شاهد على مذابحه ضد الكرد: تظاهرنا بالموت بين الجثث للنجاة من جنود صدام

"عندما رأيت القبور كنت أرتجف. كنت أبكي"، هكذا تحدث ناج كردي من مذابح قوات الطاغية صدام حسين ضد الكرد في العراق، موضحا أنه تمكن من التظاهر بالموت للنجاة.

وكشفت هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" في تقرير لها عن استمرار البحث عن المصير المجهول لآلاف من ضحايا النظام العراقي السابق، مؤكدة أن الناجين لا يزالوا يبحثون حتى اليوم عن مصير ذويهم في المقابر الجماعية التي تكتشف واحدة تلو الاخرى.

وتحدث تيمور عبد الله أحمد عن ذكرياته وشهادته على أحد تلك المذابح، وقال انه مساء أحد الأيام، في شهر مايو/ أيار 1988، عندما كان يبلغ من العمر 12 عاما، حين أُرغم هو وعشرات من الأطفال والنساء الآخرين، على النزول في حفرة صحراوية وأطلق الجنود العراقيون النار عليهم.

وتابع: "لقد رأيت أمي تقتل أمام عيني. لم أستطع حمايتها. بعد ذلك رأيت شقيقتيَّ تقتلان أمام عيني".

ويتذكر أحمد، البالغ من العمر 43 عاما، بالتفاصيل الدقيقة كيف قتل الرصاص والدته واثنتين من أخواته، ويقول: "أتذكر هذه اللحظة مرارا. أفكر في الأمر عندما أذهب للنوم".

كانت عمليات القتل تلك جزءا من حملة للعقاب الجماعي، عرفت باسم "الأنفال" من قبل الحكومة العراقية ضد الشعب الكردي في الشمال، حسبما ذكرت بي بي سي.

وتقول هيومن رايتس ووتش إن ما يصل إلى 100 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، لقوا حتفهم في عمليات تطهير عرقي ممنهجة، والتي تضمنت استخدام أسلحة كيميائية، بينما تقدر مصادر كردية هذا الرقم بأكثر من 180 ألف قتيل.

في ذلك الوقت، كان أحمد ووالدته وأخواته يعيشون في كولاجو، وهي قرية صغيرة نائية كان يقطنها نحو 110 أشخاص، وجميعهم من نفس العائلة الكبيرة.

وعندما فتح الجنود النار على اقاربه، أصابت رصاصة أحمد في ذراعه الأيسر. يقول: "أطلقوا الرصاص بالقرب من رأسي وكتفيَّ وساقيَّ. كانت الأرض بأكملها تهتز. كان المكان ممتلأ بالدماء. تلقيت رصاصتين أخريين في ظهري. كنت أنتظر موتي".

وذكر أحمد نجا بأعجوبة، وتظاهر بأنه ميت حتى غادر الجنود. ثم تمكن من الخروج من بين الجثث، والهروب في جنح الليل.

في النهاية وصل أحمد إلى خيمة عائلة بدوية اعتنت به، وبقي معهم لمدة ثلاث سنوات، حتى تواصل مع أحد أقاربه الباقين على قيد الحياة وعاد إلى الشمال، حيث كان لا يزال يتعين عليه الاختباء من السلطات.

في عام 1996 حصل على حق اللجوء في الولايات المتحدة، حيث يعيش الآن.

وفي عام 2009، بعد الإطاحة بصدام حسين، عاد أحمد إلى العراق وعثر على موقع المذبحة.

ويقول: "عندما رأيت القبور كنت أرتجف. كنت أبكي".

"لقد اتصلت بالحكومة العراقية، وقلت لهم إنني بحاجة إلى إبلاغي بأي قرار يتعلق بالقبور".

وفي يونيو/ حزيران من العام الجاري، بدأت السلطات العراقية في حفر موقع القبور دون إخطاره، لإعادة دفن الجثث في المناطق الكردية.

وحين علم أحمد من أصدقاء له بما كان يحدث، سافر للعراق جوا من الولايات المتحدة.

تم بالفعل انتشال أكثر من 170 جثة من الموقع، لكن أحمد يقول إن الأشخاص الذين أجروا عمليات استخراج الرفات، تركوا بعض عظام ومقتنيات الضحايا في الموقع.

وذكر أحمد أنه ينخرط الآن في مواجهة مع السلطات العراقية، واتخذ إجراءات قانونية لمنعهم من نبش القبر، الذي يعتقد أنه يحتوي على جثث والدته وشقيقتيه.

ويقول إنه فقط عندما يوافقون على القيام بالعمل بشكل صحيح و"باحترام"، وتلبية المطالب الأخرى، مثل محاكمة المسؤولين عن المذبحة، فإن عمليات استخراج الجثث حينها يجب أن تمضي قدما.