أكثر من مجرد زيارة أولى من نوعها.. دوافع التحرك السوداني نحو "دمشق"

فاجأ الرئيس السوداني مشهد الأزمة السورية المعقد بزيارة إلى دمشق هي الأولى من نوعها لرئيس عربي، بعد سنوات من مقاطعة نظام الأسد عربياً، بقرار جماعي من مجلس جامعة الدول العربية، منذ خريف العام 2011.

في وقت تتزايد فيه الدعوات لإعادة تفعيل الحضور العربي في أي تسوية محتملة للحرب، وانعكس ذلك في صورة دعوات لحضور دمشق في القمم العربية المقبلة سواء القمة الاقتصادية في لبنان، أو القمة العربية المقبلة في تونس.
حلفاء النظام السوري وخاصة روسيا أكدوا عدة مرات وخاصة على لسان وزير الخارجية سيرجي لافروف على ضرورة تفعيل دور الجامعة العربية في الأزمة السورية، لكن شريطة اعادة سوريا الى مقعدها الذي فقدته نتيجة لعدم استجابة النظام السوري لمحاولات الجامعة العربية في المرحلة المبكرة للأزمة السورية، ولكن ايضا اعداء النظام السوري السابقين اتفقوا في هذه النقطة، فكان مشهد اللقاء والترحيب الحار، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بين وزيري خارجية سوريا والبحرين، وهي الدولة الخليجية التي كانت مواقفها متطابقة مع الرؤية السعودية لتغيير النظام، والتي كانت تطالب لسنوات برحيل الأسد عن السلطة.

ومعروف عن النظام السوداني، سرعة تبدل التحالفات ونهج الاستدارة المفاجأة في توجهات السياسة الخارجية، مما أثار التساؤلات حول دوافع النظام السوداني من هذه الزيارة "الاستطلاعية"، التي استمرت لساعات قليلة، ولم يسبق الاعلان عنها إلى بعد عودة الرئيس عمر البشير إلى مطار الخرطوم مساء الأحد.

ليست زيارة مفاجئة.. وأصابع تركيا وقطر حاضرة

النظام السوداني القريب جدا من نظام حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة رجب طيب اردوغان، وكذلك الحليف للنظام القطري، والذي يتمتع في نفس الوقت بعلاقات متوازنة مع المحور المواجه الذي يضم السعودية والامارات ومصر، جعل من الصعب تحديد اتجاه تلك الزيارة ومدى ارتباطها بأي من المحورين الذين يحاول النظام السوداني الحفاظ على علاقات متوازنة بينهما، إلا ان تزامن زيارة الرئيس السوداني مع تأكيد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على إمكانية الانفتاح على نظام الأسد، خلال حضوره منتدى الدوحة، قبل يومين، قد رجح وجود تنسيق سوداني-تركي في هذه الخطوة، في الوقت الذي يهدد فيه أردوغان بعملية في الشمال السوري، وتتزايد حاجته لتحييد موقف دمشق إزاء تلك المعركة التي يسعى من خلالها لمواصلة احتلاله لأجزاء من الشمال السوري.

ويرى صلاح لبيب الكاتب الصحفي المهتم بالشأن التركي والباحث المتخصص في العلاقات الدولية ان زيارة البشير لدمشق ليست مفاجئة فقد كانت الخرطوم من الدول القليلة في العالم التي ابقت علي اتصالات رفيعة مع النظام السوري، ولم تنقطع الزيارات بين البلدين علي مدار سنوات الثورة السورية، حيث تبادل النظامان زيارات لوزراء ومسؤولين امنيين علي مدى السنوات السابقة.

وتأتي هذه الزيارة لتثير الكثير من الجدل حول تأثير تحالفات البشير الاقليمية علي خطواته السياسية، بحسب لبيب، الذي يعتقد ان لعلاقات البشير الواضحة بالمحور التركي القطري الدافع الابرز لهذه الزيارة فقد سبق ان قام البشير بجهود للتصالح بين قطر وسوريا في عام 2012، كما ان تركيا تعد لتطبيع سياسي مع النظام السوري.

وأكد الباحث على أن الشواهد تشير الي ان زيارة البشير اقرب للمحور الذي ينشط فيه حاليا، وهو القطري التركي وقد تزامنت الزيارة مع حديث تركي عن القبول بالأسد في حال فوزه بانتخابات ديموقراطية وهو ما يناقض مواقف انقرة السابقة في رفضها القبول بالأسد حتي في المرحلة الانتقالية.

مجددا.. هل تعود سوريا للجامعة العربية؟

منذ تجميد عضويتها في مجلس جامعة الدول العربية ومنظماتها في 12 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011، وحتى اليوم، ظهرت الكثير من الدعوات الرسمية العلنية، وكذلك التقارير التي تحدثت عن الاتجاه لإعادة سوريا للجامعة العربية، سواء من جانب المؤيدين لنظام الأسد، أو حتى باب الاحتفاظ لسوريا بمشاركة وحضور يسمح بالتأثير على قرارات دمشق أو على الأقل تأكيد الحضور العربي في مساعي حل الأزمة التي تهيمن عليها أدوار القوى الاقليمية والدولية غير العربية.

ويرى الخبير في الشأن التركي صلاح لبيب انه بالنسبة لعلاقة زيارة البشير الحالية بالجامعة العربية وعودة دمشق لها، فإن: "هناك حاجة الى توافق عربي في هذا الشأن، ففي السابق ساهمت المجموعة الخليجية بقوة في تجميد مقعد سوريا بالجامعة واليوم يبدو انه من السهل ان يعود المقعد في ضوء تغير موقع السعودية من النظام، وكذلك تراجع دور قطر في المشهد السوري، واظن ان تطبيع العديد من الدول مع النظام السوري مسألة وقت".

وكانت 18 دولة عربية قد صوتت لصالح القرار بتعليق عضوية سوريا، ورفضته لبنان واليمن سوريا، فيما امتنع العراق عن التصويت، وهو الاجراء الذي اعتبرته دمشق في حينه، خضوع عربي للأجندة الأمريكية

الزيارة نتاج للعداء التركي للسعودية

ومن جانبه، يرى الخبير المصري في الشأن السوداني الدكتور هانئ رسلان أنه على الرغم من العلاقات الوثيقة بين النظامين التركي والسوداني، إلا أن زيارة الرئيس السوداني لم تكن بإيعاز تركي، وتابع رسلان في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء ANF، قائلا: "لا اظن أنه (زيارة البشير لدمشق) تحرك لتطبيع تركي قطري مع سوريا، فتركيا لديها أطماع معلنة في الأراضي السورية، وهى الان تحتل جزءا من الأراضي السورية، وإذا أرادت فتح قنوات مع الاسد، فإنها سوف تفعل ذلك بطريقتها وبما لا يتعارض مع استراتيجيتها التي دفعت لها كلفة عالية حتى الآن، وليس الالتفاف من خلال الرئيس السوداني عمر البشير".

وأعتبر "رسلان" أن الاقرب للتصور أن هذه الزيارة جاءت "بموافقة السعودية وبعلم مصري، حيث موقف مصر من سوريا معروف وهو دائما الحفاظ على وحدتها والوقوف ضد انهيارها لحساب "داعش" وشراذم التكفيريين.. وتبدو هذه الزيارة كإشارة لتغير في الاستراتيجية الخليجية (السعودية) تجاه سوريا، بعد بروز عداء تركيا للسعودية بشكل واضح.. وربما يكون هذا مقدمة لعودة سوريا إلى مقعدها الطبيعي في الجامعة العربية، لكن ذلك قد يكون تدريجيا، وبطريقة الخطوة خطوة وليس بطريقة القفز بالزانة".