الهلال الأحمر الكردي.. من مجموعة متطوّعين إلى منظّمة إنسانيّة إغاثيّة

مع بداية هجمات المجموعات الإرهابيّة المسلّحة على مدينة سرى كانيه (رأٍس العين) في أواخر العام 2012 وتهجيرها لنحو 35 ألف من أهالي المدينة, برزت الحاجة لمنظّمة إغاثية تتولّى دعم ومساعدة أولئك المهجّرين, خاصّة في غياب النظام السوري عن المشهد حينها.

"منذ بداية الأزمة في سوريا تعرضت مناطق شمال وشرق سوريا للهجمات, في نهاية العام 2012 هاجمت مجموعات مسلحة تابعة لجبهة النصرة ومجموعات مسلحة أخرى إلى مدينة سري كانيه (رأس العين), حينها قاموا بتهجير نحو 35 ألف من أهالي المنطقة, وكانت أوضاعهم الصحية سيئة للغاية, مع أن الأزمة كانت في بدايتها إلا أن الدولة السورية لم تكن قادرة على تقديم المساعدة الطبية والإنسانية للمهجرين. وهنا قمنا مجموعة مؤلفه من عشرة أشخاص من الكوادر الطبية والمتطوعين بتشكيل فرقة صحية لتقديم المساعدة الطبية لنازحين من أبناء مناطق روج آفا. اجتمعنا في عامودا وشكلنا الهلال الأحمر الكردي. منذ البداية تمكن الهلال من إثبات دوره الفعال في مناطق الصراع وخلال عدة اشهر كل المساعدات التي كانت تصل إلى روج آفا كان تسلم إلى الهلال الأحمر الكردي ليقوم بدورها بتوزيعها على المستفيدين. فيما بعد قمنا بتطوير العمل وفتح المزيد من المراكز إلى أن أصبحت المنظمة معروفة وبدأت علاقة الهلال تتمدد. هنا جميع المساعدات التي كانت تأتي من شمال وجنوب كردستان وأوروبا ترسل بشكل مباشر إلينا".

هكذا يشرح لنا عضو مجلس الإدارة في الهلال الأحمر الكردي, دلكش عيسى في حديثه لوكالة فرات للأنباء ANF, بدايات تأسيس المنظّمة العاملة في المجال الإغاثيّ الإنساني في شمال وشرق سوريا, حيث يقول "مع تطوّر الأحداث في عموم سوريا وخاصة في مناطق روج آفا, زادت حجم المساعدات التي كانت تصل إلينا, من بين المساعدات كانت سيارات إسعاف. وهنا قمنا بتفعيل الفرق الطبية الإسعافيه من اجل الوصول إلى مناطق الصراع وإجلاء المصابين والجرحى في مناطق المعارك. وقمنا بفتح نقاط طبية في المناطق تجمعات المدنيين لتقديم المساعدة. كما قمنا بفتح المستوصفات في جميع المدن في شمال وشرق سوريا".

"هدفنا كان هدف إنساني, تقديم المساعدة الطبية وتأمين الأدوية والمستلزمات اللوجستية لتخفيف معاناة المهجرين والنازحين, كذلك تأمين الأدوية للجميع في مرحلة فرض حصار شديد على مناطق شمال سوريا".

وخلال هجوم تنظيم داعش الإرهابي على مدينة كوباني, كان للهلال دور بارز في تقديم الخدمات الطبية للمصابين, كا يوضح عيسى مضيفاً "زملاؤنا في الهلال كانوا حتى اللحظة الأخيرة متواجدين إلى جانب أبناء المدينة ويقدمون لهم كل الإسعافات. كذلك ومنذ بداية شهر آب/أغسطس 2014 حينما هاجم تنظيم داعش مدينة شنكال أيضاً كان لنا دور كبير في تقديم المساعدة وحينها استقبلنا ما يقارب 112 الف مدني, الهلال حينها كان يقدم كل المستلزمات والمساعدات لمهجري شنكال وعلى مدار خمسة عشر يوم كانت جميع الفرق الطبية تستقبل اهالي شنكال الذين كانوا بحاجة إلى مساعدة طبية إلى جان تقديم المستلزمات اليومية لهم".  

وكذلك الأمر في كلّ حملات تحرير المناطق من داعش في منبج, عين عيسى, الطبقة والرقة ومؤخّراً دير الزور, دائماً ما كانت الفرق الطبية التابعة للهلال متواجدة في مناطق الحرب لإجلاء المصابين والجرحى "دون أي تمييز", وفقاً لدلكش عيسى الذي يتابع قائلاً "في الكثير من الحالات كان فرقتنا تقوم بإسعاف مصابي تنظيم داعش وتقدم لهم الإسعافات الأولية".

"كمنظمة, هدفنا مراعات وتطبيق مبادئ الصليب الأحمر الدولي وفي جميع مناطق التي تشهد معارك نكون نحن الطرف الثالث الذي يعمل على معالجة الجرحى من أي طرف كان".

وللهلال الأحمر الكردي فروع عدّة تتوزع في مناطق شمال وشرق سوريا, في منطقة الشهباء, وفرع في مدينة حلب حيّ الشيخ مقصود, منبج, كوباني, الطبقة, والرقة. وفي إقليم الجزيرة توجد أربعة فروع (المنطقة الشرقية, الوسطى, الجنوبية والغربية), أمّا الإدارة العامة فمركزها في مدينة قامشلو.

ويعمل الهلال بالتنسيق مع الكثير من الجهات الدولية والمحلية على تقديم المساعدة الطبية, تامين الأدوية, تقديم الدعم النفسي للمدنيين, السيطرة على الأمراض والأوبئة, في المخيمات والمدن. على المستوى الدولي والعالمي منظمة الهلال والصليب الأحمر تقومان بتقديم المساعدة في كل حالات الطوارئ أثناء الكوارث الطبيعية. وفي مناطق الصراعات وكطرف ثالث تقدم المساعدات الطبية, اللوجستية, فتح المخيمات وتوزيع الأغذية والاحتياجات الأساسية للمتضررين. 

"نحن كهلال احمر كردي استطعنا أن نكسب تلك الثقة من قبل جميع المنظمات والجهات الدولية والمحلية ونتلقى الدعم من قبل الجميع".

كما يعمل في الكثير من المجالات مع منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة (UN) وأيضاً مع المنظمات الدولية الأخرى. وشراكة الهلال الأساسية هي مع منظمة جسر الإيطالي للعالم (UPP) الإيطالية. في نهاية عام 2015, دخلت هذه المنظمة إلى روج آفا وقامت بزيارة إلى جميع مراكز الهلال الأحمر الكردي وعليه قدمت الكثير من الدعم لتلك المراكز من أدوية ومستلزمات طبية, وتطورت هذه الشراكة وتشكلت الثقة وعليه "بدأنا معاً بمشاريع كبيرة, بالتنسيق مع منظمات أخرى وعملنا مشترك في جميع المخيمات المتواجدة في شمال وشرق سوريا, كذلك العمل مشترك في خمسة مستشفيات وسبعة مراكز صحية تقدم خدمات رعاية صحية شامله. كذلك لنا تنسيق كبير منذ سنتين ونصف مع منظمة (IRC) الدولية في مستوصف في موجود في مدينة تربه سبيه وهذا المستوصف يقدم رعاية طبية شاملة, وحالياً مستوصف أخر في منطقة أبو خشب. كما أن هناك تنسيق فيما بيننا وبين منظمة (Save the Syria) في الكثير من المشاريع الدعم النفسي وحالياً لنا شروع صحي كامل في مخيم عين عيسى. لنا تنسيق مع الحكومة الفرنسية عن طريق الأمم المتحدة وقدمت الحكومة الفرنسية دعماً لمخيم الهول لمدة سنتين بشكل متواصل ولايزال الدعم مستمر. الحكومة الإيطالية أيضاً قدمت الدعم من اجل ترميم احد المستشفيات في الرقة (مستشفى الأطفال والأمراض النسائية). كذلك مع بداية تحرير الرقة قدموا لمركزين في شرق وغرب المدينة سياسات إسعاف من اجل تقديم المساعدة الطبية للجرحى والمصابين", بحسب ما شرحه لنا دلكش عيسى.

وفيما يتعلّق بالتنسيق مع المؤسّسات والقوّات العسكريّة في شمال وشرق سوريا, يطلب الهلال من تلك القوّات تقديم الأمن وفتح الطرقات لنقل المصابين, "بصفة منظمة إنسانية فمن حقنا أن نطلب دخول أي منطقة لإجلاء المصابين وتقديم المساعدات الطبية والمساعدات الإنسانية للنازحين والمنكوبين". 

"الجهات العسكرية تقدم لنا المعلومات حول درجة الخطورة عن المنطقة التي نرغب بالدخول إليها والتقدير يكون على مسؤوليتنا".

بالنسبة لأرقام وإحصائيات النازحين واللاجئين المقيمين في المخيّمات التي ينشط فيها الهلال الأحمر الكردي, في مخيم الهول وصل عدد النازحين إلى 63000. في الفترة الأخيرة وبعد بدء عملية تحرير منطقة الباغوز من تنظيم داعش, توجه نحو 50000 إلى مخيم الهول, قبل شهرين كان عدد الأشخاص في مخيم الهول بين 12-13 ألف منهم نازحين ومنهم من لاجئي العراق. مخيم السد يصل العدد إلى 10 ألاف شخص, في مخيم أبو خشب لا تتوافر لدى الهلال إحصائيات دقيقة. مخيم عين عيسى حوالي 13 الف و500 شخص. مخيم روج توجد فيه نحو 150 من عائلات لمرتزقة داعش, مخيم نوروز الذي فتح لاستقبال مهجري مدينة شنكال العدد غير معروف, مخيمات الشهباء وهي أربعة, العدد يزداد وتنقص بحسب الظروف.

ويضيف عضو مجلس الإدارة في الهلال الأحمر الكردي بالقول "يوجد لدينا في مخيم الهول مركزين (نقطتين طبيتين) يقدّمان الدعم الطبي للنازحين بدعم من قبل الحكومة الفرنسية والإيطالية. ومع وصول عائلات داعش إلى المخيم استنفرت كل طواقمنا الطبية في المخيم وكذلك أرسلت فرق طبية أخرى لمساعدة الفرق الموجودة. بنينا خيمة استقبال للكشف على جميع القادمين من مناطق القتال, قبل الفرز الأمني طلبنا من إدارة المخيم أن تسمح لنا بفحص الوافدين إلى المخيم من اجل الفرز الصحي. الحالات التي كانت تستدعي نقلها إلى المستشفيات تم نقلها وحالياً جميع المشافي في مدينة سريه كانيه, تل تمر والحسكة مليئة لهذا يتم نقلهم إلى مدن أخرى. اغلب المصابين هم من الأطفال والنساء ويعانون من أمراض وإصابات. هناك صعوبة نتيجة الأعداد الكبيرة في المخيم, المشكلة التي نعاني منها هي عدم تعاون من قبل عائلات مرتزقة داعش, مؤخراً قاموا بمهاجمة احد نقاطنا الطبية, لا نعلم السبب لكن نتمنى أن عدم تكرار ذلك".

"يوجد في مخيم الهول 28074 مواطن عراقي, عدد العائلات العراقية 7990 عائلة, السوريين 27066 شخص, عدد العائلات السورية 7891 عائلة, الأجانب 4987 شخص, عدد العائلات الاجنبية1501 عائلة". 

ويوضح دلكش عيسى أنّ الرئاسة المشتركة للهلال الأحمر الكردي قامت بجولة أوروبيّة, زارت خلالها عدّة دول بهدف مناقشة أسرى تنظيم داعش لدى قوّات سوريا الديمقراطيّة ممن يحملون جنسيّات تلك الدول, مؤكّداً أنّها طرحت "قضية إعادة هذه العائلات والمرتزقة لان هؤلاء اصبحوا يشكلون عبئ كبير على الإدارة الذاتية ومصدر قلق لشعوب ومكونات شمال وشرق سوريا. كمنظمة لدينا سجلات وإحصائيات قدمناها لتلك الدول التي قمنا بزيارتها ومنها إسبانيا, فرنسا, إيطاليا, ألمانيا والعديد من الدول الأوروبية. وتم تذكيرهم بقضية مواطنيهم الموجودين في روج آفا وضرورة إيجاد طريقة لإعادتهم إلى بلادهم". لكنّ استجابة تلك الدول ليست بالمستوى المطلوب حتّى الآن.

وفنّد عيسى الاتّهامات الموجّهة لإدارة المخيّمات التي تأوي النازحين واللاجئين من حيث سوء المعاملة والتمييز العنصري معهم قائلاً "التعامل مع الموجودين في المخيم هو على اعلى درجات التعامل الإنساني والأخلاقي متكامل". مستدركاً بالقول "لكن بالنظر إلى الأعداد الهائلة التي وصلت إلى المخيم أي نحو خمسين ألف شخص وصلوا إلى المخيم خلال شهرين فسيكون هناك تقصير في بعض الجوانب. فحتى كبرى المنظمات الدولية والعالمية دائماً تعلن أنها تواجه المشاكل والصعوبات في استقبال أعداد اقل بكثير من هذا العدد من اللاجئين".

ويشير عضو مجلس الإدارة في الهلال الأحمر الكردي إلى أنّ المنظّمة لديها "استنفار كامل" منذ ما يقارب الشهرين "خاصّة في آخر 15 يوم", كما تقوم جهات أخرى في الإدارة الذاتية بتقديم "المساعدات الممكنة" لأولئك النازحين, موضحاً حصول بعض حالات الوفاة "والسبب هو أن هؤلاء الأطفال لم يحصلوا على أي مساعدات طبية ورعاية صحية في مناطق داعش وعندما خرجوا من الباغوز كانوا متوفين بسبب سوء التغذية وأمراض معدية. نحن قدمنا كل المساعدة ونقلنا المرضى إلى كل المستشفيات منهم لا يزالون يتلقون العلاج والبعض يعاني أمراض مزمنة حتى افضل المستشفيات عاجزة عن معالجتهم".

"نحن كمنظمة الهلال الأحمر الكردي نقدم الدعم والرعاية الصحية للأطفال الإيزيدين المحررين مؤخراً من أيدي تنظيم داعش. نحاول قدر الإمكان تقديم المساعدات الطبية, النفسية واللوجستية لهم لحين إرسالهم إلى ذويهم في شنكال. وفي جميع زياراتنا لهم نقدم لهم كل المساعدة".

يُتبع..