أوروبا ودول العالم، عدم وجود كوادر إدارية مختصة تهتم بهذه الخطوة. الإمكانات ضعيفة وهذا امر واقع لكن هذا لا يعني عدم الاهتمام بالشكل الكافي بانشاء المجمع وتأخير تشكيله.

بدورها الرئيسة المشتركة لهيئة التربية والتعليم "سميرة حاج علي" شددت على أهمية تشكيل المجمع اللغوي الكردي، إلى جانب جميع المسائل الاخرى المتعلقة بتطوير العملية التعليمية واللغة الكردية، بحيث أن هذا المجمع سيؤدي إلى وحدة في اللغة وتذليل الصعوبات في مسيرة التعليم باللغة الكردية على مستوى أجزاء كردستان الأربعة.

وقالت: "تعدد اللهجات الكردية يشكل عائق العملية التعليمية, لهذا من الضروري جداً توحيد جهود اللغويين الكرد تحت مظلة واحدة للخروج بنتائج تخدم اللغة الكردية الفصحى في مناهج التعليم, كذلك تطوير اللغة لتكون مواكبة للعلوم, والتكنولوجيا. وعليه هناك نقاشات عديدة في هذا الاطار والكثير من اللغويين والباحثين الكرد يركزون على هذه الخطوة, لكن وحتى الأن هناك تقصير من قبل الجميع في هذه النقطة.

كهيئة التربية ناقشنا موضوع تشكيل المجمع اللغوي الكردي هنا في روج آفا, وبعد تشكيل مؤسسة اللغة الكردية في روج آفا سيكون عاملاً مساعداً في تشكيل هذا المجمع. مؤسسة اللغة الكردية تهتم بجميع جوانب اللغة الكردية وهي قادرة على تشكيل منصة تضم جميع اللغويين الكردي المهتمين بشتى المجالات ومنها موضوع المجمع اللغوي. أيضاً وكخطوة أولى للخوض في تشكيل هذا المجمع الذي لم يتشكل بعد ناقشنا فكرة عقد اجتماع لجميع المهتمين باللغة الكردية بجميع مجالاتها، لطرح ومناقشة كل المسائل المتعلقة باللغة والخروج بنتائج توضح معالم الخطوة التالية، ويشارك في هذا الاجتماع اللغويين الكرد من جميع أجزاء كردستان وأوروبا.

وتابعت: "بالصفة الرسمية هيئة التربية مسؤولة عن اتخاذ خطوة في هذا الجانب، لكن هناك شروط تفرض على الهيئة بشكل وأخر تفوق قدرات وإمكانيات الهيئة، وهذا هو السبب الرئيسي في عدم تشكيل هذه المؤسسة، كذلك اقتصار المبادرات على الجانب الفردي وليس الجماعي أي أن هناك ضعف في المبادرة وبشكل لا يلبي المطلوب على الرغم من أهميتها. من وجهة نظرنا العمل الجماعي سيكون له نتائج أفضل ويلبي طموحاتنا وطموحات المجتمع بشكل عام، لكن العمل الفردي وكما قلت رغم أهميته لا يبلي رغبتنا.

وأوضحت حاج علي أن موضوع المجمع اللغوي كان احد اهم المسائل التي تم مناقشتها من قبل هيئة التربية وكان لابد من وضعها في إطار خطة عمل خلال هذا الصيف لكن حتى الأن لم تتشكل لجنة تحضيرية لوضع برنامج خاص لها.