لعبة "الحوت الأزرق" تهدد بتدمير المجتمع المصري والعربي

وأجرت وكالة فرات للأنباء (ANF) تحقيقًا موسعًا حول اللعبة الخطيرة والتي انتشرت كالنار في الهشيم وباتت تحصد في الأسبوع الواحد أرواح أطفال أبرياء ينتحرون ويتركون أهلهم في حسرة وألم، أو يقدمون على قتل أولياء أمورهم في بعض الأحيان.

"الحوت الأزرق" لعبة إلكترونية أصبحت تشكل كابوسًا مؤرقًا لكل أسرة مصرية، حيث تسببت الطفرة التكنولوجية التي شهدتها مصر مؤخرًا وانتشار استخدام المحمول، إلى امتلاك الأطفال دون الـ 16 عامًا هواتف ذكية قادرة على التواصل مع العالم الخارجي بشكل مباشر رغم عدم وجود وعي كافي لديهم كي يقوا أنفسهم من شرور ومخاطر الطرف الجالس في الجانب الأخر، ما تسبب في ظل غياب الأهل إلى حالات انتحار فسرها البعض على أنها قلة خبرة من مستخدمي اللعبة، فيما فسرها البعض الآخر على أنها لعبة روحانية قائمة على استخدام الجن من قبل سحرة متمرسين لإحداث خلل وأزمة في مجتمعات العالم الثالث.

وأجرت وكالة فرات للأنباء (ANF) تحقيقًا موسعًا حول اللعبة الخطيرة والتي انتشرت كالنار في الهشيم وباتت تحصد في الأسبوع الواحد أرواح أطفال أبرياء ينتحرون ويتركون أهلهم في حسرة وألم، أو يقدمون على قتل أولياء أمورهم في بعض الأحيان، ولعل ما أثار الضجة حول اللعبة مقتل خالد نجل النائب البرلماني الشهير حمدي الفخراني، خصوصًا وأن الضحية وعمره 18 سنة كان ملتزم دينيًا ومواظب على صوم وصلاة النوافل وفقًا لرواية شقيقته ياسمين.

رأي خبراء روحانيين

كشف "م.أ" معالج روحاني رفض ذكر أسمه كاملا عن أن اللعبة تتضمن طلاسم وكلمات معينة من كتب السحر الأسود يرددها الطفل أو مرتادي "لعبة الموت"، تأتي كأمر من أدمن اللعبة تعتبر إذنا بدخول أرواح شريرة إلى المكان وتخترق الحاجز الرباني للضحية، خصوصًا وأن الأخير يقوم بتصوير كل شيء في منزله والشارع المقيم فيه بل والمدرسة ويرسل كل ذلك إلى الأدمن، مضيفًا أن إحدى ضحايا تلك اللعبة كانت فتاة عمرها 13 سنة حصلت على أمر من الساحر الذي يقوم بدور أدمن اللعبة بضرورة الانتحار، وبالفعل صعدت إلى سطح منزلها في قرية بمحافظة البحيرة ووجدت شخص يرتدي زي أسود ولا يظهر منه أي ملامح يقول لها كلمة واحدة بشكل متكرر: "انتحري"، وصعدت مسلوبة الإرادة فوق سور سطح المنزل وقبل أن تلقي بنفسها أمسكتها والدتها التي كانت تراقب الموقف عن كثب وأنقذتها من الموت وذهبت بها إليه "المعالج الروحاني" لكي تتخلص من أثار ذلك السحر.

أضاف مصدرنا أن هناك حالة أخرى وهو شاب عمره 20 سنة قرر تحدي اللعبة وهزيمتها بعد أخبار تسببها في مقتل الأطفال والمراهقين، حيث أكد له الشاب أنه فوجئ بكلمة أرسلها له الأدمن أو الساحر عبارة عن "طلسم" باللغة العبرية وعندما استطاع نطقها شعر بأشياء غريبة تحدث داخل جسده فأخذ يرتجف وحدثت له تشنجات وصراخ ثم ساعده أهله وقام وتوضأ وأدى الصلاة وحملوه إلى المعالج الروحاني.

خبراء علم النفس والاجتماع

وقد اعتبر خبراء علم النفس والاجتماع، أن الألعاب الإلكترونية العنيفة والمرعبة، مثل "البوكيمون" و"الحوت الأزرق" التي يدمنها الأطفال، تقتل فيهم "الأحاسيس والانفعالات" وتجعلهم يقبلون على إيذاء أجسادهم دون تفكير في العواقب، مؤكدين أن عقل الطفل يشبه الإسفنج، كل ما يراه يمتصه ويدخله الواقع العملي، ويقوم بتقليد كل ما يتلقاه من سلوكيات، خاصة من العالم الافتراضي وينقلها إلى واقعه الحقيقي، مؤكدين أن تعود الطفل على رؤية أدوات خطيرة وأسلحة في الألعاب الإلكترونية، يجعل عقله الباطن يتقبلها، على غرار السكين والسيف والمسدس، ويقرر استعمالها من دون خوف منها.

ونصحوا بضرورة تربية الأولاد على المراقبة الذاتية وتحمل المسؤولية، لاسيما أن التطور التكنولوجي أزاح مراقبة الأولياء مقابل خروج الإنترنت عن معناها التقليدي، فصارت ترافق الفرد في كل مكان، مع عدم التردد في اصطحاب الطفل المدمن على الألعاب الإلكترونية إلى مختص نفساني، لضمان تنشئة طفل سليم الشخصية.

حيث أكدت الدكتورة وفاء مسعود أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة حلوان، أن ثمة علامات تظهر على مرتادي اللعبة وتغيرات نفسية وجسدية لابد أن يلاحظها الأبوين خصوصًا الأم التي تتحمل المسئولية الأكبر، وأنها تأتي نتيجة الأوامر التي يتلقاها من أدمن اللعبة ، ومنها لجوء الطفل إلى الجلوس بمفرده والبقاء ساعات طويلة مع الهاتف المحمول مع ميل إلى الانطواء والاكتئاب، بخلاف 50 علامة أخرى تظهر على الطفل مع كل مرحلة من مراحل اللعبة الـ 50 مثل الجروح المتفرقة بالجسد.

وطالبت بضرورة محاسبة الأبوين والدا الضحية واتخاذ إجراءات جنائية ضدهما بتهمة الإهمال، خصوصًا وأن اكتشاف ممارسة الأطفال لتلك اللعبة ليس أمر صعب، مضيفة أن الطفل الذي يجلس على الإنترنت لمدة تزيد عن ساعة لابد من تدخل والديه لمعرفة السبب، وأنه من المفترض فرض رقابة على الأطفال الذين يختلون بأنفسهم.

وأضافت أن الطفل الضحية يكون عادة شارد الذهن بشكل مستمر ضعيف في التحصيل الدراسي، لأن اللعبة تمارس عليه سيطرة كبيرة لما لها من عمق ذهني، مع ظهور سلوك عدواني عليه في بعض الأحيان والتربص لإحداث مشكلة من أقل كلمة أو تصرف من أشقائه أو أحد أعضاء الأسرة.

وأكدت أن غياب الشخصية القيادية في مصر جعل التربويون يفشلون في إيجاد شخصية يستطيع المراهقين الانقياد خلفه مثل الزعيم جمال عبد الناصر في وقت سابق، ما جعل الأطفال ينساقون إلى تلك الألعاب، فضلا عن عدم وجود خلفية فكرية تربوية لدى الأبوين الذي يدفع الأطفال في نفس الاتجاه، مشددة على ضرورة الاهتمام في مرحلة المراهقة بتثقيف الإبن أو الإبنة بشكل يقوي علاقته بدينه ووطنه في المقام الأول.

خبراء تكنولوجيا

من ناحية أخرى كشف خبراء تكنولوجيا المعلومات، عن أنه من المستحيل تمكن الدولة من منع اللعبة وإيقاف تداولها، لأن تحميلها يتم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي فضلا عن موقع "جوجل بلاي" لتحميل التطبيقات، وكان النائب العام المستشار نبيل صادق قد طالب الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بحجب المواقع التي يتم من خلالها تحميل "لعبة الحوت الأزرق"، حيث أكد الخبراء صعوبة تحقيق ذلك لأن الفضاءات المفتوحة عبر الإنترنت من الصعب السيطرة عليها لتنوع مصادرها الانفتاح الكبير على العالم من خلال شبكة الإنترنت، وأنه من الصعب حجب مواقع "الفيس بوك" و"تويتر" و"إنستجرام" وغيرها، إلا أنهم طالبوا بضرورة رفع الوعي بتلك الألعاب وتقنين أوضاع صالات الألعاب الإلكترونية التي تصل إلى 50 ألف صالة على مستوى مصر، والتي يمارس فيها المراهقون في كثير من الأحيان تلك اللعبة، مثل حالة انتحار طفل البحيرة الأسبوع الماضي.

قال شريف عبد الباقي رئيس اتحاد الألعاب الإليكترونية، إن لعبة الحوت الأزرق ليست مصنفة كلعبة لدى الاتحاد، وأنها من اختراع علماء علم نفس أرادوا تطبيق فكرة قيادة شخص عن بعد، وأن الضحية تكون عادة مصابة بالاكتئاب، وأن فيلم "كدة رضا" للفنان أحمد حلمي سلط الضوء على وقوع البطل ضحية نصاب لجأ إليه عن طريق إعلان على الإنترنت للعلاج من حالة الاكتئاب والانطواء وضياع شخصيته بين أخوته، مؤكدًا أنه أمر متعلق بالأمن القومي والمصالح العليا للبلاد .

وأضاف أن قرار النائب العام من الصعب تطبيقه، لكنه بمثابة حث للمجتمع لمواجهة ذلك الخطر الداهم، مشيرًا إلى أن سبب الأزمة في الأساس عدم وجود قانون يعاقب على الجريمة الإليكترونية حتى الآن، وأن القانون يتم دراسته حاليًا في مجلس النواب تمهيدًا لإقراره.

المهندس وليد حجاج خبير أمن المعلومات، أكد أن مخترع اللعبة فيليب بوديكين كانت بداية انطلاقته من موقع التواصل الروسي "فكونتاكتي"، وكان يستهدف منها "التخلص من النفايات البيولوجية، والتي تتلخص في الأشخاص الضارين بالمجتمع وأن هؤلاء يقومون بالانتحار بمحض إرادتهم اللعبة" وفقًا لأقواله في التحقيقات التي أجريت معه عقب القبض عليه في روسيا بعد تسببه في مقتل قرابة 100 طفل ومراهق من الجنسين، وحكم عليه بالسجن فيما بعد.

وأضاف الخبير في أمن المعلومات أن خطورة اللعبة تكمن في أن الأدمن يطلب معلومات خاصة بالمراهق أو الضحية، ثم يطلب منه أوامر لتنفيذها، وفي حالة رفضه أو عدم استطاعته، يبدأ بتهديده وابتزازه بالمعلومات التي حصل عليها حتى يتم تنفيذ الأمر فلا يستطيع الابتعاد عنها، مضيفًا أنه بعد الوصول للمستوى الـ"25" في تلك اللعبة يطلب أوامر عليه تنفيذها تعد في منتهى الخطورة، ومع الأسف هناك أشخاص تستدرج في هذه اللعبة إلى أن ينتحر، لافتًا أن معظم الأشخاص الذين يلعبون هذه اللعبة يأتي من باب الفضول.

وطالب الخبير الأبوين بعدم حرمان المراهقين والأطفال من أبنائهم من استخدام التكنولوجيا، هربًا من خطر اللعبة، ولكن تخصيص وقت لمتابعة الجديد في التكنولوجيا من خلال منابر ومصادر موثوق فيها لمعرفة الجديد في ذلك العالم المفتوح، مع مراقبة ذلك ومتابعته من خلال حس فكري وإدراكي لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد شباب المستقبل، لأن المنصات التي تتيح التطبيقات المماثلة والألعاب لا تهتم بالمحتوى قدر اهتمامها بالجوانب الخصوصية والتكنولوجية، مشيرًا إلى أنه عند امتلاك المصريين التكنولوجيا الخاصة بهم يمكن أن يتغير الوضع بالتحكم فيها، مطالبًا بضرورة إنشاء موقع تواصل اجتماعي مصري.

فيما قال أمجد قلدس رئيس ومؤسس موقع ساهم للتواصل الاجتماعي، أن حجب المواقع التي تبث اللعبة ليس حلا لأن هناك طرق عديدة يمتلكها "الهاكرز" للتحايل على الحجب، مطالبًا بضرورة رفع مستوى الوعي لدى المصريين وتوفير ألعاب بديلة تحقق المتعة لروادها وتكون آمنة في الوقت نفسه، مشيرًا إلى أن مصر بها رواد أعمال ومبتكرين ابتكروا عدة ألعاب مطروحة على الفضاء الإليكتروني تتوافر فيها الإثارة والمتعة، مطالبًا بضرورة دعمهم خصوصًا وأن العقول المصرية نابغة ولدينا العديد من مبرمجي الألعاب يحتاجون فقط إلى الدعم والرعاية من الدولة.

رأي الدين

من جانب أخر، أطلق مجمع البحوث الإسلامية ، حملة موسعة في جميع محافظات ومدن الجمهورية للتحذير من "الحوت الأزرق"، وقال الأمين العام الدكتور محيي الدين عفيفي في تصريحات رسمية، إن الحملة تنطلق من خلال التركيز على عدة محاور مهمة منها: استعادة دور الأسرة في التربية والمتابعة المستمرة لأفرادها في مراحلهم العمرية المختلفة، وهو ما يدعونا إلى ضرورة الاهتمام بالبناء الفكري للأبناء وليس البناء الجسدي فقط، فالمخاطر الفكرية التي تهدد حياة الأبناء أكثر من المخاطر الجسدية.

وأكد عفيفي، أن الحملة التي سينفذها المجمع سوف تنتشر في المدارس والمعاهد ومراكز الشباب للتوعية بأهمية استغلال الوقت، والتحذير من مخاطر الفراغ، لافتا إلى أنه من المقرر أن يتم التواصل مع الأطفال والمراهقين من خلال خبراء في التربية وعلم النفس، ومع المدرسين وأولياء الأمور من جانب آخر لحثهم على الاهتمام بهذا النشء وتشجيعهم على وضع أهداف إيجابية في حياتهم، وضرورة استعادة الدور المفقود للعديد من الأسر.

فيما طالب الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف، بشن حملة توعوية للشباب والأسر بمخاطر لعبة الحوت الأزرق والتحذير منها، وذلك بعد الجرائم التي ارتكبت والتي كان آخرها إضرام فتاة سوهاجية النار في مسكنها تأثرًا بهذه اللعبة.

كما أكد شومان، من خلال صفحته الرسمية علي موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ضرورة اتخاذ تدابير ضد المروجين لهذه اللعبة لمنع تداولها وبيعها، واعتبارها من الألعاب المحظورة في كافيهات الإنترنت، مطالبًا الآباء بتوجيه الأبناء بمخاطرها ثم مراقبتهم لمنعهم من لعبها، فحماية الشباب من الاستهداف الممنهج والخبيث للإضرار بهم وبمستقبلهم لا تقل أهمية عن جهود الدولة للتصدي للإرهاب.

 

صور:

 

1- شريف عبد الباقي رئيس اتحاد الألعاب الإليكترونية

 

2- الدكتورة وفاء مسعود

 

3 - الدكتور محيي الدين عفيفي أمين عام مجمع البحوث الإسلامية

 

4- الدكتور عباس شومان وكيل مشيخة الازهر الشريف

 

 

5- وليد حجاج خبير أمن المعلومات