وشهدت العلاقات بين أردوغان والخليج وتحديداً السعودية والإمارات خلافات كبيرة خلال السنوات الماضية، وصلت في بعض الأوقات إلى حد الشتائم الدبلوماسية، بسبب التدخلات التركية في شؤون دول الخليج، وصراع المصالح بين الطرفين في عدة مناطق، إلى جانب التحالف التركي مع قطر التي كانت على خلاف كبير مع غالبية زملائها في مجلس التعاون الخليجي.
صفقات سعودية إماراتية مع النظام التركي
وتشير الصحيفة إلى أن الإمارات العربية المتحدة صادقت على صفقة تجارية مدتها خمس سنوات بقيمة 40 مليار دولار مع تركيا بعد ثلاثة أيام من فقط من فوز أردوغان بانتخابات الرئاسة، وقال وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية ثاني الزيودي إن هذه الاتفاقية تمثل حقبة جديدة من التعاون في ما وصفها بـ"الصداقة طويلة الأمد" بين أبوظبي وأنقرة.
وفي غضون ذلك، اجتمعت أرامكو السعودية، شركة النفط الوطنية في المملكة، في أنقرة مع حوالي 80 مقاولًا تركياً مؤخراً لمناقشة مشاريع محتملة بقيمة 50 مليار دولار، إذ تريد أرامكو أن ترى أكبر عدد ممكن من المقاولين الأتراك في مشاريعها.
وتقول الصحيفة الأمريكية إنه في انحناء للمستثمرين الأجانب، بما في ذلك دول الخليج التي تربط المساعدات بشكل متزايد بسياسات الإصلاح الاقتصادي للمستفيدين، عين أردوغان محمد شيمشك، المصرفي السابق والذي يحظى باحترام واسع ونائب رئيس الوزراء ووزير المالية سابقا وزيراً جديداً للخزانة والمالية.
ورأى المستثمرون والمحللون الأجانب في تعيين شيشمك، المدافع عن السياسات الاقتصادية التقليدية، علامة على أن أردوغان قد يبتعد عن رفضه غير التقليدي لرفع أسعار الفائدة الذي غذى التضخم ونزوح الأموال الأجنبية.
دعم له دوافع سياسية
وتقول الصحيفة الأمريكية إنه الدعم الخليجي لأردوغان، على الرغم من ميوله الإسلاموية، قد يكون مدفوعاً بالاقتصاد، لكن تحركه دوافع مرتبطة بالجغرافيا السياسية، إذ أنه في الوقت الذي تتبنى فيه الإمارات والسعودية مواقف تتعارض مع سياسات الولايات المتحدة مؤخرا، الضامن الأمني للمنطقة، قد يرون أردوغان كشريك متزايد الأهمية بغض النظر عما إذا كانت تحركات دول الخليج تشكل تحولًا حقيقياً في السياسة أو مجرد تكتيك ضغط لإقناع واشنطن بأن تكون أكثر انتباهاً لمخاوفهم، في إشارة إلى إيران.
وتلفت الصحيفة إلى أنه مثل الدولتين الخليجيتين، اتبع أردوغان، على الرغم من عضوية تركيا في حلف الناتو، سياسة خارجية مستقلة تنطوي على علاقات وثيقة مع روسيا، وتدخل عسكريا في سوريا، لكن هذا التدخل يؤثر على جهود الخليج لدق إسفين بين سوريا وطهران، في ظل المحاولات من قبل أبوظبي والرياض لتقليص النفوذ الإيراني، على نحو دفعهم لقيادة جهود عودة حكومة دمشق لمقعدها بجامعة الدول العربية.
وفي أحدث مؤشر على رسمها مسار مستقل، قالت الإمارات إنها ستنسحب من قوة الأمن البحري بقيادة الولايات المتحدة، وهي القوات البحرية المشتركة التي يقودها أميرال أمريكي، حيث تضم 38 دولة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، والتي جاء تشكيلها كمحاولة لوقف الهجمات الإيرانية على السفن التجارية وتهريب الأسلحة والقرصنة.
وقالت الإمارات إن انسحابها جزء من تقييم "التعاون الأمني الفعال" في الشرق الأوسط، في وقت تتحدث مصادر مختلفة عن مساع صينية لإجراء محادثات بين الإمارات والسعودية وعمان وإيران لإنشاء قوة بحرية مشتركة لتعزيز أمن الخليج البحري، دون أن يتضح ما إذا كانت بكين سيكون لها مشاركة في هذا التحالف البحري أم أن الأمر سيقتصر على دول الشرق الأوسط فقط.
تحولات كبيرة في المنطقة
وتقول الصحيفة الأمريكية إن الانسحاب المزعوم من قبل أبوظبي من القوة البحرية المشتركة مع الولايات المتحدة، مع الحديث عن مساع صينية لتشكيل قوة مشتركة بديلة، ومع التقارب من أردوغان، فإن هذا يؤشر إلى أن دول الخليج قررت أن تتحمل هي مسؤولية أكبر في أمن المنطقة.
كما أن الأمر يشير إلى تغيير نوعي بشأن الدور الصيني في الشرق الأوسط، وذلك بعد الاتفاق الذي توسطت فيه بكين في مارس بين المملكة العربية السعودية وإيران والذي أعاد العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات بين البلدين بعد انقطاع 7 سنوات.
وكانت تركيا غائبة بشكل واضح في الأمور التي تتعلق بأمن الخليج على الرغم من أنها قوة إقليمية لديها جيش قوي في المعارك وصناعة دفاعية محلية موسعة، وطموحات إقليمية، في وقت تستقبل الإمارات والسعودية نحو 40 في المائة من صادرات الأسلحة التركية.
وكانت تركيا اقترحت لأول مرة إنشاء قاعدة عسكرية في المملكة العربية السعودية في عام 2015، قبل عامين من بدء المملكة والإمارات العربية المتحدة مقاطعة دبلوماسية واقتصادية استمرت 3.5 سنوات مع قطر حليفة أردوغان قبل المصالحة التي تمت في عام 2021.
الإقليمية الجديدة وتوجهات واشنطن
وتعليقاً على تقرير الصحيفة الأمريكية، يقول المحلل السياسي العراقي حازم العبيدي، لوكالة "فرات" للأنباء، إن المنطقة ومنذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية تعيش مرحلة جديدة تسمى "الإقليمية الجديدة"، هذه المرحلة يعاد فيها رسم كثير من العلاقات خصوصاً على المستوى الإقليمي في الشرق الأوسط.
وأوضح "العبيدي" أن المشكلة في أن دول الخليج العربي بدأت ترى خلال الفترة الأخيرة أن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة على نحو كاف بأمن الخليج والتهديدات الإيرانية على النحو الذي كان عليه من قبل، في ظل انشغال واشنطن وتوجهاتها نحو الصين ومنطقة بحر الصين الجنوبي وجنوب شرق آسيا.
وقال المحلل السياسي العراقي، أما بالنسبة لأردوغان، فإنه بدوره سيحاول الاستفادة من هذا التوجه الخليجي، لأن الموقف الخليجي تجاه تركيا كما نرى يرتبط بصفقات اقتصادية ضخمة، والاقتصاد التركي يعاني خلال الأشهر الماضية بشدة، وبالتالي سيرد أردوغان بخطوات تقاربية مماثلة، وستكون محسوبة.