مخاوف الكرد وانتخابات تركيا

تتصاعد مخاوف الكرد في تركيا من فوز رجب طيب أردوغان بانتخابات الرئاسة وسط تصاعد الخطاب القومي. حتى اعتبر بعض الكرد أن الأمر أشبه بمسألة حياة أو موت، بحسب تقرير لوكالة أنباء رويترز في نسختها الإنجليزية.

وحصل أردوغان الذي اعتمد خطابا قوميا متشددا ضد الكرد على 49.4 بالمئة، مقابل 44.96 بالمئة من الأصوات حصل عليهم كليجدار أوغلو الذي يحظى بدعم غالبية الكرد في ظل لهجة أكثر تقارب معهم، فيما كان المرشح سنان أوجان مرشح اليمين المتطرف ثالثا بحصوله على 5.2 بالمئة من أصوات الناخبين، والذي أعلن لاحقا دعمه لأردوغان ومعروف عنه العداء الشديد للكرد.

مخاوف من تعزيز حملة القمع

وقالت الوكالة إن الكرد المعارضين للرئيس رجب طيب أردوغان يخشون أن يؤدي فوزه في الانتخابات الرئاسية التركية إلى تعزيز حملة القمع التي تشنها الدولة ضدهم منذ سنوات، وذلك بسبب تصاعد الخطاب القومي قبل انتخابات يوم الأحد المقبل، حيث ينظر إلى الكرد الذين يشكلون نحو خُمس سكان تركيا، على أنهم من المحتمل أن يكونوا حاسمين لآمال المعارضة في إنهاء حكم أردوغان المستمر منذ 20 عاما في السلطة، وهو عهد كان يتودد فيه في البداية إليهم ثم تحول إلى قمعهم بشدة.

وبالنسبة لبعض الناخبين الكرد، فإن المخاطر أكبر، لأن أردوغان يشدد نبرته القومية في محاولة لكسب المزيد من الأصوات قبل جولة الإعادة، وقال أردلان ميس (26 عاما) وهو صاحب مقهى في مدينة ديار بكر التي تقطنها أغلبية كردية في جنوب شرق البلاد إن "التصويت مسألة حياة أو موت الآن. أردوغان شدد موقفه من الكرد خلال الحملة الانتخابية".

وقد فاز حزب الشعوب الديمقراطي بنسبة 61 بالمئة في ديار بكر في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 14 مايو، بينما حصل حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان على 23 بالمئة، أما على الصعيد الوطني، بلغ دعم  حزب الشعوب الديمقراطي 8.9 بالمئة.

وقد تعقدت مسألة دعم حزب الشعوب الديمقراطي لكليجدار أوغلو هذا الأسبوع، بسبب صفقته مع حزب مناهض للهجرة يرى حزب الشعوب الديمقراطي أنه "يتعارض مع مبادئ الديمقراطية العالمية"، في إشارة إلى حزب النصر الذي أعلن دعمه لكليجدار أوغلو، لكن حزب الشعوب الديمقراطي أعاد تأكيد دعمه يوم الخميس دون أن يسميه.

السنوات الأولى لأردوغان مع الكرد

وتسرد وكالة رويترز التحولات في موقف أردوغان من الكرد، وتقول إنه في سنواته الأولى في السلطة وسع الحقوق السياسية والثقافية للكرد، وفق الوكالة التي تشير إلى أن الكرد لا يمتلكون الجنسية الخاصة بهم أي ليس لديهم دولة وينتشرون بين تركيا وإيران وسوريا والعراق، حيث أزال القيود المفروضة على استخدام اللغة الكردية وأشرف على عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني.

لكن بعد انهيار وقف إطلاق النار في عام 2015، غير الرئيس التركي مساره، حيث شنت السلطات حملة قمع أدت إلى اعتقال الآلاف من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي، عادة بتهمة التشدد، مع عزل العديد من المشرعين ورؤساء البلديات وسجنهم، بالتزامن مع تصاعد القوة السياسية لحزب الشعوب على نحو حرم العدالة والتنمية من قبل من الأغلبية البرلمانية بعد دخول الحزب المناصر لقضايا الكرد البرلمان لأول مرة.

ومن خلال استغلال دعم حزب الشعوب الديمقراطي لكليجدار أوغلو، اتهم أردوغان مرارا وتكرارا المعارضة بالوقوف إلى جانب الإرهاب، على حد زعمه، في وقت ينفي حزب الشعوب الديمقراطي اتهاماته، كما لفت أردوغان الانتباه مرارا وتكرارا إلى شريط فيديو مزيف لاتهام كلجدار أوغلو بصلاته بحزب العمال الكردستاني، ووصف كيليجدار أوغلو هذا الاتهام بالافتراء.

موقف سنان أوغان القومي المتشدد

لكن موقف أردوغان حظي بتأييد سنان أوغان، القومي المتشدد الذي جاء في المركز الثالث في الجولة الأولى، وقال أوغان إن الدعم لأردوغان يستند إلى مبدأ "النضال المستمر (ضد الإرهاب)"، في إشارة إلى الجماعات الموالية للكرد.

ويمثل هذا الشعار محاولة للاستفادة من المشاعر القومية العميقة – وهي قوة قوية في السياسة التركية والتي ازدادت تشددا بسبب سنوات من القتال مع حزب العمال الكردستاني، وتدفق ملايين اللاجئين من سوريا منذ بدء الحرب هناك في عام 2011.

ويقول منتقدون إن كليجدار أوغلو اتخذ نبرة قومية أكثر منذ الجولة الأولى المخيبة للآمال، حيث تعهد بإعادة جميع اللاجئين إلى أوطانهم، فيما تستضيف تركيا حوالي 5 ملايين مهاجر، منهم 3.4 مليون سوري، وفقا لبيانات وزارة الداخلية.

مخاوف حزب الشعوب الديمقراطي وتحول كليجدار أوغلو

وأعرب طيب تيمل، أحد كبار المسؤولين في حزب الشعوب الديمقراطي، عن مخاوفه من أن أردوغان قد يكون حقق هدفه المنشود من خلال "الدعاية السوداء" التي زعمت وجود صلات بين كليجدار أوغلو والإرهابيين، مضيفا أن "انتصار أردوغان سيعزز حكم الرجل الواحد ويمهد الطريق لممارسات مروعة، ويجلب أياما مظلمة تماما لجميع أجزاء المجتمع".

كما أشار إلى تحول كليجدار أوغلو إلى "خطاب قومي أكثر"، والذي قال إنه قد يكلفه بعض الدعم الكردي، فيما تعتقد ريها روحافي أوغلو، مديرة مركز الدراسات الكردية في ديار بكر، أن العديد من الناخبين الكرد فقدوا الرغبة في التصويت قبل جولة الإعادة، وتلقي باللوم على التحول في اللهجة التي اعتمدها كليجدار أوغلو.

وقالت: "ينبع التثبيط من الخطاب السياسي لحزب الشعب الجمهوري الذي تحول من المصالحة إلى السياسة الأمنية، وينبغي على حزب الشعوب الديمقراطي أن يحفز قاعدته بالقول إنه إذا خسر كليجدار أوغلو، فسوف نخسر أيضا".

حملة جديدة محتملة ضد الكرد مستقبلا

وتقول وكالة أنباء رويترز إنه قد يكون اتهام سليمان صويلو وزير الداخلية التركي يوم الأحد لمجموعة من المحامين الكرد بصلات مع حزب العمال الكردستاني علامة على حملة جديدة في المستقبل ضد المكون الكردي. وقالت ناهيت إرين رئيسة نقابة المحامين في ديار بكر لرويترز إن التصريحات قد تدفع السلطات إلى فتح تحقيق جديد في "الإرهاب".

ولطالما كانت تهمة الإرهاب التهمة الجاهزة التي يستطيع النظام التركي إلصاقها بالكرد خصوصا المحامين والصحفيين والسياسيين، خصوصا في ظل تصاعد القوة السياسية لحزب الشعوب الديمقراطي منذ عام 2015، والذي خاض الانتخابات البرلمانية الأخيرة تحت راية تحالف الخضر اليساري، بسبب إجراء محتمل من قبل المحكمة الدستورية بإغلاق الحزب وفرض حظر سياسي على أعضائه.