ضربة أمريكية على سوريا أم استبدالها بعقوبات اقتصادية على الأسد؟

ما بين توجيه واشنطن وحلفائها "ضربةً عسكرية" ضدّ النظام السوري, على خلفية استخدام السلاح الكيماوي في مدينة دوما, ورفض موسكو لها, شهدت التصريحات النارية بروداً نسبيّاً يوحي برغبةٍ إلى الوصول لصيغةٍبديلةٍ عن عملٍ عسكري في سوريا.

فيما تعالت الأصوات الأمريكية المنادية بضربة عسكرية ضدّ النظام السوري, على خلفية اتهامات له باستخدام الأسلحة الكيماوية في هجومٍ على مدينة دوما, كانت هناك تحرّكات دبلوماسية أوروبية داعية للتهدئة وتفضيل فرض عقوبات على أركان النظام بدلاً من شنّ عملية عسكرية, على الرغم من تصريحات بعض القادة الأوربيين التي أعلنوا فيها مشاركتهم في أيّ ضربةٍ محتملة. فيما كان الموقف الروسي واضحاً في رفضه لأيّ اتّهام يطال النظام ويوحي بمشاركة روسيّة في الهجوم الكيماوي.

ووجّهت مندوبة واشنطن لدى الأمم المتّحدة, نيكي هايلي اتّهامات مباشرة لقوات النظام السوري باستخدام أسلحة كيماوية أكثر من 50 مرّة, وذلك خلال جلسةٍ طارئة لمجلس الأمن الدولي. وعلى الرغم من إشارتها لعدم اتّخاذ الرئيس الأمريكي, دونالد ترامب لقرارٍ نهائي بشأن الضربة العسكرية, إلّا أنّها تركت خيار شنّ واشنطن وحلفائها لعملية عسكرية ضدّ النظام مفتوحاً قائلةً: "علينا التحرّك مع حلفائنا للدفاع عن مبدأ نتّفق عليه جميعاً" محذّرة من مغبّة مرور "استخدام الأسد لأسلحةٍ كيماوية دون معاقبته".

في الجلسة ذاتها, قال مندوب فرنسا في الأمم المتّحدة, فرانسوا ديلاتر إنّ استخدام الحكومة السورية للسلاح الكيماوي يشكّل "تهديداً غير مقبول لأمننا الجماعي" مشدّداً ضرورة إبداء دول العالم "ردّاً قويّاً وحازماً لكي لا تتضرّر شعوب العالم", كما أكّد عى أنّ فرنسا "ستتحمّل مسؤولياتها" لإنهاء هذا "التهديد".

من جانبهم, قال مسؤولون أوروبيون بارزون Yنّ الأدلّة على تورّط النظام السوري بالهجوم الكيماوي على مدينة دوما "واضحة", استناداً إلى نتائج تحقيقات أولية بشأن "دوما", لكنّهم فضّلوا اتّخاذ قرارات من شأنها فرض عقوبات جديدة على قياديّين في النظام لهم دورٌ في "تطوير êاستخدام أسلحةٍ كيماوية", في إيحاء إلى العزول عن "ضربة عسكرية" كانت كلّ من بريطانيا, فرنسا وألمانيا قد قرّرت المشاركة فيها. ومن المقرّر أنّ تتمّ مناقشة مسودة "العقوبات" في اجتماعٍ لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين القادم, حيث تشير المعلومات المتعلّقة بالمسودة إلى فرض عقوبات تستهدف 275 شخصيّةً من النظام مسؤولة عن استخدام القمع والعنف بحقّ المدنيين, إضافة إلى "تجميد أصول 70 كياناً" تابعاً للنظام, بشكلٍ مباشر أو غير مباشر, مع إمكانية أجراء تعديلات على مسودة المشروع خلال الجلسة المقبلة.

في الطرف الآخر, تنفي روسيا كلّ الاتهامات الموجّهة للنظام السوري بشأن الهجوم الكيماوي, مؤكّدة على لسان وزير خارجيتها, سيرغي لافروف على "ضلوع جهات استخباراتية أجنبية (يقصد بها بريطانيا) في مسرحية الهجوم الكيماوي". كما اتّهم مندوب موسكو, فاسيلي نيبينزيا كلّاً من أمريكا وبريطانيا بالرغبة في "إطاحة حكومة الأسد وتحجيم دور روسيا" معتبراً أنّ أيّ عملٍ عسكري على سوريا هو "انتهاك للقانون الدولي". في الوقت الذي أوضح فيه سفير النظام السوري لدى الأمم المتّحدة, بشار الجعفري أنّ بلاده لا تملك سوى خيار "الدفاع عن النفس", مشيراً إلى أنّ كلامه "وعدٌ وليس تهديداً".

إلى ذلك, يرى مراقبون أنّ تراجع حدّة التصريحات الأمريكية بخصوص توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري, وهذا ما بدا واضحاً من خلال إعلان ترامب أنّه لا موعد محدّد للضربة بعد أنّ كان يلمّح لقرب وقتها, إلى جانب طلبٍ أوروبي "استبدالها" بفرض عقوبات على أركان النظام, إنّما هي إشارات توحي لإمكانية وصول الأطراف الدولية إلى صيغة تفاهم متعلّقة بإيجاد حلّ للنزاع السوري, ترضي هذه الصيغة تلك الأطراف التي لطالما كانت الخلافات والتوترات عنواناً لعلاقاتها خلال الأعوام السبعة الماضية, حتّى ولو شُنّت العملية العسكرية!.