تحليل أمريكي يعرّي بشار الأسد ومكاسبه من تجارة "الكبتاغون"

أوضح تحليل أمريكي نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن الدول العربية تسعى للتطبيع من حكومة دمشق من أجل تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، وأن بشار الأسد يلجأ إلى تجارة الكبتاغون المخدر بسبب العقوبات وسنوات الحرب والضائقة الاقتصادية التي يعانيها نظامه.

لا تزال محاولات إعادة تعويم نظام بشار الأسد تتصدر اهتمامات العديد من التقارير والتحليلات السياسية الدولية، لا سيما بعد ظهوره الشهر الماضي في القمة العربية التي استضافتها المملكة العربية السعودية، بل وسعي كثير من الدول العربية للتطبيع مع حكومة دمشق، في وقت يحاول البعض تبرير هذا التقارب والانقلاب على سياسات سابقة بأنه بحث عن حل للأزمة وأيضاً إعمالاً لمقاربة خطوة مقابل خطوة.

أحدث تلك التحليلات كان ما كتبته مجلة فورين بوليسي الأمريكية والتي تحدثت عن أن هذا التقارب يعود لتغير أولويات الدول العربية فيما يتعلق بالأزمة السورية نتيجة التحولات الإقليمية، لكن الغريب في هذا التحليل أنه يؤكد أن تجارة الكبتاغون كانت سبباً رئيسياً في تحول الموقف عكس كثير من التحليلات الأخرى التي كانت تضعه في مرحلة تالية.

التدهور الاقتصادي وتجارة الكبتاغون

ويقول التحليل، الذي كتبته إيلين يوانس، إن "الأسد" كان معزولاً دولياً منذ أن بدأ النظام في قمع الانتفاضة المحلية ضده خلال أحداث ما عرف بالربيع العربي بلا رحمة، لكن عزله أصبح أكثر وضوحاً في عام 2019، عندما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات قانون قيصر، التي استهدفت الأفراد والكيانات الذين يتعاملون مع النظام، بما في ذلك صناعات النفط والغاز الطبيعي.

يشير التحليل إلى أن الاقتصاد السوري كان في ضائقة شديدة بحلول عام 2020 مع تطبيق هذه العقوبات حيث يقدر بأن 80% من السوريين يعيشون في فقر و40% عاطلين عن العمل، وفقًا لتقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فلقد أدى تأثير العقوبات وعقد من الحرب والتمرد والأزمة الاقتصادية الإقليمية إلى تدمير الاقتصاد السوري، وقد أدت أزمة الاقتصاد المتصاعدة والعزلة إلى إفساح المجال أمام تجارة الكبتاغون غير المشروعة في سوريا وعزز نفوذ إيران وروسيا.

وفي هذا السياق، قدم تقرير عام 2022 من معهد نيو لاينز حول محاولات الأردن لتطبيع العلاقات مع حكومة دمشق تفاصيل بشأن أسباب المساعي الأردنية، لا سيما فيما يتعلق بتجارة الكبتاغون، فعلى الرغم من صعوبة تحديد التفاصيل الدقيقة حول إنتاج وتجارة الكبتاغون، فمن المحتمل أن يجلب هذا النوع من المخدرات المليارات للنظام، حيث يتحكم الأسد وشبكته، بما في ذلك العديد من أفراد عائلته، في إنتاج الكبتاغون، ثم يأخذه المهربون عبر مجموعة متنوعة من الطرق، بما في ذلك عبر الأراضي الأردن، إلى الأسواق في دول الخليج.

عوائد "الأسد" من تجارة الكبتاغون

في هذا السياق، يقول كرم الشعار المحلل السياسي والاقتصادي السوري إنه من الصعب تقدير الرقم الفعلي لما يحصل عليه نظام الأسد في جيوبه الخاصة من تجارة هذا المخدر، لكنه يعتقد أنه لا يقل عن مليار دولار، في حين أن القيمة السوقية لتلك الصناعة يمكن أن تزيد عن 10 مليارات دولار، وهذا يتجاوز في الواقع الصادرات السورية القانونية.  

المشكلة كذلك إن بعض حبوب الكبتاغون كانت مزيفة، وتشق طريقها في جميع أنحاء المنطقة، حيث يتم نقلها بشكل أساسي عبر الأردن ولبنان والسعودية، حيث تضبط كميات كبيرة للغاية من هذا المخدر، وعلى الرغم من أن الدول العربية قد تأمل في السيطرة على تجارة الكبتاغون غير المشروعة من خلال المفاوضات مع دمشق والاستثمار في الاقتصاد السوري، إلا أنه، وفق التحليل، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن نظام الأسد مستعد للتخلي عما أصبح تجارة مربحة.

الجدير بالذكر أن عضو مجلس النواب الأمريكي جو ويلسون، رئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى بلجنة العلاقات الخارجية وأحد مقدمي تشريع تجريم التطبيع مع بشار الأسد إلى مجلس النواب الأمريكي كان وصف رئيس حكومة دمشق بمرتكب لجرائم قتل جماعي غير نادم وتاجر للمخدرات، في إشارة إلى صلة النظام بتجارة الكبتاغون، منتقداً الدول التي تسعى للتطبيع مع "الأسد" رغم هذه الأمور.

النفوذ الإيراني في سوريا

في سياق متصل، يتطرق تحليل فورين بوليسي إلى مسألة النفوذ الإيراني في سوريا كأحد أسباب التقارب العربي مع حكومة دمشق، ويقول إن دول الخليج الثرية والدول التي تعتمد عليها أيضاً قد تحاول تخفيف النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة، من خلال إصلاح العلاقات مع دمشق والعمل مع طهران، ولكن، كما قال آرون لوند محلل شؤون الشرق الأوسط في وكالة أبحاث الدفاع السويدية، إن هذه ليست المرة الأولى التي يقومون فيها بمثل هذه المحاولات.

ويقول "لوند" في مقابلة إنه كانت هناك محاولات متكررة لقلب وجهة سوريا حتى قبل الحرب للابتعاد عن إيران والتوجه نحو المجال الذي تقوده السعودية، لكن الدول التي حاولت هذه المناورة شعرت بالإحباط مراراً وتكراراً، وأعتقد أنها ربما تدرك في هذه المرحلة الحالية، أولاً وقبل كل شيء، أن الأسد لن يتزحزح بشأن القضايا الجوهرية مثل العلاقة مع إيران، لأنه يحتاج طهران ولن يبتعد عنها، كما أن الحرب السورية كشفت مدى قوة العلاقة التي تربط بين النظامين السوري والإيراني.