تحرّكات دوليّة بخصوص "حماية" شمال سوريا من التهديد التركي ولا انسحاب أمريكي واضح

منذ إعلان الرئيس الأمريكي, دونالد ترامب عن سحب قوّات بلاده من سوريا, وما رافقته من موجة احتجاجات داخل الإدارة الأمريكيّة والمواقف الدوليّة الرافضة, شهدت الساحة الدوليّة تحرّكات مكثّفة لتدارك "مخاطر" هذا القرار, خاصّة فيما يتعلّق بشمال سوريا.

جاء إعلان الرئيس الأمريكي, دونالد ترامب, في 19 كانون الأوّل الماضي, عن البدء بسحب القوّات الأمركيّة من سوريا "مفاجئاً" ليس بالنسبة للأطراف غير الأمريكيّة فحسب, بل للكثير من المسؤولين الأمريكيّين, حيث وصف البعض منهم القرار ب"الهزيمة".

ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" طفت تناقضات داخل الإدارة الأمريكيّة على السطح مع إعلان ترامب لقراره "المفاجئ والخطير", والذي اعتبرته الصحيفة "منفصلاً عن أيّ سياق استراتيجي أوسع أو أيّ سبب منطقي", فيما قال المحلّل السياسي في شبكة "سي إن إن", ستافان كولينسون, إنّ القرار "متهوّر وأربك كبار المستشارين", كما سبّب "صدمة في العالم", إلى جانب "الفوضى والارتباك" في واشنطن.

ومع تزايد الضغوطات على ترامب داخل الإدارة الأمريكيّة من جهة, ومن أطراف دوليّة من جهة أخرى, بدأ السيناتور ليندسي غراهام, المعروف أنّه أحد الحلفاء الرئيسيّين للرئيس الأمريكي, بتحرّكات "جادّة" لإظهار أنّ قرار الانسحاب لن يخدم رغبة واشنطن في مجابهة توسّع إيران حيث قال إنّ القرار "خطأ أوباماوي قامت به إدارة ترامب", في إشارة إلى سياسة ادارة أوباما المتردّدة التي جاء ترامب لتصحيحها.

وعلى الصعيد الدولي, أعلن وزيرة الدفاع الفرنسي, فلورنس بارلي أنّ تنظيم داعش في سوريا "لم يمح من الخارطة بعد, وتتوجّب هزيمته عسكريّاً بشكل تام في آخر جيوبه ومعاقله بسوريا", وفي الوقت الذي أعربت موسكو فيه عن "شكوكها" من "جدّية" واشنطن بتنفيذ الانسحاب, أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّه "متّفق إلى حدّ بعيد مع ترامب على أنّ تنظيم داعش قد انهزم".

وكموقف دوليّ صريح, طالب الرئيس الفرنسي, إيمانويل ماكرون خلال اتّصال هاتفي مع بوتين بتوفير "حماية كاملة للكرد" في سوريا لما كانت لقوّاتهم "دور بارز في الحرب ضدّ الجهاديّين", مشدّداً على ضرورة "تجنّب أيّ زعزعة للاستقرار يمكن أن "يستفيد منها الإرهابيّون".

ويشرح الكاتب الصحفي, شورش درويش دعوة باريس لحماية الكرد في سوريا بالقول: "في الغالب تريد فرنسا المحافظة على قيم الجمهورية والبعد الأخلاقي للتعاون مع الحلفاء", موضحاً في حديثه لوكالة فرات للأنباء ANF أنّ "السؤال الأخلاقي حول ’التخلّي’ عن دعم الكرد قد طرح بكثرة في واشنطن وباريس وبرلين وحتى لندن, ولكن يبقى السبب الرئيسي لطلب فرنسا هذا هو رغبتها بالابقاء على المجتمع الكردي والمقاتلين الكرد كحلفاء محتملين في حال استعادت القوى التكفيرية دورها وقوتها أو اضطربت المنطقة بشكل أكبر".

ووصف درويش  مطلب الرئيس ماكرون من نظيره الروسي ب"العقلاني", حيث أنّ ماكرون قد طلب من موسكو حماية الكرد لأنّه يربط الخروج الامريكي بحلول الروس مكانهم "لهذا لاتريد فرنسا خسارة حليف حالي ومحتمل في مرحلة لاحقة" علاوة على أنّ الموقف الفرنسي هو "اشارة واضحة لمناهضة فرنسا للتدخل والعدوان التركي حين تدفع بالروس لملء الفراغ الذي قد يحصل".

وفي تطوّر لافت في موقف برلين, دعا رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الألماني, رودريش كيسفيتر إلى إقامة منطقة حظر جوّي لحماية الكرد في سوريا, على اعتبار أنّ الحماية المقصودة ستكون حماية الكرد من التهديدات التركيّة, وهي الدولة التي تربطها مع ألمانيا علاقات اقتصاديّة قويّة وصفقات تجاريّة, لا سيما السلاح منها.

وحول التصريح الألماني, يقول شورش درويش "اعتقدأنّ ألمانيا تريد بهذا المطلب التهرّب من الملاحقة الاخلاقيّة التي قد تتحمل جزءاً منها نتيجة تدخّل تركيا المحتمل", مشيراً إلى أنّ هذا الموقف "جرى الحديث عنه في وقت لاحق في باريس وواشنطن".

وأضاف درويش بالقول: "لعل مسألة الحظر الجوّي تعيدنا إلى اجواء مشابهة حصلت في سوريا بعيد اندلاع الثورة السوريّة, حين ألمحت دول إلى امكانية فرض منطقة حظر جوّي ولم يتحقّق منها شيء".

ويرى الكاتب الكردي أنّه يتوجّب على ألمانيا والمجموعة الأوروبيّة "دعم الملفّ الكردي والضغط على أنقرة وثنيها عبر التلويح بفرض عقوبات عليها", مؤكّداً في الوقت ذاته أنّ "الكلام غير القابل للتحقيق يبقى مجرّد تهرب من المساءلة الاخلاقية".

من جانبه, تحدّث مسؤول العلاقات الدبلوماسية لحركة المجتمع الديمقراطي (TEV-DEM) آلدار خليل, في تصريح سابق لوكالة فرات للأنباء ANF, عن جولة خارجيّة لوفود الإدارة الذاتية في عدّة بلدان, للنقاش حول مسألة حماية شمال سوريا من التهديدات التي يطلقها الرئيس التركي, رجب طيّب أردوغان.

وقال خليل إنّ مسألة فرض الحظر الجوّي على المنطقة "من الممكن أن تطرح على المفوضيّة الأوروبيّة", إلى جانب تقديم مقترح يقضي بنشر قوّات دوليّة على الحدود تكون فاصلة بين تركيا وشمال سوريا "لطالما تدّعي تركيا أنّ هذه المنطقة تشكّل خطراً على أمنها"منوّهاً إلى النقاشات التي تمّت في موسكو كانت لأجل "الضغط على روسيا للقيام بدورها وتوفير حماية" لشمال وشرق سوريا من "اجتياح تركيّ محتمل".

كما كشف القيادي الكردي عن استعدادهم "مجدّداً" للتفاوض مع الحكومة السوريّة في دمشق, بهدف الوصول إلى اتّفاق "يلعب بموجبه النظام السوري دوره في حماية الحدود, بشرط الاعتراف بالإدارات المحلّية التي تأسّست في مناطق عدّة بشمال سوريا".

بالتزامن مع هذه المواقف والتحرّكات الدوليّة, خرج الرئيس الأمريكي ليعلن أنّ بلاده ستسحب قوّاتها من سوريا "ببطء", نافياً أنّه قد حدّد مهلة للانسحاب, فيما أكد السيناتور غراهام أنّ ترامب وافق على إعادة تقييم قراره بشأن الانسحاب الفوري من سوريا "بطريقة ذكية وبطيئة" وذلك في تصريحات للصحفيين خارج البيت الأبيض.

بيد أنّ وزير الخارجيّة الأمريكي, مايك بومبيو, وفي تصريحه لموقع نيوزماكس الإخباري, كان أكثر وضوحاً حينما قال إن الولايات المتّحدة تريد ضمان "ألاّ تذبح تركيا الكرد" في سوريا مع انسحاب القوات الأمريكية من شمال وشرق سوريا, في الوقت الذي شدّد فيه مستشار الأمن القومي, جون بولتون أنّ بلاده "ستقف بقوّة مع حلفائها الذين قاتلوا إلى جانبها" ضدّ تنظيم داعش, متحدّثاً عن جولة مشاورات تتضمّن إسرائيل وتركيا في هذا الصدد, وما ستؤول إليه النتائج بعد الانتهاء من هذه الجولة, ستحدّد ما إذا الرئيس التركي سينفّذ تهديداته أمّ ستبقى مجرّد تصريحات تخدمه في انتخابات آذار القادمة في تركيا.