ثمانية أعوام منذ بدايتها.. ثورة أم أزمةٌ أثقلت كاهل سوريا؟

في ظلّ تفرّد حزب البعث بسلطة مركزيّة مستبدّة وقمعيّة طيلة أكثر من 4 عقود في سوريا, كان لا بدّ من حراك جماهيريّ شعبي مطالبٍ بالحرّية, وهذا ما حدث في آذار العام 2011, حيث بدأ الحراك على شكل ثورةٍ شعبيّة, سرعان ما تحوّل إلى أزمة فتكت بسوريا عامّة.

في يوم الثلاثاء 15 آذار من العام 2011 خرجَ العشرات من المدنيّين في مظاهرة بالعاصمة دمشق, بدأت من الجامع "الأموي" بالقرب من سوق "الحميديّة" ووصلت لمنطقة "الحريقة" حيث ردّدوا شعارات وهتافات مطالبة بالحرّية, واجهتهم قوى الأمن بالقوّة واعتقلت العديد منهم, فيما بادرت مجموعة من "مؤيّدي" رئيس النظام السوري, بشّار الأسد إلى الخروج في مسيرة مضادة وهتفت فيها بحياة الأسد.

وفي اليوم التالي سارت مظاهرة أخرى نحو مبنى وزارة الداخليّة في ساحة "المرجة" وسط دمشق, لكنّ قوى الأمن تدخّلت مجدّداً وفضّت المظاهرة واعتقلت على إثرها نحو 32 مشاركاً فيها.

هكذا كانت البداية, شعارات تطالب بالحرّية وإطلاق سراح المعتقلين ورفع حالة الطوارئ, لكن مع توسّع رقعة المظاهرات, والتي شملت مدناً أخرى بعد درعا, تطوّر الشعار إلى إسقاط النظام ورحيل بشّار الأسد عن الحكم, بعد أن تعرّضت التظاهرات السلميّة لقمع من قبل أجهزة الأمن السورية, وفقاً لرواية المعارضة.

في مقابل ذلك, كانت للحكومة السوريّة روايتها, حيث أكّدت مراراً وتكراراً, من خلال تصريحات مسؤولين كبار ووسائل إعلامها, أنّ الدولة السوريّة تواجه "عصابات مسلّحة إرهابيّة".

وفي يوم الجمعة 18 آذار بلغت حركة الاحتجاجات وفقَ ناشطي المعارضة مدن درعا (من المسجد العمري) ودمشق (من الجامع الأموي) وحمص (من جامع خالد بن الوليد) وبانياس (من مسجد الرحمن). وفي درعا أطلقت قوات الأمن السورية الرَّصاص الحي اتجاه المتظاهرين السلميِّين, ما أدى إلى سقوط 4 قتلى. وفي الأسبوع التالي لهذه الأحداث كانت مدينة درعا وقراها موقعاً لاشتباكات عنيفة بين الأمن والمحتجين انتهت بحلول نهاية الأسبوع بسقوط 100 إلى 150 قتيلاً من جانب المتظاهرين بنيران الأمن.

في يوم الجمعة التالي 25 آذار خرجت الاحتجاجات من رقعتها الضيقة في محافظة درعا وانتشرت في أنحاء سوريا لتشمل العديد من المدن والبلدات المختلفة تحتَ شعار "جمعة العزة" ومنها درعا والصنمين وداعل والشيخ مسكين ودمشق (في كفرسوسة وسوق الحميدية) وحمص وحماة وبانياس واللاذقية. وفي درعا نجحَ المتظاهرون في إسقاط وتحطيم تمثال للرئيس السابق حافظ الأسد, كما أن المحافظة شهدت خلال اليوم ذاته مجزرة في بلدة الصنمين راحَ ضحيتها أكثر من 17 قتيلاً سقطوا بنيران الأمن خلال توجههم من الصنمين نحو درعا.

لم يكن للخطاب, الذي ألقاه بشّار الأسد في 31 آذار, أيّ أثر في تغيير منحى الاحتجاجات المندلعة, بالرغم من أنّ الخطاب تضمّن رفع حالة الطوارئ, عفواً عامّاً عن السجناء, إعادة الجنسيّة للكرد السوريّين الذين حُرموا منها بموجب قوانين بعثيّة شيوفينيّة منذ العام 1963, بالإضافة إلى إقالة الحكومة وتكليف "ناجي العطري" بتشكيل حكومة جديدة, كما أمر بحلّ محكمة "أمنّ الدولة", دون فائدة, حيث ازداد عدد المناطق التي خرجت فيها المظاهرات يوماً بعد يوم.

في 9 آب بدأ تصعيدٌ غير مسبوق في مستوى الضغوط الدولية على نظام بشار الأسد, إذ أعلنت السعودية والكويت والبحرين سحبَ سفرائها من سوريا, وألقى الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز خطاباً دعى فيه الأسد إلى بدء الإصلاحات فوراً, وهو ما عدَّه البعض تدخلاً مفاجئاً وغير معتاد منه, وفي اليوم ذاته أصدرت الجامعة العربية أوَّل بيان لها فيما يخص الاحتجاجات منذ بدئها, وقد دعت فيه إلى وقف العنف في البلاد.

وفي 17 آب سحبت الأمم المتحدة العديد من موظفيها في سوريا وقيّدت الولايات المتحدة حركة الدبلوماسيين السوريين لديها, فيما استدعت تونس السفير السوري لديها.

18 آبفقد كان يوماً محورياً في تحوُّل الخطاب الدوليِّ تجاه نظام بشار الأسد بشأن الاحتجاجات, حيث أعلنت كلّ من الولايات المتحدة الأمريكية, فرنسا, بريطانيا وألمانيا فالاتحاد الأوروبي وبعدها كندا أنّ  بشار الأسد قد فقد شرعيَّته بالكامل وباتَ عليه التنحِّي فورياً عن الحكم.

في 22 آب توجهت بعثة مجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إلى مدينة حمص لتقييم الوضع الإنساني فيها, وذلك بعد وصولها إلى دمشق قبل يوم واحد, وبعد أن كان قد تقرّر إرسالها إلى سوريا في 19 أغسطس. وعندَ وصول البعثة احتشدَ المتظاهرون لاستقبالها في ساحة الساعة وسط المدينة, لكن ما إن غادرت البعثة حتى فتحت قوات الأمن النار على المتظاهرين وأردت منهم 6 قتلى (وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان). وبعدَ هذه الأحداث طلبت السلطات من البعثة مُغادرة المدينة لما وصفته أسباباً أمنية, فيما اعتبرت البعثة أن ذلك بسبب المظاهرات التي أثارها مجيئها.

كما شهدَ يوم الأحد 28 آب حدوث أوَّل انشقاق جماعي في الغوطة (أرياف دمشق) منذ بدء الاحتجاجات, وهي المنطقة المحيطة بالعاصمة. إذ أفادَ بعض السكان بانشقاق عشرات الجنود عن الجيش في بلدة حرستا شرق العاصمة بعد أن شاهوا قوات الأمن تُطلق النار على مظاهرة مسائية كبيرة في البلدة، وتبادلوا إطلاق النار بعد ذلك لفترة مع القوات النظامية.

وبدأت المواجهات المسلّحة بين الجيش الحر والجيش السوري, لكن بشكل محدود وعلى نطاق صغير, سرعان ما توسّعت لتأخذ شكل معارك كبيرة في بدايات العام 2012, الذي شهد استخدام قوّات النظام أسلحة ثقيلة, وبدأت عمليّات القصف تطال العديد من المدن.

ومع مطلع شهر آذار من العام 2012, دخل سلاح الجوّ على الخط, مع ازدياد عدد الملتحقين بالجيش الحر, وقصفت المروحيّات القتاليّة مناطق عدّة, حيث اتّهمت المعارضة السورية قوّات النظام بأنّها تقصف بالبراميل المتفجّرة, الأمر الذي أنكره مسؤولو النظام مرّات عدّة, منهم بشّار الأسد الذي نفى معرفته بوجود براميل متفجّرة, خلال لقاء تلفزيوني.

وفي شهر تمّوز, بدأت الطائرات الحربيّة بعمليّات القصف, في المقابل حصل مقاتلو الجيش الحر على معدّات عسكريّة متقدّمة, ولأوّل مرّة بعد عدّة أشهر من القتال, تمكّنوا من تدمير مصفّحات لجيش النظام وإسقاط طائرات ومروحيّات حربيّة.

في 17 تمّوز, أعلنت قوّات المعارضة السوريّة إطلاق عمليّة "بركان دمشق وزلزال سوريا", وشهد اليوم التالي تفجير مبنى "الأمن القومي" الذي أدّى إلى مقتل عدد من القيادات الأمنيّة والسياسيّة والعسكريّة البارزة في النظام السوري منهم وزير الدفاع داؤود راجحة ونائبه أصف شوكت (صهر بشّار الأسد) وحسن تركماني معاون رئيس الجمهوريّة. وتزامناً مع ذلك, دخلت قوّات المعارضة إلى مدينة حلب, بعد اندلاع معركة عنيفة أدّت إلى تقاسم كلّ من المعارضة والنظام السيطرة على المدينة, التي تعتبر كبرى المدن السوريّة, ولها أهمّيتها الاقتصاديّة والاستراتيجيّة.

لتتسارع الأحداث بعدها بوتيرة متصاعدة, وتدخل الثورة السوريّة مرحلة الصراع المسلّح على شكل "حرب أهليّة", شملت مناطق واسعة من الأراضي السوريّة, كان وقودها المدنيّون العزّل, إلى جانب سقوط الآلاف من القتلى في صفوف الأطراف المتصارعة, سواء النظام والميليشيات المساندة له, أم المعارضة المسلّحة الإسلاميّة منها والمعتدلة.

شهدت العشرات من المدن والبلدات السوريّة نزوحاً جماعيّاً مروّعاً للأهالي المدنيّين, نتيجة عمليات القصف المتبادل بين النظام والمعارضة, ولجأ الآلاف ومن ثمّ مئات الآلاف إلى دول الجوار السوري, كالأردن, لبنان وتركيا في البداية, ومن ثمّ إلى أوروبا, ودُمّرت مدن بأكملها, وباتت البنية التحتيّة في العديد من المناطق السوريّة هشّة بسبب استهدافها المتعمّد من قبل قوّات النظام السوري والفصائل المسلّحة على حدّ سواء.

ومع التدخّلات الخارجيّة في سوريا, اتّخذت الأزمة منحىً جديد, وبات الصراع في سوريا صراع المصالح الإقليميّة والدوليّة. روسيا وإيران اللتان تدعمان النظام السوري, ودول الخليج, تركيا ومن خلفهم الولايات المتّحدة الأمريكيّة تقف خلف المعارضة وتدعمها بالمال والسلاح, لكن ليس بالمستوى المطلوب, وفقاً لروايات المعارضة السوريّة.

في البداية, ساندت روسيا النظام السوري دبلوماسيّاً, وذلك من خلال منعها لتمرير مشاريع في مجلس الأمن الدولي تدين النظام واستخدامه للقوّة ضدّ المدنيّين, إذ استخدمت حقّ النقض (فيتو) 12 مرّة منذ بدء الأزمة:

في شباط 2012 أحبط فيتو روسي صيني مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة ودول أوروبية والجامعة العربية طالب بسحب القوّات العسكريّة من المدن والبلدات وضمان حرّية التظاهر السلمي.

في تموز 2012, عطّلت روسيا والصين مجدّداً مشروع قرار تقدّمت به بريطانيا وفرنسا بشأن وقف العنف في سورية, وتمديد مهمة المراقبين الدوليّين.

في أيار 2014 عطّلت روسيا مشروع قرار يتعلق بإحالة ملف الحرب السورية للمحكمة الجنائية الدولية, ما كان سيمهد لملاحقة مسؤولين في النظام السوري عن ارتكابهم جرائم حرب, وفقاً لنصّ مسودّة المشروع المقدّم.

في تشرين الأول 2016 صدر فيتو روسي آخر ضدّ مشروع اقترحته فرنسا وكان يدعو إلى وقف عمليات القصف في حلب, وفرض "حظر طيران عليها".

في كانون الأول 2016 عطّلت موسكو وبكين مشروع قرار طالب جميع الأطراف المتقاتلة في حلب بهدنة مدتها سبعة أيام.

في شباط 2017, صدر فيتو روسي صيني ضدّ مشروع قرار يتضمّن فرض عقوبات على النظام السوري بعد اتهامه باستخدام أسلحة كيماوية ثلاث مرات في الفترة بين 2014 إلى 2015.

في نيسان من العام ذاته, عطّل البلدان مشروع قرار آخر دعمته واشنطن ولندن وباريس كان يسعى إلى تعزيز الجهود الخاصة بإجراء تحقيقات حول الهجوم الكيماوي على خان شيخون في إدلب, والذي أسفر عن مصرع حوالي 70 شخصاً.

في شهري تشرين الأول وتشرين الثاني 2017, لجأت روسيا ثلاث مرات للفيتو ضدّ تمديد عمل لجنة التحقيق الدولية في استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية.

في 10 نيسان 2018, استخدمت موسكو حقّ الفيتو من جديد لمنع إصدار قرار لمجلس الأمن كان سيفضي إلى إنشاء آلية تحقيق مستقلّة حول استخدام الأسلحة الكيماويّة في سوريا, وجاء ذلك بعد الهجوم على مدينة دوما.

ظهور تنظيمات إرهابيّة في المشهد السوري

فيما يتعلّق بالفصائل الإسلاميّة الراديكاليّة في المشهد السوري, شهد أواخر العام 2011 ظهور "جبهة النصرة", الذراع السوري لتنظيم القاعدة, وأُعلن عن تأسيسها رسميّاً في شهر كانون الثاني بقيادة "أبو محمّد الجولاني". وتمكّنت الجبهة خلال فترة قصيرة من البروز كأقوى الفصائل المسلّحة ضمن قوى المعارضة العسكريّة, لما كان لمسلّحيها الأجانب خبرة قتاليّة وميدانيّة, وشاركوا في صراعات عدّة في العراق وأفغانستان. وفيما بعد غيّرت جبهة النصرة تسميتها لتصبح "هيئة تحرير الشام".

أمّا ظهور تنظيم داعش, فكان في 29 حزيران من العام 2014, حيث أعلن المتحدّث باسم التنظيم أبو محمّد العدناني في تسجيل صوتي تأسيس "الدولة الإسلاميّة" ومبايعة أبي بكر البغدادي خليفة للدولة. وكان هذا الإعلان إثر خلافات بين تنظيم القاعدة وقادة داعش, حيث وصف تنظيم القاعدة أولئك القادة بالإسراف في الإجرام, بينما يعتبر قادة داعش أنفسهم امتداداً لتنظيم القاعدة في العراق, الذي أسّسه أبو مصعب الزرقاوي في العام 2004 لمحاربة القوّات الأمريكيّة التي أسقطت نظام صدّام حسين حينها.

تمكّن داعش من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السوريّة, ونشر الرعب والخوف في المناطق التي تحكّم بها, من خلال عمليّات القتل متعدّدة الأشكال بين قطع الرؤوس والحرق والإعدامات الميدانية والقبور الجماعيّة.

وسرعان ما بادر عدد من أمراء جبهة النصرة إلى مبايعة داعش, ليلتحق بالتنظيم عدد كبير من المسلّحين وتتوسّع رقعة الأراضي التي يسيطر عليها, على حساب تقلّص مساحات النصرة وغيرها من الفصائل.

ولم يكن الانتصار على تنظيم داعش ممكناً لولا المقاومة التي أعلنتها وحدات حماية الشعب ومن ثمّ قوّات سوريا الديمقراطيّة,  إذ بعد سيطرة التنظيم على الموصل في العراق والرّقة في سوريا, باشر بشنّ هجوم واسع على كوباني, بدأت العلاقة بين الوحدات والتحالف الدولي, وكانت بداية نهاية التنظيم الإرهابي.

الإدرة الذاتية لشمال وشرق سوريا

في خضمّ الأحداث الميدانيّة المتسارعة في عموم سوريا, تمّ الإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطيّة في منطقة الجزيرة السوريّة أوّلاً, ومن ثمّ لكوباني وعفرين فيما بعد. هذه الإدارة المؤلّفة من مكوّنات منطقة شمال سوريا, من الكرد, العرب, السريان, الآشور, التركمان وغيرها والتي اتّخذت "الخطّ الثالث" في الصراع السوري, وأصبحت قوّات سوريا الديمقراطيّة القوّة العسكريّة التي تمثّل هذه الإدارة.

تمكّنت الإدارة الذاتية, وفقاً لمراقبين للشأن السوري بالعموم, من الحفاظ على حقوق مكوّنات منطقة شمال وشرق سوريا, إذا بدأت الإدارة على شكل تشاركي بين كلّ تلك المكوّنات, وذلك من خلال مؤسّساستها العسكريّة, الأمنيّة, الخدميّة والمجتمعيّة. كما يُكتب لها أنّها حاربت قوى الإرهاب المتطرّف المتمثّلة بتنظيم داعش وقبله جبهة النصرة وغيرها من الفصائل.

التدخّل العسكريّ الروسي أنقذ النظام السوري

بعد تراجع قوّات النظام السوري على جبهات عدّة, رأت روسيا أنّ تدخّلاتها الدبلوماسيّة غير كافية لبقاء النظام, فكان قرار الرئيس الروسي, فلاديمير بوتين بتوجيه ضربات جوّية في سوريا, بعد أن حصل على تفويض مجلس الاتحاد الروسي, وشنّت المقاتلات الروسيّة أولى غاراتها بتاريخ 30 أيلول من العام 2015, الأمر الذي غيّر موازين القوى لصالح النظام الذي سرعان ما بدأ بعمليّات عسكريّة واسعة, بالتعاون مع حزب الله اللبناني والميليشيات الإيرانيّة, ضدّ مواقع فصائل المعارضة, وتمكّن من استعادة السيطرة على مناطق تباعاً, وباتت المعارضة تسيطر على مناطق في شمال وشمال غربي سوريا, تحديداً ريف حلب الشمالي وريف حماة, وذلك بعد أن سلّمت مناطق عدّة في جنوب سوريا, الغوطة في ريف دمشق, ريف حمص الشمالي, الزبداني وغيرها. وذلك بأوامر من الدولة التركيّة التي تحتضن الائتلاف السوريّ المعارض, بصفته الراعي السياسي للفصائل المسلّحة, حيث أنّ أنقرة اتّفقت مع كلّ من موسكو وطهران في اتّفاق "خفض التوتّر", الذي نتج عنه تسليم كلّ تلك المناطق للنظام السوري.

فشل الجهود الأمميّة لحلّ الأزمة في سوريا

لم تثمر كلّ الجهود الأمميّة في إيجاد حلّ سياسيّ للأزمة السوريّة, فلا اجتماعات جنيف تمكّنت من ذلك, ولا مثيلاتها في آستانا وسوتشي, في ظلّ تعنّت أطراف الصراع على مواقفهم, إذ أصرّت المعارضة ومن ورائها الدول الداعمة لها على شرط رحيل الرئيس بشّار الأسد عن الحكم وتأسيس مرحلة انتقاليّة بدونه, وإعداد دستور جديد لسوريا, الأمر الذي رفضه النظام على الدوام, وأصرّ على بقاء الأسد وقيادته للمرحلة الانتقاليّة, ما أدّى إلى تصاعد العنف وقتل وتشرّد الملايين من السوريّين, إلى جانب دمار كامل شهدته مدن سوريّة.

الدولة التركيّة جزء من معاناة الشعب السوري

التدخّل التركي كان له الأثر السلبيّ الأكبر في الأزمة السوريّة, وذلك بسبب الطموحات التوسّعية لسلطات حزب العدالة والتنمية برئاسة رئيس الوزراء السابق والرئيس الحالي رجب طيّب أردوغان  خارج حدود تركيا. حيث استغلّت أنقرة الأزمة من نواحٍ عدّة, استثمرت في ملفّ اللاجئين السوريّين وابتزّت أوروبا بهذا الملف, استمالت أطراف عسكريّة من المعارضة السوريّة وجنّدتها لصالح مشاريعها في شمال سوريا, توّجتها باحتلال جرابلس, الإعزاز والباب, ومن ثمّ عفرين. كما لعبت على أوتار صراع النفوذ بين روسيا والولايات المتّحدة في سوريا.

فمن جهة, ادّعت تركيا أنّها الراعي الأوّل لحقوق الشعب السوري, ومن جهة أخرى وضعت اتّفاقيات عدّة مع كلّ من روسيا وإيران, اللتين تقفان خلف بقاء النظام السوري الذي تعتبره أنقرة غير شرعيّ ويقتل الشعب السوري, وهكذا استثمرت قدر إمكانها في هذا الصراع الدموي وباتت سبباً آخر من أسباب معاناة الشعب السوري.

ناهيك عن دعم الدولة التركيّة للكثير من الفصائل الإرهابيّة, كجبهة النصر (بات اسمها هيئة تحرير الشام), تنظيم داعش, الحزب التركستاني, أحرار الشام وغيرها من التنظيمات التي مارست القتل والتنكيل بأبناء الشعب السوري.

مناطق توزّع القوى في سوريا

سيطرة قوّات النظام وحلفائه على 60.2% من مساحة الأراضي السورية بمساحة بلغت 111526 كلم مربع.

سيطرة قوّات سوريا الديمقراطيّة على 28.9% بمساحة 53389 كلم مربع.

سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على 2.2% بمساحة بلغت 4090 كلم مربع. ممثلة بجيب كبير في البادية السورية بغرب الفرات.

سيطرة الفصائل الإسلامية وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) والفصائل الإرهابيّة الموالية للدولة التركيّة على نسبة 8.7% من مساحة الأراضي السورية بمساحة بلغت 16175 كلم مربع.

إحصائيّات

وفقاً لإحصائيّات المرصد السوري لحقوق الإنسان, قُتل 371222 شخصاً على الأراضي السورية, منذ انطلاقة الثورة السورية في الـ 15 من آذار من العام 2011 وحتّى الذكرى الثامنة للثورة السورية في الشهر ذاته من العام 2019, وتوزّعت الخسائر البشرية على النحو التالي:

القتلى المدنيون السوريون 112623، بينهم 21065 طفلاً دون سن الثامنة عشر, و13173 مواطنة فوق سنّ الثامنة عشر.

فيما بلغ عدد المقاتلين السوريين في صفوف الفصائل المقاتلة والإسلامية وقوات سوريا الديمقراطية وفصائل وحركات وتنظيمات أخرى 64477, كذلك وصل عدد المنشقين عن قوات الجيش إلى 2621.

كما ارتفع عدد القتلى من قوات الجيش إلى 65187, فيما وثق المرصد من قوات الدفاع الوطني والمسلحين السوريين الموالين للنظام:: 50484، بينما بلغ قتلى حزب الله اللبناني 1677, في حين بلغ عدد قتلى المسلحين غير السوريين الموالين للنظام والمسلحين من "الطائفة الشيعية" 8109.

أيضاً وثق المرصد من مقاتلي الفصائل الإسلامية وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة) وتنظيم داعش الإرهابي والحزب الإسلامي التركستاني وتنظيم جند الأقصى وتنظيم جند الشام والكتيبة الخضراء وجنود الشام الشيشان والحركات الإسلامية من جنسيات لبنانية وعراقية وفلسطينية وأردنية وخليجية وشمال أفريقية ومصرية ويمنية وإيرانية وأفغانية وسودانية وجنسيات عربية ثانية 65726, بينما بلغ مجموع مجهولي الهوية "موثقون بالأشرطة والصور" 318.

وبلغ عدد الذين قتلوا تحت التعذيب في سجون النظام 88000, بالإضافة إلى 4500 شخص مختطف لدى تنظيم داعش (مصيرهم مجهول), و4700 من قوّات الجيش السوري أيضاً مختطفون ومجهولو المصير, وكذلك الأمر بالنسبة لنحو 2000 شخص اختطفتهم الفصائل المسلّحة ولا يزال مصيرهم مجهولاً.

ويقول المرصد السوري أنّ العدد الحقيقي للقتلى يزيد نحو 100000 أكثر من الأعداد التي تمكّن من توثيقها.