صراعات تتمدد ومناطق عازلة.. إلى أين يتجه الشرق الأوسط؟
أوضاع غير مسبوقة يعيشها الشرق الأوسط مع التصعيد الكبير الذي تشهده، خصوصاً ما يتعلق بالحرب على غزة وكذلك إمكانية الهجوم الإسرائيلي على جنوب لبنان، لتضع المنطقة أمام عديد السيناريوهات.
أوضاع غير مسبوقة يعيشها الشرق الأوسط مع التصعيد الكبير الذي تشهده، خصوصاً ما يتعلق بالحرب على غزة وكذلك إمكانية الهجوم الإسرائيلي على جنوب لبنان، لتضع المنطقة أمام عديد السيناريوهات.
وقد بدت الحالة الصعبة التي وصل إليها الشرق الأوسط واضحة على أوجه المجتمعين ضمن أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أرهقت بنية هذه المنظمة الدولية، كما قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، فهيمنت المخاوف من التصعيد والانزلاق أكثر نحو العنف على معظم ما جاء في كلمات هؤلاء القادة.
إشكالية ما يجري في الشرق الأوسط أنها تأتي على رأس ما يقارب العقد والنصف من التوترات والاضطرابات والصدامات المسلحة المندلعة منذ نهاية عام 2010 وبداية عام 2011 فيما عرف بـ "الربيع العربي"، وفي وقت تسعى دول المنطقة التي وقعت في براثنه للتعافي من آثاره أو تحاول التفاهم السياسي للخروج من واقعها الصعب، حتى اندلعت الحرب في غزة ومعها انفجرت الصراعات وتمددت كما لو أن المنطقة كانت فوق بركان خامد.
وهذا الوضع يدفع الكثيرين إلى ترقب ما ستقدم عليه دولهم، لا سيما وسط المخاوف من الانزلاق إلى حرب إقليمية أو صدامات مسلحة جزئية سيكون لها تداعيات جغرافية أكبر، فضلاً عن ذلك فإن فكرة المناطق العازلة بدت هي الأخرى كما لو كانت وباء يلاحق دول الشرق الأوسط سواء من قبل تركيا أو إسرائيل.
حدود الصراع
يقول الدكتور ماك شرقاوي وهو محلل سياسي أمريكي، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه يجب الاتفاق على أن الشرق الأوسط يتجه نحو مزيد من التصعيد، وفي نفس الوقت يجب أن نتفق أيضاً على أن الأمر لن يتطور إلى مسألة الحرب الإقليمية ولن يأخذ كذلك شكل الحرب المباشرة لا بين حزب الله وإسرائيل ولا بين الأخيرة وإيران.
ويوضح شرقاوي القيادي العربي السابق بالحزب الجمهوري الأمريكي أن التصعيد يأتي من كون رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو يعتبر أن استمرار الوضع الحالي يضمن استمراره في السلطة أطول فترة ممكنة إلى حين ربما تتعدل أموره الداخلية، في إشارة منه إلى استطلاعات الرأي التي تشير دائماً لتراجع شعبيته وكذلك الاحتجاجات المتواصلة.
واستبعد المحلل السياسي الأمريكي أي مواجهات مباشرة بين حزب الله وإيران وإسرائيل، كما استبعد أن يكون هناك اجتياح بري إسرائيلي لجنوب لبنان، رغم كل التوقعات بذلك، مبرراً رؤيته بأن هذه الأطراف حتى الآن ليس لديها رغبة في الانجرار إلى حرب واسعة النطاق أو حرب مباشرة، فتكلفتها ستكون كبيرة، كما أن معظم هذه الأطراف تترقب نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وتشير تقارير عدة خلال الأسابيع الماضية إلى أن إسرائيل فيما يبدو تتحضر لهجوم بري على جنوب لبنان مع هجمات مكثفة تشنها جعلت طبول الحرب تدق في كل مكان داخل الأراضي اللبنانية، إلى جانب مواصلة تل أبيب استهداف قيادات حزب الله، بل وأخذت الاستهدافات شكلاً جماعياً بعد انفجارات البيجر.
وبينما تتصاعد التوترات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، قبل أيام، عن إبحار حاملة الطائرات "يو إس إس ترومان" إلى شرق المتوسط، مشيرة إلى أن المنطقة تضم حالياً مجموعة من حاملات الطائرات الأمريكية الأخرى من بينها حاملة الطائرات "يو إس إس روزڤلت".
ومنذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي حرصت السياسية الخارجية الأمريكية على الحيلولة دون توسع دائرة الصراع، وأن تبقى الأمور في إطار مبدأ "ضربة مقابل ضربة"، لكن مما لا شك فيه أن البعض لديه قلق وترقب من هذا المبدأ فكما يقال "معظم النار من مستصغر الشرر"، كما أن التاريخ يقول إن كثيراً من الحروب العظيمة كانت شرارتها أعمالاً صغيرة.
شرق أوسط المناطق العازلة
ومع مواصلة إسرائيل حربها سواء في غزة أو هجماتها على جنوب لبنان، تتغذى في المنطقة مرة أخرى فكرة المناطق العازلة، فحسب كثير من التقارير الإسرائيلية يبدو أن تل أبيب تريد بشكل أو بآخر إقامة منطقة عازلة جنوب نهر الليطاني داخل الأراضي اللبنانية، وأخرى في شمال قطاع غزة.
وتتشابه الرغبة الإسرائيلية هذه مع ما تقوم به تركيا في مناطق أخرى، فعبر ضربات وغارات مكثفة أو التدخل العسكري المباشر، يريد الاحتلال التركي إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا، كما يريد الأمر ذاته في شمال العراق، ويسعى النظام التركي إلى ذلك بكل الطرق بما في ذلك القوة العسكرية المسلحة.
يقول الدكتور نبيل ميخائيل أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن هذه المناطق العازلة تعبر عن حالة الصراع في الشرق الأوسط، لكن لن يمكن إقامتها إلا دون تسويات معينة مع توقف هذه الصراعات، كأن تطلب إسرائيل على سبيل المثال عدم وجود قوات تابعة لحزب الله في الجنوب اللبناني، لافتاً إلى أن الأخير قد يرفض هذه الفكرة لما لديه من تواجد ونفوذ سياسي وديني واجتماعي قوي في جنوب لبنان وليس فقط مجرد الإمكانيات العسكرية.
ويرى أستاذ العلوم السياسية أن فكرة المناطق العازلة هذه سواء ما تقوم به تركيا أو ما قد ترغب به إسرائيل يطرح تساؤلات حول جدوى إقامتها، فقدرات حزب الله العسكرية كبيرة وترسانته الصاروخية متعددة من ضمنها صواريخ طويلة المدى قادرة على إصابة إسرائيل، وبالتالي هنا قد لا تكون المنطقة العازلة ذات جدوى، وفقاً له.
أما بالنسبة لتحركات تركيا، فإن مسألة المنطقة العازلة لن يتم البت بشأنها إلا بعد تسوية سياسية للأزمة السورية على سبيل المثال، معرباً عن اعتقاده أن روسيا ستلعب دوراً مهماً لما لديها من مصالح تمتد كذلك إلى مناطق شمال العراق أو جنوب كردستان خاصة النفط، معتبراً أن المنطقة العازلة نظرياً هنا قد تكون ممكنة ولكن واقعياً سيكون ذلك بعيد المنال.
وتأتي هذه المتغيرات الصعبة في منطقة حبلى من الأساس بالصراعات المشتدة، سواء على المستويات الأهلية في اليمن وسوريا وليبيا والعراق، إلى جانب تنظيمات إرهابية تتحين الفرصة لإعادة تنظيم صفوفها مجدداً، وملايين من النازحين واللاجئين والمشردين، في وقت لا يوجد مؤشر واحد يدفع إلى الوقع بانتهاء تلك النزاعات قريباً.