حلب - للغة قيمة جوهرية كبرى في حياة كل أمة، فهي الأداة التي تحمل الأفكار وتنقل المفاهيم، فتقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة، وهي هوية الفرد القومية ومسرح تفكيره ومجال وجدانه، كما أنها تحظى بأهمية لا حدود لها عند الأمة الواحدة، لأنها إرث حضاري وتاريخي وعنصر أساسي من مقومات تكوينها، فالأمة تتكون من ثلاثة أركان هي "اللغة، الأرض، التاريخ" ولا يمكن فصل ركن عن الآخر لأنها حقيقة عامة وثابتة.
ولمعرفة واقع تعليم اللغة الكردية في المراكز المحدثة ضمن إطار مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية، قامت وكالة فرات للأنباء بزيارة مركز اللغة الكردية في حي الشيخ مقصود، والتقت مع عدد من المدرسين.
حيث تحدث المدرس جميل عن أهمية اللغة ونضال الكرد للحفاظ على حيويتها قائلاً: "شعبنا الكردي خير مثال على فكرة الأمة الواحدة والدليل تمسكه بهويته القومية وعلى وجه الخصوص لغته فاللغة الكردية تعتبر من اللغات العريقة في العالم".
وأشار إلى أن الكرد عبر تاريخهم الطويل ومنذ الأزل يناضلون بكل ما يملكون من قوة للحفاظ على إرثهم الحضاري ولغتهم برهان على أصالتهم وحضارتهم القومية.
وأكد بأن موقع أرض الشعب الكردي الاستراتيجي كان محط أنظار القوى الاستعمارية الانتهازية على مدى تاريخه، عملت تلك القوى على إتباع كافة الأساليب الاستعمارية وإبرام المعاهدات والاتفاقيات وممارسة كافة وسائل الظلم والاضطهاد بحق أبناء الشعب الكردي والعمل على تقسيم المناطق الكردية.
أضاف جميل: "لم تقف تلك القوى عند هذا الحد بل عملت على ممارسة سياسات عنصرية هدفها صهر اللغة الكردية المندرجة تحت سياسات الإنكار للحقوق الثقافية الفكرية اللغوية. مستشهداً بمشروع "الحزام العربي" أو ما يسمى مشروع محمد طلب هلال العنصري الشوفيني والذي طرح فيه فكرة إنكار اللغة الكردية بهدف مسح جميع المعالم الحضارية والثقافية الكردية.
وتابع قائلاً: "عمل النظام البعثي المستبد على هذا النهج حيث بدأ بفرض قوانين جائرة بحق المواطنين الكرد كمنع التحدث باللغة الكردية ونبذ جميع المظاهر الثقافية المشروعة للمواطنين الكرد وحظر اللغة الكردية ومنع إقامة مراكز ثقافية كردية بحجة الحفاظ على الأمن القومي العربي حسب زعمهم".
من جهته المدرس خلف يقول: "إن المراكز التي تم افتتاحها هي ثمرة نضال شعبنا ورغبة حقيقية لفرض إرادته المشروعة، هذه المراكز تعلم طلابها القراءة والكتابة بطريقة اكاديمية".
وأشار بأن هناك أربعة مستويات لتعلم اللغة الكردية، ويدرس حالياً ثلاثة مستويات فقط، منوهاً إلى أن المستوى الرابع يتم الأعداد له بإخضاع المدرسين لدورة تدريبية على هذا المستوى. مؤكداً على أن المستويات تحتوي في مضمونها على قواعد اللغة الكردية بشكل ممنهج ودقيق.
وأضاف قائلاً: "تحدد مدة كل مرحلة حسب مستوى الوعي والثقافة لدى الطلبة، وحاليا لدينا مسعى لإدخال مواد دراسية جديدة باللغة الكردية كالتاريخ والجغرافيا".
أما المدرس كاميران حدثنا عن واقع التعليم والإقبال الشعبي في المراكز قائلاً: "يتم توزيع الطلبة في القاعات حسب كل فئة عمرية وثقافية لتحقيق الانسجام الفكري والثقافي بينهم، وفي الآونة الأخيرة شهدت مراكز اللغة إقبالا واسعا من قبل المواطنين الكرد في كافة المناطق الكردية التي أكدت رغبة الكرد على تعلم لغتهم الأم".
وأشار إلى أنه أمام الإقبال الكبير ظهرت مشكلة قلة المراكز التعليمية بالمقارنة مع أعداد المتقدمين، خاصة في ظل نزوح المواطنين الكرد من الأحياء الشرقية في مدينة حلب بسبب الصراع المسلح التي تشهدها المدينة بين الجيشين الحر والنظامي.
وأكد بأنه يوجد في الأحياء الكردية بحلب مركزين رئيسين فقط وهما مركز الشيخ مقصود غربي ومركز جبل نيروز الذي أقفل بسبب أعمال العنف التي طالت تلك المنطقة.
وأضاف كاميران قائلاً: "هناك مراكز ثانوية أخرى تم تخصيصها في هذا المجال مثل دار الشعب ودار المرأة وفي المدارس التي يقطنها النازحين مثل ياسين ياسين، الفرات، أبو دهان، وقريبا سيتم افتتاح مركز اللغة في سكن الشبابي في الأشرفية". مؤكداً على ضرورة زيادة عدد المراكز التعليمية من أجل تغطية أعداد الطلبة المتزايدة في كافة المناطق التي يقطنها الكرد.
ويجب أن لا ننسى بأن اللغة والتعلم وعاء الفكر، والفكر خاصة الإنسان واللغة نبض الروح وميلاد فجرٍ جديد لكل أمة تنادي بالحرية.