لماذا فشل التوقيع على إعلان بوزنيقة بشأن قانون الانتخابات الليبية؟

خلال الساعات الماضية كانت الأنظار متجهة لمدينة بوزنيقة المغربية،التي كان من المزمع أن تشهد توقيع رئيس مجلس النواب الليبي ورئيس المجلس الأعلى الليبي على وثيقة القوانين المنظمة للانتخابات بليبيا،لكن خاب الأمل وفشل التوقيع ما يعني تعثر جديد بمسار الانتخابات.

وتشهد ليبيا انقساما منذ سنوات بين شرق البلاد وغربها، حيث توجد حكومتان كما يوجد جيشان يتبعان كل طرف، وقد حدثت صدامات عسكرية كثيرة بين الطرفين إلى جانب خلافات سياسية كبيرة كانت سببا في كثير من المشكلات الأمنية، فيما تجري محاولات لتقريب وجهات النظر لكن جميعها فشلت.

تفاصيل الخلاف حول قوانين الانتخابات

وقال جمال الشويهدي عضو لجنة (6+6) الليبية إن رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح غادر مكان التوقيع على إعلان بوزنيقة الخاص بقوانين الانتخابات بعد خلافات حول بعض التعديلات، مضيفاً أن رئيس مجلس الدولة خالد المشري اشترط أيضا أن تكون الانتخابات الرئاسية على جولتين، أيا كانت نتيجة الجولة الأولى.

وتشكلت لجنة (6+6) من ممثلين لمجلسي النواب والأعلى للدولة بموجب التعديل الدستوري لوضع قوانين الانتخابات، التي تعذر إجراؤها في ديسمبر 2021 في ظل وجود حكومتين بالبلاد، حيث يصنف مجلس النواب الليبي بالمعبر عن شرق البلاد، فيما يعبر المجلس الأعلى عن العاصمة "طرابلس" وغرب ليبيا.

وقالت مصادر عدة إن واحدة من أهم نقاط الخلافات كانت تمسك رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بأن يكون التنازل عن الجنسية الثانية شرطا أساسيا لفوز المرشح لرئاسة ليبيا، لكنه لم يشترط أن يكون التنازل عنها ضرورة للترشح، حيث يمتلك كثير من السياسيين الليبيين جنسية ثانية.

وكانت لجنة (6+6) تخطط لأن يتم إجراء الانتخابات البرلمانية في ديسمبر المقبل أي بنهاية عام 2023، على  أن تجرى انتخابات الرئاسة في يناير 2024، وأن تشكل حكومة مصغرة تكون مهمتها تنظيم العملية الانتخابية.

اتفاق مليء بالسلبيات

في هذا السياق، قال المحلل السياسي الليبي رضوان الفيتوري، في تصريحات خاصة لوكالة فرات للأنباء، إن الاتفاق الذي كان من المزمع التوقيع عليه مليء بالمفخخات، حسب وصفه، موضحاً أنه اتفاق جاء نتيجة التهديد المباشر من بعثة الأمم المتحدة لمجرد استبدال الشخوص المستولين على الوضع في ليبيا والذين يضعون القرارات.

وقال "الفيتوري": "ولهذا رأيناهم يجتمعون كثيرا في تونس والقاهرة وبوزنيقة، واجتمعوا لعشرات وعشرات المرات ولم يصلوا لاتفاق ظاهري، والاتفاق الباطني بينهم والذي تحت الطاولة أن يستمر تدوير الأزمة الليبية ليضمنوا بقائهم في السلطة"، مؤكدا أن هذا الاتفاق جاء مليء بالمفخخات.

علامات استفهام بشأن انتخابات الرئاسة

وتساءل "الفيتوري" ما معنى أن تجرى انتخابات ليبية على جولتين؟ ما معنى أن يكون هناك مرشحا فائزاً بلانتخابات من الجولة الأولى ويشترط عليه أن يذهب لجولة ثانية؟، مؤكداً أن هذا لا يعني إلا أن الجولة الثانية ستكون استعادة للصفوف وترتيب للأولويات والدفع بالحجج القانونية الواهية أمام القضاء الليبي المرتهن ومن ثم إفشال الانتخابات وعدم استكمالها.

ويرى المحلل السياسي الليبي أنه من المبكر أن يكون هناك اتفاق بشأن إقامة مجلس نواب ومجلس شيوخ في ليبيا، ولو أقر هذا الاتفاق سيكون المجلس الأعلى للدولة بمسمى جديد فقط وهو مجلس الشيوخ، والمجلس التشريعي أو البرلمان سيكون "عبارة عن وكالة بلح بدون بواب لا يسيطر عليه إلا التاجر صاحب النفوذ والأموال"، بحسب تعبيره، مشددا، في في ختام تصريحاته،على أن هذا الاتفاق كان كارثياً بكل ما تعنى الكلمة.

جذور الأزمة الليبية

وتعيش ليبيا في دوامة ذات أبعاد سياسية وأمنية وعسكرية منذ الإطاحة بنظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي ضمن ما عرف بـ"موجة الربيع العربي"، ومنذ تلك اللحظة والانقسامات تضرب البلاد، ومع إجراء انتخابات مجلس النواب الليبي في عام 2014 لخلافة المؤتمر الوطني التأسيسي الذي كان خاضعا لهيمنة تيار الإسلام السياسي فقد هؤلاء سيطرتهم، ليقرروا عدم الاعتراف بنتيجة الانتخابات وانقلبوا عليها وشكلوا حكومة في العاصمة "طرابلس" تدعمها ميليشيات بعضها شبه نظامية وتمسكوا باستمرار المؤتمر الوطني كجهة برلمانية تعبر عنهم.

في المقابل، انتقل مجلس النواب المنتخب إلى مدينة طبرق شرق البلاد بدلا من العاصمة وشكل حكومة ويتبع لها ما يعرف بالجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، وظلت البلاد هكذا لفترة مقسمة بين الشرق والغرب وسط خلافات كذلك داخل كل طرف.

ومع الجهود الدولية وتحركات الأمم المتحدة تم التوصل من قبل إلى تشكيل ما يعرف بالمجلس الرئاسي الليبي والذي تنبثق عنه حكومة وحدة وطنية، وأن يستمر عمل مجلس النواب الليبي كما هو وتم تحويل المؤتمر الوطني التابع لطرابلس إلى ما يمسى بالمجلس الأعلى للدولة، إلا أن حكومات الوحدة الوطنية المتعاقبة فشلت في الحصول على ثقة مجلس النواب ولهذا استمر الانقسام وسط جدل سياسي وقانوني.