كركي لكي- يبدو ان ثروات كردستان البشرية بابنائها لا حد لها؛ فكلما بحثت أكثر عثرت على كنوز أكثر لانك في كردستان. فبرغم ثرواتها الاقتصادية تمتلك ايضاً من الشعب ما يميزه عن دونه بذكائه وارداته وخير مثال على هذا هو عدنان حمو الملقب "جان كرد". رسام بأدوات بسيطة وإرادة قوية حيث يقطن في قرية "علوانكا شيخي" التابعة لكركي كي، تلك القرية النائية مع موهبته الفريدة.
قابلنا عدنان وعائلته البسيطة وتلك الابتسامة الرمادية على محياه ليحدثنا عن الموهبة التي جذبتنا للقاء به, ولكن المفاجاة كانت عدم قدرة عدنان على النطق بالإضافة إلى عدم السمع مع وجود إعاقة شلل القدم التي تمنعه من السير وشلل في أصابع اليد التي تمنعه من الرسم بسهولة, ولكن كل هذا لم يكن ليقف في وجه إرادته حيث حدثنا شقيقه المقرب منه "محسن" أنه بدأ بالرسم في الصف الثالث الابتدائي حيث اكتشف المدرسين موهبته, وبعد ترك المدرسة استمر في الرسم وقد كان للمحيط به من العائلة وأهالي القرية أثر طيب عليه من تشجيعه والثناء على إنجازاته, ولكن يبدو بان هذا لم يكن كافيا ليتقدم للامام ويطور موهبته؛ لأن الوضع المادي السيء للاهل وعدم قدرتهم جلب مواد الرسم الجيدة لعدنان كانت صعوبة واضحة.
فعند اطلاعنا على لوحاته كانت أغلبها مرسومة بالفحم وعند السؤال عن عدم استخدامه للألوان المائية والريشة بدلا من الفحم، أجاب أن المواد غالية الثمن والاهل غير قادرين على تحمل اعباء تنمية هذه الموهبة.
كما أن اللوحات كانت تتركز بشكل اساسي على وجوه شخصيات من الواقع او الصور او التلفاز ولم يكن اختياره لذلك بشكل مقصود وإنما لعدم توفر من يرشده ويوجهه بالإضافة الى عدم وجود أي منظر في القرية النائية وفي ظل إعاقة عدنان وعدم قدرته على السير والخروج من القرية ظل حبيس الشخصيات بقلمه الفحمي يسطرها بصورة جميلة جدا في زمن قليل فاللوحة الكبيرة تاخذ منه قرابة الثلاث ساعات أما الصغيرة فينتهي منها خلال ربع ساعة.
فالإعاقة الجسدية بالاضافة الى الاوضاع المادية الغير مساعدة وتواجد عدنان في القرية دون المدينة لعب دورا رئيسيا في عدم تقدم هذه الموهبة بسبب عدم تبنيها من قبل أحد وتركها للزمن, وبذلك ظلت موهبة هذا الشاب مثل القرية التي يعيش بها نائية بعيدة لا يمر عليها الزمان ليرى إبداع أصابعه وقوة عزيمته, ليجعل من الرسم وسيلته للتواصل مع المحيط وليوصل بكل جرأة ما يريد.
ذكائه كان واضحا ليكون لنفسه آراء في كل ما يجري بلوحاته، فقد رسم عن الشخصيات السياسية مثل قائد الشعب الكردي عبد الله اوجلان وعضو اللجنة التنفيذية في حركة المجتمع الديمقراطي خبات وغيرهم, اما اجتماعيا فيبدو انه من معجبي الكوميدي بافي طيار حيث رسمه مع فرقته بالاضافة إلى صورة آرام تيكران, ولم يكتفي بذلك وإنما جعل من التلفاز مصدرا مفيدا لإغناء لوحاته حيث رسم شخصيات عالمية مثل الأم تيريزا ومايكل جاكسون.
فعدنان انتقائي في تحديد هوية من يريد رسمه. كما أن عدانان يمتلك القدرة على اصلاح الساعات ونعلم ما يتطلبه هذا الامر من دقة وهو صاحب الاصابع المشلولة ولكن يبدو ان ذكائه وارادته عوضاه ذلك.
حيث استطاع بأدواته البسيطة أن يجعل من المعاناة أمل وأن يثبت بأننا من اللاشيء نستطيع بايماننا ان نصنع المعجزات.
ربما يكون عدنان من الذين تجاهلهم الزمان وغفل عنهم ولكن الأمل قادم ونأمل بأن يكون لقائنا معه وتسليط الضوء على موهبته, أن تكون لها وقع على المجتمع ليقوم بمسؤلياته تجاه عدنان وأمثاله من اصحاب المواهب والكفاءات لتشجيعهم وإيجاد البيئة المناسبة لتنمية مواهبهم, وعدنان هو خير دليل على وردة في تربة مالحة أثبتت بجدارة أنه يتملك ما يفتقده الآخرون وليكون خير مثال على عدم الاستسلام مهما كثر الصعاب ليظل دوما يرسم وهو يبتسم ساخرا من القدر.