أصبح أردوغان يواجه واحدة من أسوأ فترات الاقتصاد التركي، مع استمرار تراجع الليرة أمام الدولار الأمريكي وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، لكن هذه المرة أصبحت الاتهامات واضحة من قبل المتخصصين بأن الاقتصاد يدفع ثمن سياسات الرئيس التركي الخارجية وعدوانه على شمال سوريا وشمال العراق.
وأعلنت السلطات التركية بشكل رسمي أن معدل التضخم بلغ 38%، بينما أجريت دراسة مستقلة وجدت أن التضخم بلغ 108% خلال يونيو الماضي، بارتفاع نحو 3% مقارنة بمايو، كما سجلت الليرة تراجعاً بنسبة 26% من قيمتها، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل حاد، فضلاً عن مشاكل الأجور وتدني الحد الأدنى.
اقتصاد ينزف
أحدث تلك التقارير ما جاء في صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، مؤخراً، والتي أكدت أن الاقتصاد التركي ينزف نتيجة السياسات الخارجية التي اتبعها أردوغان خلال الفترة الماضية، من خلافات مع كثير من الدول، إلى جانب تكلفة الحرب ضد الكرد والتدخل العسكري في شمال سوريا وغاراته على شمال العراق التي استنزفت خزينة الدولة.
وأكدت الصحيفة البريطانية أنه لكي يمكن للاقتصاد التركي أن يتعافى لا بد أن يتخلى رئيس النظام التركي عن السياسات التي اتبعها خارجيا، كما أنه يتحمل المسؤولية عن تدهور الوضع نظراً للإنفاقات الكبيرة التي قام بها قبيل انتخابات مايو، وقد وجهت المعارضة التركية انتقادات واضحة وصريحة لـ"أردوغان" بسبب تلك الإجراءات.
وأصدرت الحكومة التركية مجموعة من الإجراءات خلال الأيام الماضية بهدف مواجهة التحديات الاقتصادية والتي يأتي أبرزها رفع قيمة الضريبة على البنزين وزيت الديزل، كما أقال الرئيس التركي النواب الثلاثة لمحافظ البنك المركزي وعين ثلاثة جدد، في ظل انتقادات كذلك له في السابق على قيامه بتخفيض أسعار الفائدة عكس بقية دول العالم.
وقد أشارت الصحيفة كذلك إلى أن السياسات الداخلية كذلك وانتهاكات حقوق الإنسان وتدخل أردوغان في السياسات النقدية بشكل كبير، دفع المستثمرين إلى النفور من بيئة الاستثمار في تركيا، في إشارة إلى مغادرة المستثمرين تركيا وهو ما يعني غياب مصدر كبير للأموال الساخنة.
وما جاء في صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية وكذلك اننقادات المعارضة التي تحمل سياسات أردوغان الخارجية جانباً كبيراً من المسؤولية حيال تدهور الوضع الاقتصادي تدفع للتساؤل حول ما إذا كان أردوغان يمكنه بالفعل التخلي عن تلك السياسات التي كما أشارت الصحيفة قد استنزفت خزائن الدولة.
هل يحدث التغيير؟
في هذا السياق، يقول الدكتور بشير عبدالفتاح الخبير في الشأن التركي، لوكالة فرات للأنباء، إن أردوغان بدأ بالفعل تغيير سياساته منذ فوزه بالولاية الرئاسية الأخيرة، بدليل جولته الخليجية الأخيرة التي شملت الإمارات والسعودية وقطر، والتقارب مع مصر، ومناقشة التقارب كذلك مع حكومة بشار الأسد، وكذلك إعادة النظر في طبيعة العلاقات مع اليونان والدول الأوروبية.
وأضاف "عبدالفتاح" أنه من المتوقع أن يبدي الرئيس التركي كذلك مرونة في ملفي العراق وسوريا ومسألة الكرد، لا سيما وأن أردوغان يحاول الاستفادة في الوقت الحالي من موقع سوريا كبوابة للدول العربية، كذلك فإنه ينظر إلى العراق باعتباره سوقاً ضخمة وغنية بالطاقة، وبالتالي فإن رئيس تركيا قرر الاستدارة في سياساته الخارجية بنسب متفاوتة.
وأوضح الخبير في الشأن التركي أن أردوغان قام باستدارة بنسبة 100% في علاقاته مع دول الخليج العربي، ونستطيع القول إنها بنسبة 80% مع مصر، ومع سوريا والعراق بنسب تصل إلى 40% و 50%، وبالتالي المهم أن هناك تغيير في السياسة الخارجية التركية بما يخدم الاقتصاد التركي الذي يحتاج إلى هذه الاستدارة بشكل أو بأخر، وبنسبة أو بأخرى حسب مستويات العلاقة مع كل طرف.
وكانت صحيفة "فاينانشيال تايمز" أشارت في تقرير سابق إلى أن أردوغان حين ذهب إلى دول الخليج كان لديه قائمة تضم مجموعة من الأصول التي تمتلكها الدولة والتي يرغب في بيعها لمستثمرين خليجيين، ولا تزال هناك تحفظات كبيرة من المعارضة التركية بشأن الصفقات التي يمكن على أساسها بيع تلك الأصول، في إطار محاولاته للتغلب على الوضع الاقتصادي المتعثر.