وقالت سارة صنبر، الباحثة العراقية في المنظمة، إنه "دون تعويضات، يفتقر الكثير من السنجاريين إلى الموارد المالية لإعادة بناء منازلهم وأعمالهم التجارية، ولذا فإنّ العودة إلى ديارهم ببساطة ليست ممكنة. يتعين على السلطات العراقيّة توزيع الأموال المخصصة بالفعل للتعويضات لمساعدة الناس على العودة إلى ديارهم وإعادة بناء حياتهم”.
والكثير من النازحين يعيشون في مخيمات منذ 2014. والذين عادوا يواجهون أوضاعا أمنيّة غير مستقرّة وخدمات عامة غير كافية أو منعدمة، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية والماء والكهرباء.
بغية فهم العوائق التي تحول دون عودتهم، قابلت “هيومن رايتس ووتش” عشرات الإيزيديين الذين يعيشون في مخيّمات اللاجئين في محافظة دهوك؛ وثلاثة إيزيديين ممن عادوا إلى شنكال؛ ومسؤولين حكوميين محليين، منهم نجم الجبوري، محافظ نينوى؛ وماجد شنكالي، عضو في البرلمان ونايف سيدو، قائممقام شنكال بالوكالة؛ وعضو سابق في مجلس محافظة نينوى؛ وممثل عن لجنة التعويضات الفرعية في شنكال.
وقابلت المنظمة أيضا الرئيس السابق للإدارة الذاتية في شنكال، وممثلين عن ست منظمات مجتمع مدني، وديبلوماسيَيْن غربيَيْن.
وتقول المنظمة الدولية في تقريرها الصادر اليوم “السنجاريون الوحيدون الذين حصلوا على تعويضات حتى الآن هم عدد قليل من الأيزيديين الذي تقدّموا بمطالب بموجب قانون أقرّته الحكومة العراقية في 2021، وهو” قانون الناجيات الأيزيديات”، لتقديم تعويضات للإيزيديين والأقليات العرقية الأخرى، بما في ذلك التركمان والمسيحيين والشبك الذين تعرّضوا للقتل دون محاكمة والخطف والاسترقاق والاغتصاب على يد داعش في 2014. لا يزال آلاف الأيزيديين نازحين، و2,700 مفقودين”.
حصلت مجموعة أولى تضم 420 امرأة أيزيدية على تعويضات مالية بموجب قانون الناجيات الإيزيديات في فبراير/شباط 2023.
وتقول “رايتس ووتش”: إنّ هذه الخطوة إيجابية وضرورية لمعالجة الانتهاكات المرتكبة في حق المجتمع الأيزيدي والأقليات الأخرى، والتي ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية، إلا أنها تلبي احتياجات جزء صغير فقط من السنجاريين الذين لهم الحق في تعويضات.
يحق لغير المشمولين بقانون الناجيات الإيزيديات التقدم بمطالب تعويض بموجب “القانون رقم 20 لسنة 2009″، الذي يتميّز باختصاص أوسع ويسمح للعراقيين بطلب تعويضات على الأضرار “جرّاء العمليّات الحربيّة والأخطاء العسكريّة والعمليات الإرهابيّة”.
وينصّ القانون على تعويضات لجميع الضحايا المدنيين للحرب وأفراد عائلاتهم في حالات “الاستشهاد والفقدان والعجز والإصابات والأضرار التي تصيب الممتلكات والأضرار المتعلقة بالوظيفة والدراسة”. يشمل التعويض على الأضرار المتعلقة بالممتلكات العربات، والمنازل، والمزارع، والأثاث، والمتاجر، والشركات المتضررة.
ومنذ افتتاح مكتب لجنة التعويضات الفرعية في شنكال بموجب القانون رقم 20 في 2021، تقدّم 10,500 شخص بمطالب تعويض، بحسب ما قاله ممثل عن المكتب لـ هيومن رايتس ووتش. قال أيضا إنّ حوالي خمسة آلاف من هذه المطالب حصلت على موافقة، لكن لم تحصل أيّ عائلة على أيّ أموال مستحقة لها.
وقال ماجد شنكالي، عضو في مجلس النواب من شنكال: إن “مطالب التعويضات لم تُدفَع في سنجار بسبب مشاكل في الموازنة الاتحادية منذ 2021. لم يُقر العراق موازنة اتحادية في 2022 بسبب عدم القدرة على تشكيل حكومة بعد انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2021. وافق مجلس الوزراء العراقي في مارس/آذار 2023 على مشروع موازنة يغطي الفترة من 2023 إلى 2025”.
وأشار الأشخاص الذين قابلتهم المنظمة إلى تقاعس الحكومة عن تقديم تعويضات كعائق أساسي أمام عودتهم، إضافة إلى نقص الخدمات الأساسية والمخاطر الأمنية في شنكال.
وقال صاحب متجر يعيش في مخيّم للنازحين: “يتعرّض منزلك للتدمير ثم تضطرّ إلى دفع المال لتحصل على تعويض عن أمر لم يكن خطأك”.
وقال الأشخاص الذين قابلتهم “رايتس ووتش”: إنّ إجراءات التعويض بموجب قانون الناجيات الأيزيديات والقانون رقم 20 معقدة وطويلة ومكلفة، وأحيانا يستحيل الوصول إليها أصلا. تعطّلت العمليّة بموجب القانون رقم 20 في سنجار، كما هو الحال في المناطق العراقية الأخرى، بسبب نقائص على صعيد الإجراءات والعمليات ومسائل تتعلق بالموازنة.
وأفاد الأشخاص الذين قابلتهم المنظمة أنّ استكمال الاجراءات استغرق منهم ما يصل إلى العامين وإنفاق ما بين 300 ألف دينار ومليون دينار عراقي (بين 205 و762 دولارا أمريكي) على الرسوم القانونية والإدارية والنقل. قالوا أيضا إنّ قيمة التعويضات التي أوصت بها لجنة التعويضات في سنجار كانت غالبا أقل بكثير من قيمة المنازل أو الأعمال التجارية المدمّرة، أو أقل بكثير من تكلفة إعادة بنائها بالكامل.
بالنسبة إلى البعض، دفعت بهم تكلفة العملية والتعقيدات البيروقراطية المتصلة بها، مقترنة بعدم جدواها الواضح، إلى عزوفهم عن المسألة برمتها أو حتى عدم التقدّم بمطالب تعويض أصلا، بحسب التقرير.
وتضمّ اللجنة التي تشرف على التعويضات بموجب القانون رقم 20 ممثلين عن وزارات الصحة والدفاع والداخلية والعدل، وعن الحكومة المحليّة. تُقيَّم المطالب حالة بحالة، مع الأخذ في الاعتبار قيمة المنازل والأعمال التجارية المفقودة ونسبة الضرر.
ويشير التقرير إلى أن اللجنة تعاني من نقص كبير في الموظفين، حيث يوجد خمسة مسؤولين فقط في مكتب التعويضات في شنكال، وهو الهيئة التابعة للحكومة المحليّة ومهمتها تسلم المطالب في شنكال والبت فيها، والمكلّفة بدراسة آلاف المطالب.
قال ممثل عن مكتب لجنة التعويضات الفرعية في شنكال إنّه عندما توافق لجنة التعويضات على طلب، فإنّه يُرسل للموافقة إما في الموصل – بالنسبة إلى المطالب دون 30 مليون عراقي (20,500 دولارا) – أو بغداد، بالنسبة إلى المطالب التي تتجاوز ذلك. بعد ذلك، يُرسل المطلب إلى الدائرة المالية ذات الصلة للنظر في إجراءات الدفع والتوزيع.
وقال الممثل إنّ نقص الموظفين ساهم في طول وقت الانتظار، وإنّ عدم دفع التعويض لأصحاب المطالب التي نالت موافقة هو نتيجة التعطيل الحاصل في الدائرة المالية في محافظة نينوى في الموصل.
من بين 5 آلاف طلب حاصل على موافقة لجنة تعويضات شنكال، هناك 1,500 تنتظر الموافقة النهائية من الموصل أو بغداد، و3,500 بانتظار الدفع من قبل الدائرة المالية.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” إنّ على الحكومة العراقية معالجة التعطيلات الحاصلة في عمليّة التعويض التي تعرقل صرف الأموال في وقتها لأصحاب المطالب، وضمان توفير تمويل كاف للقانون رقم 20. إضافة إلى ذلك، ولرفع الحواجز الأخرى التي تحول دون عودة السنجاريين وإعمال الحقوق الاقتصاديّة لكلّ من كان يعيش هناك، يتعيّن على السلطات العراقية توفير تمويلات لتطوير البنية التحتيّة المادية وتقديم الخدمات العامة في سنجار، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية والماء والكهرباء وغيرها.
ويضمن الدستور العراقي لعام 2005 دفع تعويضات لعائلات القتلى والمصابين في الأعمال التي تعتبرها إرهابية. نشرت هيومن رايتس ووتش في السابق تقارير عن التطبيق التمييزي للقانون رقم 20 ومنعه العائلات التي يُزعم أنّ لها صلات بداعش من الحصول على تعويضات أو التقدّم بمطالب لهذه الغاية.
وقالت صنبر: “التعويض خطوة حاسمة من أجل الاعتراف بالمعاناة التي عاشها المدنيون ومساعدتهم على إعادة بناء حياتهم. يتعيّن على الحكومة تخصيص الأموال للتعويضات التي نالت موافقة وسدادها بأسرع وقت ممكن. ينبغي ألا يظلّ السنجاريون ينتظرون بلا جدوى”.
ثغرات في التعويض بموجب القانون رقم 20
وبحسب المنظمة: إنّ “عمليّة التعويض بموجب القانون رقم 20 معقدة وطويلة ومُكلفة. يتعيّن على أصحاب المطالب الحصول على أختام أو وثائق من عدّة هيئات، منها مكتب البلديّة المحليّة، والمحاكم، ووزارتي الكهرباء والزراعة، ودائرة المياه، ولجنة تقييم الأضرار في القضاء التي تُقيّم قيمة الممتلكات ومستوى الضرر، والشرطة، وجهاز الأمن الوطني، ودائرة التعويضات”.
وأفاد أولئك الأشخاص أنهم أنفقوا ما يصل إلى مليون دينار عراقي (762 دولارا) على الرسوم الإدارية والقانونية ومصاريف التنقل بين شنكال والموصل ودهوك. آخر خطوة في العمليّة هي الحصول على تصريح أمني من جهاز المخابرات وجهاز الأمن الوطني التابعين لوزارة الداخلية يؤكد أن أصحاب المطالب غير مطلوبين بسبب انتمائهم إلى داعش، الأمر الذي قد يستغرق شهورا.
وينبغي لأصحاب المطالب أيضا تحديد كل قطعة أثاث نُهِبت أو دُمِّرت. قال نايف سيدو، قائممقام شنكال بالوكالة، إنّه يقدّر أنّ 90% من العناصر الخاضعة للمراجعة هي أثاث. قد تستغرق العمليّة سنوات حتى تُستكمَل.