اتفاقات تركية روسية حول مصير إدلب.. والأهالي ينددون بالغدر التركي

أطلقت روسيا هدنة من جانب واحد وإيقاف عملياتها العسكرية في منطقة خفض التصعيد في إدلب، بعد تقدم كبير أحرزته إلى جانب قوات النظام السوري في الريف الشمالي من حماه، والدولة التركية تعترف بجريان الأمور على عكس آمالها في منطقة إدلب.

أعلن الجيش الروسي يوم أمس الجمعة، هدنة تبدأ اعتباراً من الساعة السادسة من صباح يوم السبت، وتلتزم بها قوات النظام السوري، وتشمل الهدنة وقف جميع العمليات العسكرية في منطقة خفض التصعيد في إدلب.

وتأتي هذه الهدنة عقب تقدم واسع أحرزته قوات النظام السوري بالتعاون المباشر مع الجيش الروسي براً وجواً، في الريف الشمالي من حماه والتي كانت استعادة بلدة خان شيخون إحدى نتائج تلك العملية العسكرية التي بدأت في 5 آب الجاري.

وقال أبو عمر الإدلبي قائد لواء الشمال الديمقراطي " إن هذه الهدنة التي أعلنتها روسيا، ليست سوى استراحة مقاتل وإعادة تموضع للقوات الروسية والميليشيات الايرانية وقوات النظام السوري، بعد أن تمكنت من تحقيق تقدم كبير في ريف حماه الشمالي، وسرعان ما ستبدأ حملتها العسكرية من جديد باتجاه إدلب للوصول إلى الطريق الواصل ما بين حلب اللاذقية وتأمين طريق حلب دمشق، بحسب الاتفاق الروسي التركي".

وفي سياق متصل أشار القائد العام للواء ثوار إدلب، اسكندر علاء، إلى أنها ليست المرة الأولى التي تعلن فيها روسيا وقوات النظام السوري وقف إطلاق النار، وقال " أعلنت روسيا والنظام السوري في وقت سابق عن هدنة أخرى، ولكنها لم تدوم يومين، إلى أن عاد الطيران الروسي إلى قصف المناطق والتمهيد لتقدم قوات النظام السوري على الأرض، ومن المهم أن نعلم أن الدول الراعية لاتفاق خفض التصعيد متفقة تماماً على ضرورة التنسيق لمحاربة الإرهاب في إدلب."

وأضاف القائد العام للواء ثوار إدلب " هذه الهدنة تهدف إلى إعادة ترتيب صفوف قوات النظام السوري والقوات الروسية في المنطقة التي سيطرت عليها مؤخراً، ووضع الخطط الروسية التركية حول كيفية السيطرة على الفصائل المسلحة في تلك المنطقة، وهذا يعني أن الدولة التركية قد باعت الفصائل المسلحة الموالية لها وغدرت بهم، بالإضافة إلى أن الوصول لعقدة المواصلات الدولية في سراقب وتأمين محيطها تعتبر من الأولويات الاستراتيجية لكل من روسيا وتركيا."

وشهدت منطقة إدلب غلياناً شعبياً من الأهالي والفصائل المسلحة في ردة فعل تعتبر الأقوى على التخاذل التركي في وجه تقدم قوات النظام السوري وتزايد القصف الروسي وحالات النزوح الكبيرة التي تشهدها منطقة إدلب.

وأشار اسكندر علاء في هذا الخصوص إلى أن الأمور لا تجري لصالح أردوغان وحكومته في إدلب، ويمكن أن تكون هذه التهدئة بناءً على طلب تركي، وقال " هذه الهدنة تهدف من جانب آخر إلى التخفيف من الغضب الشعبي تجاه تخاذل الدولة التركية، وإظهار الدولة التركية مرة أخرى في موقف المنقذ، على أنها هي التي تدخلت في إقرار الهدنة."

وبالنسبة للتنسيق المشترك ما بين روسيا وتركيا، توصلت الدولتان وفق اتفاق سوتشي في 17 سبتمبر 2018 إلى ضرورة إنشاء منطقة منزوعة السلاح على عمق 15- 20كم تفصل بين قوات النظام السوري وقوات المعارضة المسلحة، ولكن الجانب الروسي والنظام السوري أتهمتا الدولة التركية بعدم تقيدها بتنفيذ بنود الاتفاقية، نظراً لرفض هيئة تحرير الشام الإرهابية (جبهة النصرة سابقاً) القبول بما تسمى بالمنطقة العازلة.

وفي 8 آذار الماضي أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، بدء القوات التركية إلى جانب القوات الروسية بدوريات مشتركة في منطق خفض التصعيد في إدلب.

وقال القائد العام للواء ثوار إدلب علاء اسكندر بهذا الخصوص " بما أن الدوريات التي تقوم بالعمل على فتح الاوتسترادات الدولية وتأمين محيطها هي دوريات روسية تركية مشتركة، من المؤكد أن نقاط المراقبة أيضاً ستكون مشتركة في الفترة القادمة ما بين الدولة التركية وروسيا، كما أن هناك اتفاق روسي تركي على إنشاء منطقة منزوعة السلاح على أطراف الطريقين الدوليين (حلب- دمشق) و (حلب- اللاذقية) بعمق 20 كم على كل طرف، ومن الواضح جداً أن التعاون والتنسيق ما بين الدولة التركية وروسيا سيكون وثيقاً جداً وخاصة بعد الزيارة التي قام بها أردوغان إلى موسكو مؤخراً، إلى درجة يمكننا القول أن التحرك سيكون مشترك في كل شيء في منطقة إدلب في المرحلة القادمة.

وكانت قوات النظام السوري بدعم روسي على اعلى المستويات قد أعلنت عن بدء عملية عسكرية واسعة في الخامس من آب، تستهدف السيطرة على كامل الريف الشمالي من حماه في المرحلة الأولى، حيث استطاعت القوات المهاجمة تحقيق هذه النتيجة، بعد انضمام الميلشيات الايرانية إلى هذه القوات، وعدم لعب نقاط المراقبة التركية دورها في منطقة خفض التصعيد.

ويشير الكثير من السياسيين والعسكريين إلى وجود صفقة تركية روسية على غرار المصالحات التي تمت كذلك برعاية روسية وتركية، وإشراف مركز المصالحة الروسي.

وقال قائد لواء الشمال الديمقراطي " تأخر القوات التركية في الانسحاب من نقاط المراقبة بهدف إبطاء المرحلة، أدى إلى حصار نقطة المراقبة التركية في مدينة مورك، ووضعت تركيا في وضع محرج حيال أتباعه من الفصائل المسلحة في إدلب، ويتضح أنه ستكون هناك نقاط مراقبة مشتركة."

وبقاء نقطة المراقبة التركية في مورك، فتحت باب الاستفسار والشك عن طبيعة الاتفاق التركي الروسي بشأن منطقة إدلب، مما دفع بالأهالي والفصائل المسلحة في إدلب إلى الإشارة إلى تخاذل الدولة التركية مع روسيا بهدف تسليم المناطق وصولاً إلى أوتوستراد حلب دمشق وحلب اللاذقية.

وانطلقت تظاهرة كبيرة في إدلب يوم أمس الجمعة، شارك فيها الآلاف من سكان إدلب توجهوا صوب معبر باب الهوى بهدف الدخول إلى الأراضي التركية، هرباً من القصف الروسي وتقدم قوات النظام السوري والميليشيات الايرانية.

حيث شهدت هذه التظاهرة لأول مرة في إدلب إحراق علم الدولة التركية وصور أردوغان، ودعوة الدولة التركية إلى القيام بواجبها كدولة ضامنة وحمايتهم.

وتطرق القائد العام للواء ثوار إدلب اسكندر علاء إلى هذه المظاهرات، وقال" المظاهرة التي اندلعت أمس في إدلب والمتوجهة صوب معبر باب الهوى، تأخرت كثيراً ومن المهم جداً أن تستمر هذه المظاهرات، أصبح الشعب في إدلب يدركون حقيقة اردوغان وسياساته وألاعيبه في سوريا، حيث لم تقتصر سياساته على إدلب فقط، بل سبقها في كل من حمص ودرعا وغوطة دمشق وحلب، وهو المسؤول المباشر عن تسليم جميع تلك المحافظات إلى النظام السوري، بموجب اتفاقات روسية تركية."

ومن جانب آخر يتوقع محللون أن هذه التظاهرة التي توجهت صوب معبر باب الهوى، حملت معها رسائل عدة: منها توجيه تحذير إلى أوروبا والتلويح بموجة مهاجرين جديدة، وكذلك التمهيد لنقل الهاربين من إدلب إلى مناطق أخرى داخل الجغرافيا السورية، وإلى عفرين تحديداً في إطار ترسيخ سياسة التغيير الديموغرافي الجارية في عفرين.

وناشد أبو عمر الإدلبي جميع أهل إدلب إلى الحذر والابتعاد عن السياسات الأردوغانية الهادفة إلى إحداث تغيير ديموغرافي واسع وتوطين شعب مكان شعب آخر، مما تدعم سياساته الرامية إلى زرع الفتنة بين صفوف الشعب السوري.

وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها عما يجري في إدلب من أزمة إنسانية قد تؤدي إلى كارثة أخرى تضاف إلى الكوارث الانسانية في سوريا.

واشار أردوغان في خطابه يوم أمس، إلى أن الأمور في إدلب لا تسير على ما يرام، وهناك مخاوف جدية من حدوث كارثة إنسانية على حد زعمه.

وفي الوقت الذي تشهد فيه إدلب تصعيداً خطيراً من قبل روسيا وقوات النظام السوري، وتخاذلاً من الجانب التركي، يتساءل الأهالي في إدلب "أين هو طريق الخلاص...؟"

وكان للقائد العام للواء ثوار إدلب نداءً موجهاً للأهالي في إدلب بهذا الخصوص، يقول فيه" على جميع الأهالي والشعب السوري في إدلب أن يستيقظوا من سباتهم، ويدركوا أن الدولة التركية متفقة مع روسيا والنظام السوري وتعقد صفقاتها على حساب دماء هذا الشعب كما في السابق، وكذلك السيطرة العظمى للفصائل الإرهابية مثل هيئة تحرير الشام على إدلب، تعطي الذريعة الشرعية لاستهداف المنطقة من قبل الطيران الروسي في ظل التخاذل التركي، ولذلك لا بد لشعبنا أن يدرك أن طريق الخلاص لا يمر عبر تركيا والفصائل المسلحة الموالية لها، وهذا لن يجلب لإدلب وشعبها سوى المزيد من القتل والدمار، وعلى شعبنا في إدلب مناشدة الرأي العام العالمي وكذلك قوات التحالف الدولي التي تعمل ضد الإرهاب في سوريا، إلى القيام بواجبها في محاربة الإرهاب في إدلب وإنقاذ شعب إدلب من براثن آلة القتل الروسية وتشبيح قوات النظام السوري، والخلاص من الخدعة التركية.

وتسبب التصعيد المستمر للعمليات العسكرية في إدلب منذ أربعة أشهر، أكثر من 560 ألف شخص إلى النزوح من المنطقة والتسبب في قتل أكثر من 1000 مدني في إدلب.

وتشهد سوريا نزاعا دامياً تسبب منذ اندلاعه في العام 2011، ويقدّر عدد القتلى منذ بداية الحرب 511 ألف حتى مارس/آذار 2018، وخلفت سنوات من القتال المستمر 6.6 مليون نازح داخلي و5.6 مليون لاجئ في جميع أنحاء العالم، وفقا لـ "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".