"هناك حاجة إلى استراتيجيات لإدارة الثورة"

وذكرت آسيا عبد الله أن هناك حاجة إلى استراتيجيات أقوى لإدارة الثورة، وقالت: "يجب على جميع النساء حماية حيهن كمقاتلات، وتمثيل جميع النساء في المجالات السياسية وإدارة التنظيم الاجتماعي".

وكانت قد انطلقت صباح اليوم الثلاثاء، أعمال الملتقى الأول لثورة المرأة على مستوى الشرق الأوسط في قاعة جامعة روج آفا بمدينة قامشلو، تحت شعار "بتكاتف المرأة سنحمي مكتسبات الثورة ونطورها".

بعد الانتهاء من كلمتي الناطقة باسم منسقية مؤتمر ستار رمزية محمد، وعضوة هيئة الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي  (PYD)، فوزة يوسف، بدأت أعمال الجلسة الأولى للملتقى بعنوان "تقييم ثورة المرأة خلال عشر سنوات"، والتي تضمنت أربعة محاور عن (وضع المرأة ومستوى تنظيمها وعملها قبل الثورة، وكيف نظمت النساء أنفسهن وكيف أخذن مكانهن ضمن الثورة، وأهم إنجازات ومكتسبات المرأة خلال عشر سنوات، وانضمام النساء الأمميات إلى الثورة).

محور وضع المرأة ومستوى تنظيمها وعملها قبل الثورة، تم إلقاؤه من قبل الرئيسة المشتركة السابقة لمقاطعة عفرين، هيفي مصطفى، التي أشارت فيه إلى دور المرأة ضمن المجتمعات عبر التاريخ، وقالت: "منذ خلق البشرية وحتى يومنا هذا أخذت المرأة أكثر الأدوار تأثيراً في المجتمعات والحضارات، وهي قوة فاعلة في المجتمعات وتطورها، والنصف المهم للحفاظ على استمرارية البشرية".

تقييم وضع النساء في تاريخ سوريا

لفتت هيفي مصطفى الانتباه إلى تاريخ المرأة السورية، وقالت: "الكثير من النساء اللواتي تركن بصمتهن في تاريخ سوريا، أمثال ماويا أعظم ملكة سورية، وزنوبيا القائدة، وكليوبترا، وانتهاءً بالمرأة السورية اليوم، ففي ظل المأساة السورية، وعلى الرغم من عدم حصولها على المساحة الكافية من الحرية لتعبّر من خلالها عن مواقفها تجاه أمور الدين والمجتمع والسياسة، وتعدد أنواع القيود التي شلت حركتها، وتغيّر أشكال هذه القيود عبر الزمان والمكان، على الرغم من كل ذلك لم يتوقف تمردها واستمرت بمحاولات كسر هذه القيود، وقررت أن تصبح قائدة ملهمة بدلاً عن كونها ضحية".

وأشارت إلى دور النساء في ثوراتهن ضد الأنظمة الديكتاتورية في تاريخ سوريا، قائلة: "كان هناك حراك نسائي ذي دور بارز في إنهاء الاحتلال العثماني، ومن ثم دور فعّال في مقاومة الاستعمار الفرنسي حيث كان يتم تنظيم هذا الحراك ضمن ما يعرف بالصالونات الأدبية".

وضع المرأة الكردية في ظل الدولة القومية في سوريا

وعن وضع المرأة الكردية في ظل الدولة القومية في سوريا، بيّنت هيفي أن المرأة الكردية عانت من الاضطهاد بجميع أشكاله، القومية، والاجتماعية، والاقتصادية، والقانونية من قبل الدولة القومية، بالإضافة إلى اضطهادها من قبل الرجل والمجتمع، فالمرأة الكردية كانت ضحية مزدوجة، مرةً ضحية المجتمع الذكوري بعاداته وتقاليده، ومرة ضحية الاضطهاد القومي والجنسوي".

وأضافت: "فالدستور الذي ينص على أن الشعب في سوريا جزء من الأمة العربية، يرسخ الاضطهاد القومي ويحرم المرأة الكردية وجميع النساء من الأقليات والقوميات الأخرى من هويتهن الحقيقة، بالإضافة إلى حرمانهن من هويتهن الجنسية".

مشيرة إلى تطبيق مشروع الإحصاء الجائر الذي جرد أكثر من 250 ألف مواطن كردي من الجنسية السورية، وحق المواطنة، بالإضافة إلى فرض حالة الطوارئ منذ عام 1963، في البلد، وخاصة في المناطق الكردية وشل النشاط السياسي بشكل عام، بالإضافة إلى اتباع سياسة التعريب ومحاولة الإبادة الثقافية من خلال منع التحدث باللغة الأم للمكونات الأخرى.

وأكدت أنه، على الرغم من ذلك، فإن الدور الأبرز في إفشال هذه السياسة كان للمرأة الكردية التي تمردت بشكل خفي وصامت، فهي التي تمسكت بالأعراف والتقاليد التي ترسخ هويتها القومية والجنسية".

ونوّهت في ختام حديثها إلى تأثير حركة حرية كردستان الذي تأسس عام 1978، على واقع المرأة، قائلةً: "مشاركة المرأة بإعلان تأسيس هذه الحركة شجعت الأولى في روج آفا المتعطشة للانعتاق من العبودية والعيش بكرامة، للانخراط ضمن صفوف الحركة حيث تحول التمرد الصامت المخفي إلى شكل شبه علني".

'وضع استراتيجية للثورة وفق مبدأين أولهما هوية المرأة والثاني الحماية'

 

في المحور الثاني المعنون "بكيفية تنظيم النساء لأنفسهن وكيف أخذن مكانهن ضمن الثورة"، الذي ألقته الرئيسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي، آسيا عبد الله، فنوهت إلى تاريخ ثورة روج آفا وشمال وشرق سوريا، قائلة: "في 2012 جميع الحركات والتنظيمات النسائية كان لها دور في إحياء الثورة، مثال مؤتمر ستار".

وأضافت: "خلال ثورة روج آفا وضعنا استراتيجية لانطلاقة الثورة، والكفاح ضد الذهنية القومية والسلطوية، لذلك خلال ثورة 2012، كان له ميراث. وهو كفاح النساء الثوريات خلال أعوام الثمانينات في شخص الشهيدة زيلان وشيلان والشهيدة دجلة، بالإضافة إلى المئات من النساء الثوريات اللواتي قررن السير نحو طريق الحرية لحماية حقوق المرأة".

وأكدت: "لذلك نستطيع القول إن هذه المرحلة منحت المرأة في روج آفا الفرصة لأن تصبح ذات إرادة وقوة، ما أثر على المجتمع والمرأة، وفتح المجال لتصعيد نضالها وكفاحها أكثر، لذلك عندما انطلقت شرارة ثورة روج آفا، كانت الأرضية مهيأة للنقاش عن كيفية تصعيد الثورة إلى جانب ثورة المرأة، ففي مؤتمر ستار (اتحاد ستار سابقاً) عام 2013، كان يتم مناقشة؛ كيف تستطيع المرأة قيادة الثورة، حتى بدأت التحضيرات للثورة ووضع استراتيجية على مبدأين أولهما هوية المرأة والثاني الحماية".

آسيا عبد الله أوضحت أن "الحراك النسائي في بداية الثورة واجه انتقادات على كيفية قيادة المرأة للثورة إلى جانب الرجل، فإن لم تقُد المرأة إلى جانب الرجل الثورة، فلا تعد ثورة، فهذه الثورة هي ثورة الذهنية الديمقراطية، لذلك فإن ثورة المرأة أصحبت الهوية الأساسية لثورة الأمة الديمقراطية في شمال وشرق سوريا".

الدعامات الأساسية التي أدت إلى إنجاع الثورة

بيّنت أن الدعامة الأساسية لنجاح ثورة روج آفا هي توحيد جهود كافة النساء على مستوى سوريا، وقالت: "فالمقاومة التي تدار في ثورتنا أصبحت مثالاً يقتدى به العالم". موضحة أنه خلال عشرة أعوام استطاعت النساء أن يصبحن صاحبات هوية.

وشددت: "لقيادة الثورة، يجب وضع استراتيجية قوية وهي الحماية التي تقع على عاتقنا جميعاً، يجب على جميع النساء أن يتحولن إلى مقاتلات لحماية أحيائهن، وعلى الصعيد السياسي يجب أن تمثل إرادة جميع النساء، وفي تنظيم المجتمع يجب على النساء تقوية نظامهن المجتمعي؛ كوننا نتعرض للهجمات، وعلى المستوى التعليمي يجب تقوية نظامنا التعليمي"

وفي ختام حديثها، ركزت آسيا عبد الله على ضرورة حل قضية المرأة في العام الـ 11 لثورة 19 تموز، وقالت: "قضية المرأة هي قضية المجتمع عامة لا يمكن فصلهما عن بعضهما، فإن لم تحل قضية المرأة فلا نستطيع حل قضية المجتمع".

مرحلة نضالية جديدة

أما المحور الثالث، فتضمن أهم إنجازات ومكتسبات المرأة خلال عشر سنوات، وأُدير من قبل عضوة مجلس المرأة في شمال وشرق سوريا، سما بكداش، التي نوّهت في بداية محورها إلى مرور عشر أعوام على ثورة 19 تموز بكدح ونضال المرأة، قائلة: "نستقبل الذكرى العاشرة لثورة 19تموز، وندخل مرحلة نضالية جديدة ترتكز على منجزات ومكتسبات ثورة روج آفا التي تعتبر ميلاداً للنساء والشبيبة، وأملاً لكافة الشعوب المضطهدة التي تتطلع للعيش بحرية وكرامة".

مؤكدة أن هذه الثورة التي تعتبر واحدة من الثورات المقدسة على مر التاريخ والتي لا تقل أهمية عن الثورة البلشفية التي حدثت في فجر القرن العشرين، حيث اكتسبت صفة تركت بصماتها على القرن بأكمله، كذلك ثورة روج آفا التي قامت على أساس أخلاقي ووجداني ضد الظلم الممتد على مدى مئات السنين، هذه الثورة التي تمثل خط الحقيقة التاريخية وتدعو الى بناء الإنسان الطبيعي ذي الجوهر الإنساني الذي يتعامل مع كل شيء في هذا الكون على أساس متوازن.

لفتت سما بكداش الانتباه إلى دور المرأة الريادي ضمن الثورة، قائلة: "شاركت المرأة في ثورة روج آفا بهويتها الخاصة ولونها كامرأة، هذه الهوية التي تستند في أساسها إلى تنظيم نسائي يعود إلى سنوات ومراحل نضالية طويلة وينطلق من مبدأ تحرر المرأة، وبهذا انغمست المرأة في النضال ضمن هذه الثورة، وكانت السباقة إلى الانتفاضة العارمة، وكانت أكثر فئات المجتمع تقديماً للتضحيات وتأثرت بتلك التضحيات".

أهم إنجازات المرأة في ثورة 19 تموز

وعن أهم المكتسبات التي حققتها المرأة في الثورة، بيّنت سما بكداش "بقيادة المرأة الكردية في روج آفا استطاعت المرأة عبر هوية مؤتمر ستار الذي ينظم نفسه وفق مبادئ أهمها الإيكولوجيا الديمقراطية وحرية المرأة، ووحدات حماية المرأة لإظهار لون المرأة الحرة في العالم، استطاعت ان تلعب دوراً أساسياً في ممارسة السياسة الديمقراطية التي تسعى إلى تطبيقها في المجتمع انطلاقاً من المبادئ التي قامت على أساسها الثورة".

وأضافت: "وقد ألقت انتصارات المرأة بتأثيرها على العالم أجمع من الناحية المعنوية والروحية، كما أظهرت قوة المرأة الحرة ونضالها من أجل الحرية، وولائها الوطني واستعدادها للتضحية والفداء من أجل قضيتها وقضية مجتمعها، كل هذا كان سبباً في نشر ضياء الأمل وبعث بشائر الحرية إلى نساء العالم أجمع".

مشاركة النساء بجدارة في كل مجالات الثورة

وسلطت سما الضوء على أبرز المكتسبات التي حققتها المرأة خلال عشر سنوات من الثورة، كانت أهمها مشاركة المرأة في الإدارة الذاتية الديمقراطية، قائلة: "في الوقت الذي تشهد فيه بعض المناطق والدول العربية تغيراً خجولاً في مجال مشاركة المرأة في العملية السياسية والوصول إلى مراكز صنع القرار، نجد أن المرأة خاضت في مناطق الادارة الذاتية وخلال السنوات العشر الماضية تجربة كبيرة على صعيد مشاركتها في الحياة السياسية والعامة حيث حضرت المرأة بشكل بارز في مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية". 

وتابعت: "إلى جانب ذلك، تمكنت المرأة من تحقيق العديد من المكتسبات المهمة لجميع النساء والمجتمع عامة، أبرزها تطبيق نظام الرئاسة المشتركة في مؤسسات شمال وشرق سوريا، بالإضافة إلى مشاركتها في المجال السياسي والعدالة ومجال الدفاع والحماية الجوهرية بريادة، ومشاركتها بشكل بارز في المجال الدبلوماسي والإعلام والاقتصاد والثقافة والفن، إلى جانب تمكنها من إصدار قانون خاص بها في الإدارة الذاتية".

أما محور انضمام النساء الأمميات إلى الثورة، فقد تم إلقائه من قبل الناشطة البرازيلية والفنانة الأممية روجدا داندارة، قالت فيها: "هنا نشارك الخبرة والمعرفة والثقافة، من خلال المشاركة نعيش معاً، نتعلم من الأماكن والأشخاص والثقافات، هكذا ينمو الأمل، نحن بحاجة إلى بعضنا البعض للعيش والنضال".

كما قال القائد عبد الله أوجلان: "الأمل أهم من النجاح"، وأضافت روجدا داندارة: "إذ يأمل العديد من المقاتلين في تقرير مصيرهم، من أجل إضفاء البريق على الحياة اليومية في حياتنا، نجرب طرقاً مختلفة لسنوات لتغيير واقع الحياة، أتذكر عندما بدأت التمثيل، كنت أرغب في تغيير العالم. جربت بدائل مختلفة، حتى أدركت ذات يوم أنني بحاجة أولاً إلى تغيير تاريخي والانضمام إلى الكثير من المقاتلين".

وأوضحت: "خلال تعاملي مع مناضلي هذه الثورة، ومع النساء الكرديات والتعرف عن قرب على الثقافة المحلية، تعلمت أهمية الحفاظ على عقليتي يوماً بعد يوم، تحرير أنفسنا من النظام الأبوي الذي يهاجم أجساد النساء ويمرضها، لقد حررن أنفسهن من الاضطهاد الذي زرعته الإمبريالية".

وتابعت في السياق: "عندما نرى أشخاصاً مرتبطين بثقافتنا، نحصل على الشجاعة لتجاوز الحدود، نتحلى بالشجاعة للدفاع عن أنفسنا والقتال لنكون قادرين على التعبير عن ثقافة بلادنا، خاصة عندما نتحدث عن بلدان تتجلى فيها الإمبريالية والسلطة الأبوية في عنف شديد، كدول أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، من غير المقبول أن يُنظر إلى النساء اليوم على أنهن ملك للرجال وأن يُقتلن لهذا السبب".

وجاءت الناشطة البرازيلية على ذكر تاريخ معين، في قولها: "في عام 2021 كانت تُغتصب امرأة كل 10 دقائق وتُقتل امرأة كل 7 ساعات في البرازيل، في الوقت نفسه، يتم حماية المجرمين من خلال القانون من أجل المصالح الاقتصادية، ربما يعتقدون أننا سنختفي، لأنهم لا يفهمون أن قوة الخلق هي بذور الحياة، لذلك واجبنا كمناضلين لهذه الثورة، هو القتال وخلق عالم جديد والصعود إلى المسرح، ونأخذ قوتنا من هؤلاء المقاتلات اللواتي استشهدن وما زلن يعشن بيننا".

بعد الانتهاء من محاور الجلسة الأولى، بدأت النقاشات والمداخلات من قبل المشاركات في الملتقى، واتفقت جميع النقاشات على أن المرأة في عموم سوريا بحاجة إلى التجديد والمسؤولية ستكون مضاعفة على المرأة؛ لأن التهديدات التركية لا تراجع عنها.

يشار إلى أن أعمال الملتقى مستمرة في هذه الأثناء، بمناقشة الجلسة الثانية المعنونة "بنضال المرأة لحماية الثورة، ما هي الهجمات التي تستهدف مكتسبات وإنجازات الثورة"، فتتضمن ثلاثة محاور (دور وحدات حماية المرأة في حماية الثورة وتطورها، واقع المرأة في المناطق المحتلة ومقاومتها، ما هو الهجوم الإيديولوجي الذي يستهدف ثورة المرأة).